أربع قصائد من برلين
تاريخ النشر: 25/05/12 | 2:42كان من عاداتي
فـي شـِتـاء ِ الـشـَمـال ِ، في الـمـَديـنـَة ِ الـْمـُثـْلـَجـَة ِ وشـَديـدَة ِ الـْبـُرودَة ِ،
كـانَ مـِن ْ عـاداتـي الـْجـُلوس ُ طـَويـلا ً فـَوْق َ الـْمـَقـْعـَد ِ الـْخـَشـَبـِي ِّ
أرقـُب ُ جـَدائـِل َ الـَّثلـْج ِ مـُتـَدَلـِّيـَة ًمـِن ْ أغـْصـان ِ شـَجـَرِة ِ الـْكـَسـْتـَنـاء،
نـاصـِعـَة ِ الـْبـَيـاض ِ،تـَتـَقـافـَز ُ الـْقـَنـافـِذ ُ الـْبـِنـِّيـَّة ُ بـَيـْنـَهـا ، بـِمـَرَح ِ
الأطـْفـال ِ الـشـَّيـاطـيـن ْ!
وَحـيـن َ يـَقـْسـو الـْبـَرْد ُ فـي الـْمـَكـان ْ،
أسـْتـَحـْضـِر ُ الـشـَّمـْس َ الـْمـُضـيـئـة َ الـْمـُخـْتـَبـِئـَة َ خـَلـْف َ الـْكـُتـَل ِ الـثـَّلـْجـِيـَّة ِ
فـي الـْغـُيـوم ِ الـسـَّوْداء ،فـَأرى مـا لا يـَراه ُ كـَثـيرون ْ!
شـَمـْسـا ً تـَخـْتـَبـِيْ ُ خـَلـْف َ الـْغـُيـوم ِ فـي ذلـِك َ الـنـَّهـار ِ شـَديـدِ الـْبـُرودة.
وَعـَلـى غـَيـْر ِ تـَوَقـُّع ٍ تـَحـْضـُرُنـي ، وَأنـا ” ثـاو ٍ عـَلـى مـَقـْعـَدي “، شـَمـْس ُ الـْجـَلـيـل ِ الـْمـُنـيـرة ُ، ذات َ الـْهـالـَة ِ الـْمـُقـَدَّسـَة ِ ، وَهـّاجـَة الـضـَّوْء ِ وَدافـِئـَةَ الأشـِعـَّة ِ والـَّتـي طـالـَمـا ذكـَّرَتـْنـي بـِجـَدائـِل َ صـديـقـَتـي،
فـأمـْتـَلـِيْ ُ دِفـْئـا ً وعـِشـْقـا ً ذلـِك َ الـنـَّهـار ِ شـَديـد ِ الـْبـُرودَة ْ!
البجعة
عـِنـْد َ حـافـَّة ِ النَّـهـْر ِ ، الـَّذي يـَفـْقـِد ُ كـُل َّ أثـَر ٍ بـَعـْد َ رِحـْلـَةِ عـِشـْق ٍ فـي غـابـَة ِ نـِسـاء ِ الـصـِّرْب ِ الـْجـَمـيلات ِوالـْمـُلـَوَّنـات ِ مـِثـْل َ طـائـِر الـْفـَزان ْ ! راحـَت ْ بـَجـْعـَة ٌ بـَيـْضـاء ُ، خـالـَطـَت ْ ريـشـَهـا شـَديد َ الـْبـَيـاض ِ ريـشـات ُ سـَوْداء مـُتـَفـَرِّقـَة ، تـَرَكـَتـْهـا خـَبـْطـات ُ قـَلـَم ِ رَسـّام ٍ رائـِع ْ!
راحـَت ْ تـَذرُع ُ الـنـَّهـْر َ ذهـابـا ً وإيـابـا ً ، بعيدَة َ مـَهـْوى الـْقـِرْط ِ تـَفـيـض ُ بـَهـاء ً إنـْسـانـِيـّا ً وَدِعـَة َ طـِفـْلـَة ٍ وَتـَتـَقـَدَّم ُ بـِخـُطـى ً مـُسـْتـَقـيـمـَة ٍ وواثـِقـة.
ذكـَّرَتـْنـي طـَلـَّتـُهـا الآسـِرَة ُ مـِن ْ بـَيـْن أشـْجـار ِ الـْكـَسـْتـَنـاء ذات ِ الـْخـُضـْرَة ِ الأبـَدِيـَّة ِ ، بـِطـَلـَّة ِ مـَن ْ أحـِب ُّ ومـَن ْ تـَمـْنـَحـُنـي شـُعـور َ الـْفـَرَح ِ الـَّذي لا يـَعـْرِف ُ الـغـَرَق َ فـي أيـَّة ِغـابـَة ٍ غـَيـْر غـابـة ِ عـِشـْقـِهـا الـْجـَمـيـل ْ!
صـورة لا تـمـَّحـي
ذات َ مـَسـاء ٍ فـي زَمـَن ٍ لـن ْ يـَعـود َ ولـَن ْ يـَتـَكـَرَّر َمـِثـْل َ الأشـْيـاء ِ الـْجـَمـيـلـَة ِ فـي حـَيـاتـِنـا ، قـالـَت ْ صـَديـقـَة ٌ قـَديـمـَة ٌ عـَرِفـت ْ كـَيـْف َ تـُفـَلـْسـِف ُ الـْحـُب َّ وكـان َ شـُعـور ٌ مـُبـاغـِت ُ لـَفـَّنـا:
أنـّا غـَريـبـان ِفـي هـذِه ِ الـْمـَديـنـَة ِ الـْبـارِدَة ِ الـْمـُثـْلـَجة نـَبـْحـَث ُ فـي هـَوَس ِ الـْعـاشـِقـيـن َ الـْمـُتـَسـَوِّلـيـن َ عـَن ْ مـَحـارَة ٍ تـَمـْنـَحـُنـا فـرْصـَة َ أن ْ نـُمـْسـِك َ بـِقـَرْنـي ِّ الـزَّمـَن ِ الـْمـُنـْدَفـِع ِ، فـنـَسـْرِق مـِن ْ فـَمـِه ِ لـَحـْظـَة َ اصـْطـِيـاد ِ الـدِّف ءِ الإنـْسـانـي ِّ والـسـَّعـادة ِ الـْمـُمـْعـِنـَة ِ فـي الـْفـَرار ْ!
قـالـَت ْ:
نـَحـْن ُ كـالـْقـِطـارات الآتـِيـَة ِ مـِن ْ مـَسـافـات ٍ بـَعـيـدَة ٍ ، تـَبـْحـَث ُ عـَن ْ مـَحـَطـّاتـِهـا ، تـَدخـُلـُهـا فـَتـَتـَزَوَّد ُ بـِالـْوقـود ِ لـِتـَفـْتـَرِق َ فـَتـَنـْطـَلـق ْ.
ذاك َ الـْمـَسـاء أشـْعـَلـَتـْنـي بـِتـوابـِلـِهـا الـَّتـي أعـادَت ْ إلـَي َّ عـَبـَق َ الـرَّوائـِح ِ الـْحـارِقـَة ِ لـِلـْجـُزُر ِ الـْوَحـْشـِيـَّة ِ الـَّتـي لـَم ْ تـَطـَأهـا قـَدَمـان!
افـْتـَرَقـْنـا ذلـك َ الـْمـَسـاء،
وَقـَد ْ أبـْقـَت ْ فـي ذاكـِرَتـي صـورَة ً مـُمـَوَّهـَة ً لـِلـْقـِطـارات ِ الآتـِيـَة ِ مـِن ْ مـَسـافـات ِ بـعـيـدَة ٍ ، صـُوَرَة ً لا تـَمـَّحـي .
أتذكرك…أيتها المرأة الجميلة
فـي كـُل ِّ مـَرَّة ٍ تـَحـْمـِلـُنـي قـَدَمـاي َ الـْخـَقـيـفـَتـان ِ وَبـِكـُل ِّ رَشـاقـَة ِ الـْمـُهـور ِ الـْمـُجـَنـَّحـَة ِ إلـى الـشـّارِع ِ الـْقـَديـم ِ فـي حـَي ِّ لـيـشـْتـِنـبـيـرْغ حـَيـْث ُ كـُنـْت ِ تـَسـْكـُنـيـن َ فـي الـْمـَديـنـَة ِ الـْمـُثـْلـَجـَة ِ ، أمـلا ً فـي أن ْ أجـِدَك ِ هـُنـاك َ.
أتـَذكـَّرُك ِ جـَيـِّدا ً وكـَثـيرا ً يـا لـؤلـؤتـي الـسـَّوداء يـا مـَحـارَتـي الـْمـُغـْتـَسـِلـة َ ، مـُنـْذ ُ طـَلـْق ِ الـْولادَة ِ ، بـِمـاء ِ ” الـشـوكـو ” الـْحـار ِ
الْطـالـِع ِمـِن ْ بـَيـْن َ زَبـَد ِالـْخـُلـْجـان ِ الـْوَحـْشـِيـَّة!
أتـَذَكـَّرُك ِ أيـَّتـُهـا الـْمـَرْأة ُ الـْجـَمـيـلـَة ُ،
أيـَّتـُهـا الـْخـَجـولـة ُ مـِثـْل َ طـِفـْلـَة،
الـشـَّرِسـَة ُ مـِثـْل َ ذِئـْبـَة ِ الأسـاطـيـر ْ ،
أذْكـُر ُ كـيـْف َ كـانـَت ْ تـَتـَراقـَص ُ أضـْواء ُ الـشـُّمـوع ِ فـي عـَيـْنـيـْك ِ وَيـَتـَسـَلـَّل ُ إلـى دمـِك ِ الـصـَّخـَب ُ الـْمـُنـْبـَعـِث ُ مـِن ْ مـوسـيـقـى صـَيـّادي الـْغـابـات ِ الـزّاحـِفـيـن َ بـِخـُطـى ً راقـِصـَة ٍ ، إكـْبـارا ً لآلـِهـِة ٍ أو ْ بـَحـثـا ً عـَن ْ غـَنـيـمـة !
عـَبـَثـا ً أبـْحـَث ُ عـَنـْك ِ،
فـأنـا أعـْرِف ُ فـي مـُنـْحـَنـَيـات ِ ذاكـِرَتـي الـَّتـي لا تـَشـيـخ ُ أنـَّك ِ لـَسـْتِ هـُنـا ، فـَقـَد ْ دَفـَعـَتـْنـا دُروب ُ الـْحـَيـاة ِ الـشـّائـِكـَة ِ كـُلا ً فـي طـَريـق ْ! بـَحـْثـا ً عـَن ْ شـَمـْس ٍ فـي وَطـَن ٍ يـَسـْكـُنـُه ُ الـْلـَيـْل ُ وَهـُمـوم ُ الـْجـَرْي ِ الـْمـُضـْنـي بـَحـْثـا ً عـَن ْ كـِسـْرَة ِ خـُبـْز ٍ وَعـيـشـَة ٍ كـَريـمـَة.
عـُذْرا ً ، فـَلا زِلـْت ُ أجـيءُ أفـَتـِّش ُ ، فـي هـَوَس ِ الـْعـاشـِقـيـن َ ، بـَيـْن َ رُكـام ِ الـشـّارِع ِ الـْمـُعـْتـِم ِ الـْقـَديـم ِ عـِنـْد َ جـَبـَل ِ الـضـَوء ، أفـَتـِّش ُ عـَن ْ مـَحارَة ِ تـَفـوح ُ بـِعـَبـَق ِ تـَوابـِل ِ الـْجـُزُر ِ الـْوَحـْشـِيـَّة!
ابداع أناملك المرمرية يتحفنا بأجمل اللوحات الفنية.فشكرا لك على امتاعك لناظرينا بمثل هذا الرونق الجميل.تحياتي لك أستاذي