غزوة الخندق من خلال من كتاب نور اليقين 28 الحلقة الثّانية والأخيرة

معمر حبار

تاريخ النشر: 05/05/25 | 21:07

استغلال صداقة الأعداء للتّفريق بين الأعداء:

قال الكاتب: “جاء نعيم بن مسعود الأشجعي، وهو صديق قريش واليهود ومن غطفان. فقال: يا رسول الله إنّي قد أسلمت وقومي لا يعلمون بإسلامي فمرني بأمرك حتى أساعدك. فقال: أنت رجل واحد وما ذا عسى أن تفعل؟ ولكن خذل عنا ما استطعت فإنّ الحرب خدعة”. 163

أقول: صداقة الأعداء المحتلّين إن كانت لتفريق صفّهم، وتشتيت عددهم، واشعال النيران فيما بينهم. فهي سلاح فاعل، ويحدّد مصير المعركة، ويقلب الموازين حين يحسن المعني استخدامه. وقد استخدمه سيّدنا نعيم بن مسعود رحمة الله ورضوان الله عليه. فأبدع في استخدامه، وفرّق به بين الأعداء المتحالفين، وكان عاملا من عوامل نصر المسلمين في غزوة الخندق. وهم يومئذ محاصرون من فوقهم، ومن تحتهم.

سلاح إخفاء الإسلام في المدينة:

المعروف أنّ إخفاء إعلان المسلم إسلامه كان في مكّة. وله ما يبرّره من بطش قريش، وحرمان المسلمين حقوقهم، والضّغط عليهم، والسّطو على ممتلكاتهم، والاستهزاء بهم، وقتلهم، وتشريدهم، وتجريدهم.

والسؤال لماذا أخفي سيّدنا نعيم بن مسعود إسلامه في مدينة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وبعد الهجرة إليها منذ أربع سنوات، وتأسيس أركان الدولة والمجتمع، وتوفّر الأمن، والحرية، والمنعة، والانتصار العسكري الخارق في غزوة بدر؟.

الإجابة -في تقديري-: يمكن إخفاء إعلان الدخول في الإسلام -وأيّة فضيلة- ما دام العدو يتربّص بالمسلمين الدوائر، ويستعمل الإخفاء وعدم الإظهار سلاحا للتّفريق فيما بينهم، وإلحاق الهزيمة بهم. فهو إخفاء فرضته ظروف الحرب. كما كان في مكّة إخفاء فرضته ظروف البطش. فالمسألة ليست بالإخفاء، أو الإظهار. إنّما متى، وكيف يتمّ ذلك. والنّتائج المرجوّة.

إخفاء سيّدنا نعيم بن مسعود إسلامه كان عزّا، ونصرة، وتقوية لصفوف المسلمين. وكسرا لشوكة المشركين، واليهود المتحالفين معهم ضدّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والمسلمين، والدولة الفتية.

متى يكون الرجل الواحد بجيش؟:

سيّدنا نعيم بن مسعود رجل واحد من المسلمين استطاع أن يلحق أضرارا بالغة، ومؤذية بجيوش قوية متحالفة ضدّ المسلمين. ولم يهدأ له بال حتّى فرّق جمعهم، ونشر الرّعب فيما بينهم، وزرع الخلاف بين قادتهم، وولوا الأدبار، وتوقّفوا عن قتال المسلمين، وعادوا لديارهم خائبين منهزمين. وهو لا يملك غير لسان يفرّق به بين الأعداء، وحيلة يبعدهم عبرها عن حرب المسلمين. وقد نجح في ذلك نجاحا باهرا وهو رجل واحد فقط.

والرجل الواحد حين يخفي أسراره -كإخفاء إسلامه في هذه الحالة- يمسي لوحده جيشا يفرّق بين الجيوش المتحالفة، ويلحق بهم الخسائر.

الدعاء سلاح المحارب:

قال: “وكان عليه السلام قد ابتهل إلى الله الذي لا ملجأ إلا إليه ودعاه بقوله: “اللّهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللّهم اهزمهم وانصرنا عليهم”. 164

أقول: رغم ما قام به سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، من حفر الخندق رفقة أسيادنا الصحابة، وتوزيع المقاتلين، وحراسة الأماكن المترامية والتي يمكن أن يستغلّها العدو، وتوصية سيّدنا نعيم بن مسعود من الدخول بين قريش واليهود للتّفرقة فيما بينهم، وزرع اليأس بعدم محاربة المسلمين. بقي سيّدنا رسول الله تعالى يدعو ربّه، ويثق في نصره حتّى جاءه النّصر الذي وعده. ما يدل أنّ الدعاء من أركان الحرب، والنّصر. ولا يمكن بحال أن تغني الأسلحة، والجند، والعتاد عن الدعاء لله تعالى. وكانت النّتيجة:

“وقد استجاب الله دعاءه عليه السلام فأرسل إلى الأعداء ريحا باردة في ليلة مظلمة فأجمعوا أمرهم على الرحيل قبل أن يصبح الصباح. وأزاح الله عن المسلمين هذه الغمة التي تحزّب فيها الأحزاب من عرب ويهود على المسلمين”. 165

الإثنين 7 ذو القعدة 1446هـ، الموافق لـ 5 ماي 2025

الشرفة – الشلف – الجزائر

الشلف – الجزائر

معمر حبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة