النزاهة والمسؤوليّة في عمليّة التّعليم والتّعلّم!
د. محمود أبو فنّه
تاريخ النشر: 11/05/24 | 19:47يشكو المعلّمون والمربّون والمسؤولون ووسائل الإعلام من تفشّي ظاهرة الغشّ والنقل في الامتحانات وفي كتابة الوظائف المدرسيّة والدراسات والأبحاث لدى طلابنا في جميع مراحل التعليم: من الابتدائيّة وحتّى الجامعة!
وتكثر التحليلات والتأويلات والنقد لهذه الظاهرة السيئة المعيبة:
فهناك من يحمّلون الطلاب المتعلّمين المسؤوليّة لهذه الظاهرة.
وهناك من يحمّلون المديرين والمعلّمين والمحاضرين المسؤوليّة.
وهناك من يحمّلون جهاز التربيّة والسلطات المسؤوليّة.
وهناك من يعزو المسؤوليّة للآباء والأمّهات وتربيتهم.
وهناك من ينسب هذه الظاهرة للجينات ولطبيعتنا!
وهناك من يرى أن هذه الظاهرة هي واحدة من الظواهر السلبيّة
المنتشرة في المجتمعات المختلفة وعلى جميع الأصعدة!!
بحسب رأيي المتواضع وعلى ضوء تجربتي الشخصيّة يمكنني القول إنّ هذا الأسلوب مرفوضٌ عندي منذ وعيتُ، فقد حرصتُ في حياتي، عندما كنتُ طالبًا أتعلّم وفي جميع مراحل تعلّمي ودراستي، وعندما أصبحتُ مدرّسًا ومحاضرًا، ثمّ عندما عملتُ مفتّشًا وموجّهًا، حرصتُ على أن أعتمد على نفسي، وعملتُ بجدّية أن يعتمد الآخرون على أنفسهم في الامتحانات والأبحاث، وفي جميع المهامّ والمناصب التي قد يشغلونها.
وبصراحة، أنا أعتبر الحفاظ على طهارة الامتحانات وكتابة الأبحاث، وعدم الغشّ والنقل، أعتبر ذلك واجبًا قوميًّا من الدرجة الأولى!
من يلجأ لأساليب فهلويّة ملتويّة للوصول إلى غايته، يتعوّد على ذلك، ويسيء
لنفسه أوّلا، ولمجتمعه وشعبه كذلك.
القضيّة عندي في الاساس قضية تربية وقيم قبل أن نصل للعقاب الصارم.
إذا غرسنا قيم النزاهة والطهارة لدى الجميع – مديرين ومعلّمين وطلاب – يمكن
أن نحدّ من هذه الظاهرة المزعجة والمؤسفة، بل يمكن التغلّب عليها والتخلّص منها.
أوّلًا: يجب غرس المسؤوليّة والاعتماد على النفس لدى الأبناء منذ نعومة أظافرهم،
وعلى الكبار – الأهل والمربّين – أن يكونوا قدوةً لهم في سلوكهم وتصرفاتهم!
لا حاجة أن يقوم الآباء بحلّ الوظائف للأبناء، يكفي أن يوفّروا لهم الأجواء والظروف المناسبة، ويمنحوهم الدعم والتشجيع، ويتابعوا دراستهم في المدارس، ويتعاونوا مع المعلّمين…
ثانيًا: يجب أن يتحمّل الطلاب مسؤولية الاعتماد على الذات، والاستعداد للامتحانات أو كتابة البحوث والدراسات، وبذل الجهود الصادقة الجادّة لتحقيق النجاح ولا يلجأون للغشّ والنقل والتنكّر للقيم الخيّرة!
إنّ “إدمان” الطلاب على استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ وبصورة خاصّة استخدام الهاتف الخلوّي يمكن تقليص ذلك بتفعيل الطلاب في المدارس والحصص، وفي توفير النشاطات والفعاليّات اللا منهجيّة، وفي تشكيل المجموعات الرياضيّة أو الفنيّة أو الإبداعية وغيرها…
ثالثًا: يجب أن يتحمّل المعلّمون والمربّون مسؤولية غرس قيم النزاهة والطهارة في نفوس طلابهم، وأن يكونوا قدوة لهم، وطبعًا، يجب أن يتحمّلوا المسؤولية التامّة عن تدريس المواد المطلوبة، وتحفيز الطلاب على المشاركة وفهم ما يتعلّمون بعيدًا عن التلقين والبصم، والتركيز على عمليّة التعلّم الناجعة وليس على حصول طلابهم على العلامات العالية – وأنا لا أقلّل من قيمتها – وعليهم العمل على تنمية التفكير وحلّ المشكلات والتحليل وإبداء الرأي الشخصيّ المعلّل لديهم.
صدّقوني – وبناءً على التجارب والأبحاث والدراسات – نستطيع أن نتغلّب على هذه الظاهرة إذا غيّر المعلّمون أساليب التدريس والتقييم والمعاملة للطلاب، فلو حظي الطلاب بالدعم والقبول والاحتواء، ولو تمكّنوا من المادّة وهضموها وفهموها، ولو تعوّدوا على الاستقامة لما وصلنا إلى هذا الوضع المحزن!!
وأشير في هذه العجالة إلى دور مديري المدارس والمفتشين المهمّ في ترسيخ النزاهة والاستقامة والاعتماد على الذات، فلا حاجة للتفاخر والمباهاة بنتائج طلابهم ومدارسهم وحصولهم على العلامات العالية بدون تذويت القيم وبناء الإنسان المسؤول المتّزن الواثق من نفسه وقدراته، والذي يمتلك المهارات والقدرات للتعامل مع ظروف العصر المتغيّرة على الدوام!
وختامًا: أنّني أدعو للالتزام بقيم النزاهة والطهارة (في الامتحانات وغير الامتحانات) لا خوفًا من العقاب، بل بدافع داخليّ نابع من موقف خلقيّ يُمليه الضمير الحيّ الواعي، وتغذّيه الكرامة والثقة بالنفس!