الناقد الأديب الإعلامي الأستاذ فهيم أبو ركن في مقدمته لكتاب: السماء الخضراء والطبيعة الزرقاء

تاريخ النشر: 04/07/25 | 11:21

هذا ما كتبه الشاعر الناقد الأديب الإعلامي الأستاذ فهيم أبو ركن في مقدمته لكتاب: السماء الخضراء والطبيعة الزرقاء، للشاعر الأديب الكاتب الدكتور الشيخ رافع حلبي ابن دالية الكرمل.

الكتاب الذي بين أيادينا للشاعر الدكتور الشيخ رافع حلبي، يعتمد على أسلوب الرسائل، حيث نطالع فيه رسائل متبادلة بين مؤلف الكتاب أو بطل النصوص وبين صديقته الافتراضية التي لم يلتقها أبدا، فجاء التخاطب بضمير المتكلم. وصديقته ليست امرأة! إنها رمز روحاني يفسره القارئ وِفق معرفته، ثقافته ومعتقداته!
في هذا الكتاب وبهذا الأسلوب تلتقي اللغة بالفكرة ويمتزج التعبير بالعاطفة، ويصير الشعور مادةً قابلة للتأمل الفكري. لا أبغي بكتابة هذه المقدمة تحليل وشرح الكتاب، بل أكتبها لأضيء – لك عزيزي القارئ – بعض الزوايا ولأحثك على القراءة والاستفادة والتمتع.
هذا الكتاب مرآة تعكس أفكار الكاتب، خواطره وطريقة تفكيره، وتعبر عن أمانيه وآماله بطريقة جذابة تحتاج من القارئ إلى التفكير العميق لأنه يطرح قضايا تلامس الفلسفة والتي تحتاج إلى إجابات وقناعات معينة، وربما تخلق تساؤلات وشكوك وحيرة، الإجابات عنها توضّح زوايا خفية في نفوس البشر، وتشكل نافذة أو بابا نلج منه أعماقنا ودواخلنا وربما بتفكير أوسع نطلّ أيضا على أعماق الآخرين ونكتشف ذواتهم.
هذا العمل الأدبي هو محاولة لالتقاط لحظات الحياة العابرة، وتوثيقها بنصوص تتأرجح أو تتناوب بين النثر وبين الشعر، وتوظف طاقات متزايدة من المشاعر وعلامات سؤال صغيرة وكبيرة، يترك المؤلف إمكانية الإجابة عنها للقارئ. صفحات هذا الكتاب ليست سوى دعوة للقارئ كي يتأمل، ويتذكر، وربما يجد نفسه بين السطور.
مضمون الكتاب وقضاياه يصوغها الكاتب ويسكبها بقوالب عبارة عن رسائل تتضمن الكثير من البوح وربَّما الأسرار، والتي يبوح بها المؤلف لصديقته وهي بالتالي تبوح له بمشاعرها وأفكارها فنكتشف عوالم النفس الخفية، ويضطرنا للتفكير بالمستقبل أو بالحياة الآتية.
الكتاب يحتاج إلى قراءة متأنية متريثة وربما إلى قراءتين أو ثلاث، وإلى ثقافة واسعة لفهم الرموز أو الأسرار التي ينثرها المؤلف بين السطور، ويكررها عبر صفحات وفقرات الكتاب، التي تبرهن أن المؤلف متأثر بالنواحي الروحانية الدينية لمعظم الديانات السماوية، فهو يكرر جملة “ملايين ملايين السنين”، وعبارة “ألف أو ألفا عام” والتي تشير إلى حقيقة تاريخية، فعبارة “ملايين ملايين….”، ربما تشير إلى معتقد لا يفهمه إلى صفوة من المشايخ، فهذه الرموز تارة تعبر عن أبعاد فيزيائية، وطورا عن مسافات زمنية.
ونستشف من بين السطور التطرق أو التلميح لقضايا ومعتقدات مثل؛ التقمص والحياة والآخرة، والزهد والتقشف، يعبر عنها بأسلوب إيحائي شفاف، مثل قوله: كلّ من يحب الحياة يخسر المجد في الحياة الآخرة، وكل من يزهد في الحياة الدّنيا يكسب ما اكتسبت الرّوح من النّور والسّعادة والخير الأبدي…”، واسمعه يقول: “أتتبع خطواتِكِ راكضًا في المسير الطّويل، نحو المجهول لملايين وملايين الأميال، الّتي لا يمكننا قياسها بالمسافات، هي فقط مساحات لا نهائية في الوجد…” (ص:32)، وفي مكان آخر نقرأه يكتب: “عدنا كأهل الكهف، كما بدأنا منذ ملايين وملايين الأعوام…” (ص: 61). و “نحن يا صديقتي، الّتي ما التقيت بها منذ البداية وما تحدَّثت معها من قبل، نخوض في كلّ يوم يمرُّ، آلاف الحروب مع من يفهمنا ومع من لا يفهمنا، وربما لا نصل نحن لدرجة الوعي والإدراك فعقلي المتحيّر الثّرثار، يعلم ملايين وملايين الأمور وما زال يطلعني بكلّ الصّعاب، وقد أُدْرِك أو لا أُدْرِك مدى فهمه للأمور المعقّدة” (ص: 118).
كذلك في الكتاب العديد من النقد لظواهر المجتمع في عصرنا، لا أريد أن أورد الكثير من النماذج في هذه العجالة، لأن الكتاب مليء بها، ولكن لنأخذ فكرة، عنها أستشهد ببعض النماذج القليلة على سبيل المثال لا الحصر:
“أنتَ أو غيركَ ممن انقضّوا على القيادة وتسلّموا مقاليد الحُكم… وتمسّكوا بعقدة السّيادة، وكأنكم مخلّدين على وجه هذه الفانية، لم تعتبروا بغطرسة النمرود ومصيره المشؤوم ولا بكف إسكندر…” (ص: 88)
“ومنذ الأزل لم ينجح أحد من بني جنسنا البشري، بالبقاء على هذه الأرض، كلّنا سائرون للفناء… كلّنا سنندثر ونتوارى تحت التّراب..” (ص: 90)
“ويل لنا يا صديقي… من تراكمات القهر والغدر والعذاب… وجع الرّوح يا صديقي، ليس مثله وجعٌ، ينساب في العروق يدخل في العظام” (ص: 73)
“كلّ قوانين أهل الأرض لا تنفعنا لنعالج الأمراض العقلية والأوبئة الفاسدة، الّتي انتشرت على ربوع الشرق الأوسط وفي كلّ مكان” (ص:60).
وأخيرا، أدب الرسائل جنس أدبي ليس بجديد على أدبنا العربي الذي شهد تبادل الرسائل المتبادلة بين كبار الأدباء والمشاهير، كتلك التي كانت بين جبران خليل جبران وبين مي زيادة، والرسائل بين شقي البرتقالة سميح القاسم ومحمود درويش، والرسائل بين غسان كنفاني وبين غادة السمان، ومن الأدب العالمي حظينا برسائل؛ “بين سارتر وبين سيمون دبفوار، ورسائل كافكا لميلينا، وهناك رسائل من جانب واحد كرسائل محمود درويش لحبيبته اليهودية ريتا ورسائل عباس محمود العقاد أو الكاتب الروسي فلاديمير نابكوف إلى زوجته وغيرهم كثُر. ومن هذه الرسائل غير المتبادلة نجد الكثير منها كتبها أدباء أو فلاسفة أو مفكرون لأحد أبنائهم، أو بناتهم، أو لمسؤولين، كانت هذه الرسائل تعتبر نصًا أدبيًا إبداعيا غنيًا بالثقافة والفِكر لما تحتويه من الحِكم والبلاغة وسداد الرأي وغير ذلك”.
في هذا الكتاب، نجح الكاتب بالارتقاء في مستواه التعبيري والإبداعي، بجوانب فكرية فلسفية لنسافر عبر الكلمات إلى عوالم تتجاوز الواقع، ونلامس بأرواحنا ملامح الإنسان في لحظات ضعفه وقوته، حين يبوح بها لصديقته فيعبر عن ألمه وعن اشمئزازه من الواقع ويترجم انكساره وحيرته ويقينه.
أدعو القارئ للغوص بين أمواج هذا البحر وسبر أعماقه في رحلة من المتعة والفائدة، وأبارك للمؤلف الكاتب الدكتور الشيخ رافع حلبي على هذا الكتاب الراقي، راجيا منه مواصلة عطائه الأدبي الإبداعي الراقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة