قراءتي لرواية ” حكايا ديار” للكاتبة نداء الطوري

خالديه أبو جبل

تاريخ النشر: 22/10/22 | 12:03

رواية تقع في 225 صفحة
إصدار دار العماد للنشر والتوزيع
فلسطين- الخليل 2022
الغلاف بريشة، بثينة بدحَه

أرجوحة تعانق وطن بذراعي طفلة
رنتْ بنظرها لفضاء باهت الالوان
اتخذت من غصن ميت مقعدا لها
ومن رسائل لامست الغيم ، حملتها أحلامها وآلامها، حكايا علّها تُغيّرُ الاقدار
،فوحدها السماء من يسمع انين المظلومين
“إن السماء تنزف دموع المظلومين”ص214
غلاف حمل نبض الرواية بانسجام جميل.
وعنوان في لفظه الحنين وفي معناه وجع السنين. واسم فتاة يثير في سامعه رائحة تراب وعزف أغنية العائدين…
….
ما كانت حكاياتك  يا ديار  إلا حكايا الدّيار!
حكايا ديار سُلبت طفولتها، وثكّلت أمومتها
ديار هرمت فيها الرجولة خلف القضبان،
ونام فيها الشبان تحت الثرى، وعوى المرض تحت الأغطية البيضاء ،
ديّارٌ انتهكت لقمة عيشها وفُقد رغيف خبزها، ومُزّقت كراريس طلابها، وصدئت
مقاعد مدارسها وأقفال أبوابها،
ديارٌ فقدت فيها الدور الأمان، يلهث فيها الموت يُمزّق  صمت السماء،  لم يحمّ أقدارهم الضيّقة، من رصاصة أو غازٍ ،خشب بابٍ أو زجاجِ شُباك…
ديّارٌ سكن البردُ فيها شرايين الأطفال، بلا حضن أم ،أو راحة كفّ أبٍّ كبيرة تحضن أكفهم، ولا حتى تيار كهرباء يُشعل مدفأة باردة…
ديّارٌ تتنفس هواء البحر حرمانًا وشوقًا
وعشقًا ممنوع. وتسمع عويل موجات مترعةبالتمرد على قيدٍ كافر مجنون …
ديّارٌ تعوي فيها ذئاب المنصّات والمناسبات
تجتّرُ كلمات خاوية، تنبعث منها رائحة الذّل والهوان والخنوع…
ديّار كلّ يوم يؤرخ فيها ميلاد آخر للشتات…
لتعدو أمامنا كلّ التفاصيل منبعثة من طيّات ذاكرة لا تبلى ولا تنسى…
تُغالبُ ديارُ( الراوية) الأيام بعد فقد أمٍّ وغيابِ أبٍّ لا يُفسّر، على امتداد ساحة المدرسة ، ومقاعد دراسية تبدل طلابها على مدار خمس وعشرين عام وهي على ذات الحال. وعلى شوارع مخيمات ناحت باكية، حيث سكنتها الغربة السوداء، وطال
فيها الرّجاء…
فهناك حيث لا نهاية لحكايا الديّار ونهاية حكايا ديار ( الراوية، المعلمة)، بدأت الكاتبة
روايتها، بطريقة  أكتسبتْ  فيها ثقة القارئ 
منذ البداية، وبعثت في نفسه توهجًا يؤهله
لاستقبال ما سيأتي من أحداث مختلفة وخلقت لديه الانتباه المتيقظ، من خلال دمجها ما بين التقديم والخاتمة ليلتقي القارئ بالنص بشكل مباشر، على اعتبار
حكاياتها، حكايا وثيقة الصلة بالواقع المتمثل في الماضي الغير بعيد والحاضر الراهن، والغد الغائب الملامح.
مع إغلاق ديار لرسالة سامي الخامسة
جلست تسترجع تفاصيل خمس وعشرون عاما، منذ لحظتها الاولى في المدرسة حتى الساعة. كيف تحولت من إنسانة لا تحب الاطفال ولا تضحك للرغيف السخن، إلى أن فاض ودُّها عذبا حتى أصبح طلابها أسرى هذا الوّد…
“تصبح المرأة أمًّا حين تقرر ذلك، وليس حينما تحمل جنينًا في رحمها” ص55
وكيف عرفت و استطاعت أن تستثمر ودّها وابداعها، في المكان وفي الاشخاص والوقت المناسبين،
فكانت المدرسة المكان  والفضاء المناسبين
فليس كما المدرسة مكانا نحيا به ونرتبط بكل جزيئاته واحواله ، مكان يقدم لنا كلّ مانحتاج اليه، يدافع عنا ويحمينا،
المدرسة هي بداية المعرفة، والحب، هي الكتاب المفتوح الذي نقرأ فيه ماضينا وحاضرنا، ذكرياتنا وأحلامنا، هي المكان
الذي نحياه و نراه بعين العقل والقلب .
المدرسة هي الوطن الأصغر والأجمل داخل
الوطن الكبير…
سطرت الكاتبة في روايتها ” حكايا ديار”
قطعة من الحياة، حين اختارت لبطلتها
أن تزرع زيتونا بدل الشعير، لانها تنظر للغد
أكثر من حرصها على اليوم ، ولانها ترى المستقبل في عيون الصغار ، وليس بين تجاعيد المسنين. ومما جاء على لسان أحد المسنين مخاطبًا ديار ص71: ” عودي الى اولئك الأطفال، وعلميهم شموخ الشمس،
ولا تعلميهم سقوط القمر، علميهم أن للحياة
جانبّا آخر يستحق أن يتعرفوا عليه قبل أن يعتادوا الظلمة”
ومن هنا كانت انطلاقة ديار المربية والمعلمة، والتي اختار تلاميذها الرسائل
كأصدق وسيلة تواصل مع مربيتهم
حيث يجد الانسان في الرسالة المكتوبة
المساحة الكافية للتعبير عن مشاعره بصدق وبدون خوف او خجل.
وهي في الوقت ذاته خرق للمألوف من قبل الكاتبة، حيث جعلت من كلّ رسالة
مشهدًا سرديًا مجتّزًأ من الزمن، وجعلت الاطفال شركاء في السرد مع الراوية
التي اعتمدت الاسترجاع في سردها
مما زاد من مصداقية السرد ، وساعد على تجسير البداية بما سبقها حتى تحقق الانسجام مع أحداث منغرسة في ازمنة عدة
لا في زمن واحد.
في الخلاصة لا بد من القول : ان رواية ” حكايا ديار” اتسمت بنضج الرؤية وانفتاحها على الحلم ونزعات الواقع.
قدمتها لنا الكاتبة بسردية مشوقة جدًا
وبلغة شاعرية سليمة وجميلة، حملت بين طياتها افكار فلسفية عميقة .
وقد اتبعت اسلوبا فنيا ذكيا منذ بداية الرواية حتى نهايتها.
أمّا اختيار المدرسة مكانًا لاحداث الرواية
فكان الأكثر توفيقًا، فهي المكان  الذي يتجدد فيه الزمان وتتحاور فيه الاجيال.
من ناحية أخرى ، فمع ما تمتعت به الكاتبة
من جمال حسّ ولغة، ولا أظن ان الأمر فاتها
أن لغة الرسائل، ليست بلغة أطفال!
لكنها لم تجد لغة ، أو طريقة أخرى أفضل
لتحدثنا عن الواقع الفلسطيني الداخلي الغرائبي الذي يستبصر الأشياء بمذاقات مُرّة…
خالديه أبو جبل
الجليل الفلسطيني
19/10/2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة