القدس
تاريخ النشر: 19/11/14 | 16:46عاشت القدس في الكيان الجمعي للإنسان على مر الدهور بوصفها جزءاً من الجغرافيا وجزءاً من الدين ومن الهوية، عاشت في ظل تقلبات سياسية وديموغرافية عصفت بها على مدار التاريخ، ولكنها بقيت القدس وستبقى، القدس الهوية، القدس الحاضنة والرافعة، القدس القبلة الروحية للعالمين.
أحببت من خلال هذه الإطلالة أن أبرز بعض الصور التاريخية التي استخرجتها من الأرشيف العثماني لمدينة القدس التاريخية، لنعرف أنماط الحياة فيها، ولتبقى هذه الصور شاهداً على عروبة وإسلامية هذه المدينة المقدسة، وعلى هويتها الحقيقية بعد موجة التغريب والتهويد التي تجري فيها على مدى سنوات الاحتلال.
عامرة بالحياة، عابقة بالذكريات، هي كما هي، موجودة في أذهاننا حتى ولو طُمست الأسماء وتغيرت مسارات الوصول إليها.
تمثل القدس اليوم بؤرة الصراع الحقيقي، وموجهاً من موجهات الفهم السليم لما يجري في جغرافيا العالم بأسره، وفهمنا لماضيها وحاضرها، يعطينا صورة بانورامية لهذه المدينة التي بقيت شامخة على مر الدهور.
بالنظر إلى الصور والسجلات التي يحويها الأرشيف العثماني، فقد تمتعت القدس بأهمية خاصة لدى السلاطين العثمانيين جميعاً، ولا سيما السلطانان: سليمان القانوني، وعبد الحميد الثاني.
من ينظر إلى هذه الصور، يجد مدى الاهتمام الحقيقي بهندسة المدينة، والحفاظ على شكلها العام، وطبيعتها التي تتوافق مع الهوية الدينية، ولعل هذا ما دعا كثيراً من الباحثين للتوجه للأرشيف العثماني مؤخراً للوقوف على هذه الصور النادرة والمفقودة فعلياً.
اليوم، يكمن التحدي الحقيقي في الإثبات التاريخي لحق الفلسطينيين فيها، وفي الأرشيف العثماني الذي يعتبر وثيقة تاريخية معترفاً بها دولياً، يمكن الخلوص إلى العديد من الشواهد التي توثق للحقوق الفردية والجماعية لكل ما في القدس وفلسطين، وبصورة تغيب عن تخيلاتنا، عبر أكثر من خمسة ملايين وثيقة تتصل بفلسطين وتاريخها.
هذه الصور التوثيقية النادرة، تعتبر مرجعاً للعديد من الفنون العصرية كذلك، وليس في مجال التوثيق التاريخي فحسب، بل فيها قراءات تفصيلية لطبيعة المدينة والسكان وأنماط الحياة وأشكال التفاعل اليومي مع مجريات الحياة اليومية في المدينة المقدسة.
في هذه السياحة التاريخية الموجزة، أحببت أن أسلط الضوء على الهوية الحضارية للقدس أيضاً، وعلى كونها بماضيها، وحواريها التاريخية وشوارعها وأزقتها القديمة تمثل زهرة المدائن، وعنوان حياة لأمة في الآن ذاته.
د. نزار نبيل أبو منشار الحرباوي