أيّها الشباب، لا تفجعوا قلوبنا بكم
*بقلم: الشّيخ صفوت فريج* *رئيس الحركة الإسلاميّة*
تاريخ النشر: 03/05/25 | 9:20
إلى جانب ما نعانيه كمجتمعٍ من جريمة تحصد أرواح شبابنا حصدًا، فإنّنا أيضًا نتصدّر المشهد في كلّ ما يتعلّق بحوادث الطرق وحوادث العمل والغرق وغيرها، ونخسر بحسرةٍ وأسى شبابًا، تنكسر قلوبنا وقلوب أهاليهم بجنازات “مُبكّرة”، سببها في الغالب عدم الالتزام بقواعد ووسائل السلامة، والتسرُّع، وعدم الأخذ بتدابير الوقاية والحذر، والتساهل في الالتزام بقوانين السير وغيرها.
نزيفٌ آخر يُضاف إلى شلّال الجريمة، يخترق جسد مجتمعنا، فيُثقل قلوب أُسَرٍ وأهلٍ، يفقدون أبناءهم في ريعان الشباب، لتبقى هذه الأسر محطّمة من الداخل، بالكاد تقوى على أن تُكمل المشوار، وسط ألمٍ لا يُحتَمَل، وذكريات مؤلمة لا تنقضي.
ولو أنّنا نعود إلى مقاصد شريعتنا الإسلاميّة، لوجدنا أنّ الدين والدنيا لا يقومان دون ضروريّات خمس، جعل العلماءُ حفظَ النفس ثاني هذه الضروريّات، بل إنّ الغزالي والرازي والزركشي قد جعلوا حفظ النفس في الترتيب الأوّل، أي قبل حفظ الدين! ممّا يعني أنّ حياتنا ليست ملكنا لنعبث بها متى وكيف نشاء، بل هي أمانة من الله، لا يحقّ لنا التفريط بها أو إلقاؤها في التهلكة، وذلك بأمرٍ إلهي، قال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، فأيّ استهتار يُعرّض النفس للخطر، فإنّه يتنافى مع مقصدٍ من مقاصد الدين والشريعة.
وهناك حديث جامع لرسول الله ﷺ حين قال: “لا ضرر ولا ضرار”، وهو أصلٌ عظيم في الشريعة، يُوجِب على المسلم أن يحذر من كلّ ما قد يضرّه أو يضرّ غيره، ويحثّه على التحلّي بالحذر والانضباط، وأن يحسب نتائج أفعاله مسبقًا، بحيث لا يضرّ نفسه أو غيره بلحظة طيشٍ أو تهوّر ، بل الأصل في الإنسان العاقل أن يتوقّف قبل أيّ تصرّف أو قرار ويسأل: هل في هذا أذى آنيّ أو مستقبلي لي أو لغيري؟ فإن وجد العاقل ضررًا، يترك الفعل، بنهيٍ قاطعٍ لا يحتمل التأويل من رسول الله ﷺ. وهذا حديثٌ شريف يُربّي فينا المروءة قبل العبادة، وينمّي الأخلاق قبل الفرائض، ويجعل من الحذر خُلُقًا لا ضعفًا، ومن السلامة منهجًا لا ترفًا.
فإن كانت أرواح شبابنا تُزهَق بفعل الجريمة كنتيجة مباشرة لتقصير المؤسّسات، فإنّ الحال هنا مختلف، حيث أنّ المسؤوليّة بمعظمها تبدأ من الفرد ذاته أوّلًا، ومن وعيه بدينه وضرورة الحذر والوقاية، وحرصه على ألّا يكون فقدانه سببًا في فاجعةٍ تدمع لها العيون وتنكسر لها القلوب، لا سيّما قلوب المحبّين.
وعليه، نهيب بكم يا شبابنا الأحباب، أن تلتزموا التزامًا جادًّا بكافّة وسائل وإجراءات الوقاية والسلامة، سواء على الطّرقات أم في مواقع العمل أم في البحر والمنتجعات، وفي كلّ مكان، وأن تدركوا يقينًا بأنّ الحذر ليس ضعفَ شخصيّة، بل هو عنوانُ نضجٍ ومسؤوليّة.
أيّها الشباب أنتم مستقبلنا، فلا تفجعوا قلوبنا بكم، الحياة أمانة، وعودتكم سالمين كلّ يوم هي أعظم هديّة تقدّمونها لأهاليكم ومحبّيكم.