فليبقَ حفظ البقاء هدفنا الأسمى
تاريخ النشر: 06/12/14 | 12:55تعيش المنطقة في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ انطلاقة الربيع العربي، حالة شديدة من التوتّر، لربما هي الأشدّ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتقسيم المنطقة إلى دول قوميّة مستقلة. هذه الحالة منوطة بارتفاع قوى سياسية جديدة، تحاول إعادة ترتيب الأوراق السياسية في بلادها من جديد، من خلال السيطرة على مراكز القوى، واستبدال قوى سياسية مسيطرة عليها، بقوى جديدة.
بعيداً عن الدخول في مواصفات وأطماع كل من القوى السياسية الجديدة، وكونها موالية للنظام القائم في بلادها، أو معارضة له، أو أنّها متعاطفة مع هذه الطائفة أو تلك، وبدون الدخول في خصوصيات ومميزات البرنامج الاقتصادي والسياسي، لكل واحدة من هذه القوى السياسية. يأتي هذا المقال، ليؤكد على وجوب مبدأ”حفظ البقاء،” واعتبار هذا المبدأ، هدفًا أسمى يجب اتّباعه، والعمل بجميع الوسائل المتاحة، من أجل الحفاظ عليه، من قبل كل من يعتبر نفسه، ابنًا لطائفة الموحدين الدروز، على المستوى الديني، وابنًا للطائفة المعروفية، على المستوى الثقافي.
يزداد موضوع إعادة التركيز على مبدأ ” حفظ البقاء” كمبدأ أسمى، أهمية في ظل البلبلة، في قراءة الخارطة السياسية الحالية، في جزء من الدول العربية المجاورة، وعلى ضوء المواقف المتناقضة، لقيادات دينية وسياسية، اتجاه ما يحدث من تطورات على أرض الواقع، وتفسيرات متنافرة، حول الإمكانيات والاستراتجيات الملائمة في ظل هذه التطورات.
تزداد في مثل هذه الحالة، الحاجة إلى قاعدة صلبة، ومبدأ واضح، يمكِّنانا من تقييم التطورات الأخيرة من خلاله، دون السماح لأحداث من الماضي البعيد والقريب، وما تحويه من دروس حقيقية، ولتوقعات مستقبلية، وما تحويه من المعقولية في التأثير علينا، من اتخاذ القرار الصحيح، اتجاه التطورات السياسية الجذرية التي نحن بصددها.
وقد عارضتُ من هذا المنطلق أيضًا، موقف الدكتور فيصل القاسم، مقدم برنامج قناة الجزيرة “الاتجاه المعاكس”، اتجاه ما يحدث في سوريا، ونداءاته المتكررة، التي يطالب فيها أبناء طائفة الدروز في سوريا، بشكل عام، وفي محافظة السويداء بشكل خاص، بالتمرد ضد النظام المركزي في دمشق، واتخاذ دور أكثر فعالية، مع قوى المعارضة، من أجل إسقاط النظام.
لا ينبع موقفي المعاكس، لموقف مقدم برنامج “الاتجاه المعاكس”، من عدم تفهمي للمقومات التي يبني عليها ادعاءاته؛ وإنما بسبب الاختلاف الجذري في المبدأ، الذي يحكم تقييمي لنفس المقومات، وللحالة المطروحة، وعليه أيضاً، سبل التصرف الجماعي، الأكثر ملائمة اتجاه هذا الموضوع.
وفي حين، يضع الدكتور القاسم نصب عينيه، تغير النظام في دمشق، هدفًا أسمى، يستحق التضحية من أجله بكل الإمكانيات المتاحة، يبقى بالنسبة لي، مبدأ “الحفاظ على البقاء” لأبناء طائفة الموحدين -الطائفة المعروفية- الهدف الأسمى، ولربما الوحيد، الذي يبرر استعمال جميع الوسائل المتاحة للحفاظ عليه.
يوثر الاختلاف في المبدأ، بشكل مباشر، على كيفية تقييم الموضوع، وعلى نوعية الاستراتيجية التي يجب اتّباعها في الفترة القريبة. فمن جهة القاسم، يشكل الحراك السياسي في سوريا، فرصة لمحاسبة النظام، على معاملته السيئة لهذه الملة في الماضي، وما خلفه نظام عائلة الأسد، من فقر اقتصادي، وهيمنة سياسية، وتخلّف علمي، في المناطق المزعومة، الأمر الذي أدى بالكثير من أبناء الطائفة الدرزية، إلى الهجرة، إلى دول الخليج، وإلى دول جنوبي أمريكا، في حين –وبكلماته هو- بقيت السويداء “، بيت للعُجَّز وغير القادرين على السفر”.
إن تقييم مثل هذا المبرر، بناء عل مبدأ الحفاظ على البقاء، لا يشكك في مصداقية ادعاءات جزء كبير من المعارضين للنظام، حول تقصير النظام المركزي، من تقديم الكفاية للمواطنين السوريين، بشكل عام، وللمناطق الدرزية، بشكل خاص في الماضي، وتأثير ذلك على الوضع الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي الحالي في هذه المناطق، ولكن مبررات من هذا القبيل، تكاد تتجمد، حين يكون الحديث عن خطر داهم أمام مجموعات إرهابية متطرفة، تهدد كيان المجموعة، وتكفر وجودها، بل تحلل ذبحها أيضاً.
هكذا أيضا يبرر القاسم نداءاته للالتحاق بصفوف المعارضة، بناء على تحليل شخصي، وتوقعات حول تصرف النظام في سناريوهات مستقبلية، وتوقعاته بأن النظام المركزي في دمشق، سوف يتخلى عن دروز سوريا وأهل السويداء، في حال ضاقت به السُّبُل، ووصل إلى مرحلة العجز، في تقديم حماية للمناطق البعيدة عن العاصمة، أو بعبارة أوضح: تلك المناطق غير المأهولة بالأقلية العلوية.
نقطة الانطلاق المبنية على مبدأ “حفظ البقاء،” لا تتجاهل إمكانية تخلي النظام عن أبناء الطائفة في المستقبل، وفي حالة فقد السيطرة، ولكنها تقيّم الاستراتيجية المناسبة، بناء على الإمكانيات المتاحة. لا لأنها غير مطلعة على سناريوهات مختلفة، بل العكس تماماً، بل لأنها تبحث عن إجابات عملية، لأسئلة شائكة، يجب الإجابة عليها، قبل تخلي أبناء هذه الأقلية عن النظام المركزي في دمشق، وتحديدًا حول نوعية القوى العسكرية التي ستدعمهم، وهوية القوى العظمى التي سترسل قواتها، وكيفية وصول الإمدادات الاقتصادية والمعونات لهذه المناطق؟
بناء على ما ذكر، يصبح واضحاً، بأن تقييم الوضع لما حدث في الماضي، وما سيحدث في المستقبل، يأخذ طابعاً مختلفاً، إذا كانت نقطة الانطلاق، هي “المحافظة على البقاء”. لأنه، بالرغم من القهر، اتجاه تصرفات النظام في الماضي، فإنه أرحم من سيناريوهات القوى المعارضة الحالية، وقوى التكفير. وبالرغم من ضعفه كحليف أمين، يبقى الحليف الأضمن، والأكثر موالاة من غيره.
ومن هذا المنطلق، تبقى سياسة السكوت التي اتّبعتها الأغلبية الساحقة من أبناء الطائفة، وأبناء المحافظة، هي “الاتجاه الصحيح”، وليست “الاتجاه المعاكس”، كما يدّعي القاسم، والأكثر نجاعة من أجل “الحفاظ على البقاء” في وطنهم وأرضهم، في ظل هذه الظروف الصعبة. وعلى المدى القريب، عليها أن تتجلى من خلال استمرارية تأدية الموظفين الرسميين، والعاملين في سلك الدولة من أبناء الطائفة والمحافظة، على مهامهم، اتجاه الدولة، بشكل شريف، والتزام الأغلبية الساحقة بالقانون وأمن الدولة. في حين عدم التحدي بشكل فردي، أو كمجموعة مذهبية، بل أيضاً احترام آراء قوى معارضة، يحاول جزء منها إعادة اللعبة السياسية في سوريا.
بقلم أمير خنيفس