مقال في سياق حادثة غرق المحامي رائد محاميد

سامي العلي

تاريخ النشر: 29/07/22 | 12:37

في سياق حادثة غرق المحامي رائد محاميد: حياة المواطن رهينة إشكاليات الخدمات وعنصرية السياسات (2)*

مع كل حالة غرق يكون ضحيتها المواطن العربي، تطفو على السطح نقاشات حول التمييز في تعامل قوات الإنقاذ الإسرائيلية وفي معالجتها الحالة الطارئة وتقديم الخدمات، ما بين الغريق العربي واليهودي. يصل الجدل بهذا الشأن لحد اتهام فرق الإنقاذ الرسمية بالتقصير والاستهتار في حياة المواطن العربي.

لا نختلف على أن هذا التعامل يتغذى بالأساس على سياسات عنصرية وعدائية تجاه المواطن العربي في كل المجالات، وينعكس في هذه المسألة بتأخر الاستجابة لنداء الإغاثة، بالتلكؤ في توفير كل القوات والوسائل الهامة والضرورية في عملية التفتيش والبحث، واستدعاء وحدات الجيش المختصة في البحث والإنقاذ البحري فقط عندما تكون الحالة مستعصية، ويمارس الضغط الشعبي والسياسي والإعلامي على الجهات المسؤولة.

إلى جانب ذلك تعاني خدمات الإنقاذ المدنية في إسرائيل من إشكاليات ونواقص، تشكل عائقا أساسيا وتحديا خلال عمليات البحث والإنقاذ، خلل بنيوي يدفع فاتورته الأكبر المواطن عموما والمواطن العربي خصوصا. في مقالي هذا أستعرض الوضع مستندًا لمعطيات وأبحاث ومعلومات هامة، توضح الصورة.

*تعدد الأذرع وغياب الناظم*

خفر السواحل وخدمات الإسعاف ومحطات الإنقاذ على الشواطئ وسلطة الإطفاء، هي الأذرع الرئيسة التي توفر خدمة الإنقاذ في حال وقوع طارئ أو حالة غرق. تعدد الأذرع تحول لجزء من المشكلة بدل أن يكون تنجيعا للخدمات، فهي تؤدي لتعقيدات في تقديم خدمة الإنقاذ، إذ لا يوجد تنسيق كامل ومتكامل ولا قناة اتصال مباشر بين جهات الإنقاذ، بسبب نقص الميزانيات والملاكات والوسائل الحديثة المتطورة لجانب انعدام جسم ناظم لخدمات الإنقاذ المدنية يدير كل الأذرع وينسق بينها ويزيد من نجاعة وجدوى عملها.

ويستدل من البحث الذي أجراه مركز الأبحاث والمعلومات بهذا الشأن عام 2018 وبادر له النائب السابق جمعة الزبارقة، أن تقديم العون من قبل الشرطة البحرية في حالات الغرق، ليس برأس سلم الأولويات، بل هو من جملة الأهداف والوظائف التي تقوم بها وليست الأساسية، ودليل على ذلك هو افتقار هذه الوحدة الشرطية لأجهزة بحث ذات تقنيات عالية ومتطورة كالتي يستخدمها الجيش، والجميع سمع في حالة المحامي رائد محاميد عن جهاز السونار. كما يكشف البحث افتقار محطات الإنقاذ على الشواطئ المعدة للسباحة لقنوات وأجهزة اتصال مباشرة تسمح بإجراء اتصال بين المنقذين ونجمة داوود الحمراء وخفر السواحل، وأنه في حالات الغرق التي تحتاج لقوات خفر السواحل والإسعاف يضطر المنقذ للاتصال بمراكز الطوارئ 100 أو 101 الأمر الذي يتسبب بتأخر وصول طواقم الطوارئ ويقلل من احتمال بقاء الغريق على قيد الحياة.

*شواطئ كبيرة ومحطات قليلة*

تُظهر الأبحاث والتقارير بأن المناطق المعدة للسباحة في البلاد تشكل 10% فقط من مجمل شواطئ البلاد التي يصل طولها لنحو 300 كيلومتر وتشمل شاطئ البحر المتوسط والبحر الأحمر والبحر الميت وبحيرة طبريا، وتنتشر على طول الشواطئ المذكورة 157 محطة للإنقاذ فقط، وعدد المفتشين من قبل وزارة الداخلية المسؤولة عن هذه المحطات لا يتعدى العشرة، ناهيك عن ظروف عمل المنقذين الصعبة وافتقار المحطات لوسائل إنقاذ تكنولوجية والكترونية لجانب الوسائل التقليدية المعروفة.
سبب قلة الشواطئ المرخصة وفق التقارير هو أن خطة وزارة الداخلية لزيادة عدد مواقع السباحة عالقة لأسباب بيروقراطية وشح بالميزانيات.

يوجد اختلاف وتفاوت كبير بين السلطات المحلية المشاطئة للبحار وللأحواض المائية من حيث نسبة المواقع المعدة للسباحة من مجمل شريط الشاطئ الواقع في نفوذ السلطة المحلية، إذ أن قسم منها تمتلك شاطئ بمسافات طويلة ولكن المناطق المرخصة والمعدة للسباحة قليلة ولا تغطي كل المسافة. كما أن قسم من السلطات المحلية تمتلك شاطئا كبيرا لكنه يفتقر لموقع واحد معد للسباحة. على سبيل المثال طيرة الكرمل، لديها شاطئ بطول 3000 متر، لكن السباحة فيه محظورة.

*35 ضحية سنويا جراء الغرق*

يصل المعدل القطري السنوي للوفيات نتيجة الغرق إلى 35 ضحية، غالبيتهم من المواطنين العرب. وحسب المعطيات فإن معظم حوادث الغرق تحدث بعد انتهاء ساعات ودوام عمل المنقذين، أو في شواطئ يحظر فيها السباحة والمعروفة بالشواطئ المفتوحة التي تفتقر لخدمات الإنقاذ.
جمهور المستجمين والمتوافدين للشواطئ يفضلون السباحة والاستمتاع على الشاطئ ساعة الغروب، تفاديا للحر ولأشعة الشمس الحارقة وبعد انتهاء دوام وعمل المنقذين، الأمر الذي يزيد من احتمالية حدوث حالة غرق.

شاطئ السباحة المرخص الوحيد الواقع ضمن نفوذ بلدة عربية هو شاطئ جسر الزرقاء. الشاطئ بمسؤولية وإدارة المجلس المحلي، وبلطف من الله لم يشهد سوى حالة غرق واحدة، وقعت بعد انتهاء دوام المنقذين وإغلاق خدمة الإنقاذ. ورغم أن القرية تشهد في السنوات الأخيرة حركة سياحية قوية، ورغم أنه يتوافد لشاطئها نحو 100 ألف شخص في السنوات الأخيرة وتقبع في أسفل السلم الاقتصادي الاجتماعي إلا أن الميزانيات المخصصة لتطوير وصيانة الشاطئ شحيحة جدا.

*اقتراحات وتوصيات للهيئات التمثيلية والأهلية العربية والوزارية*

في ظل هذا الوضع لا بد أولا من إقامة جسم إنقاذ مدني ومستقل مع ميزانيات مخصصة، يمتلك كل الوسائل العصرية واللازمة لتقديم خدمات النجدة على الشواطئ، ويكون ذو منظومة متطورة تعزز العمل المشترك والتنسيق بين الجهات والأذرع المختلفة. ثانيا، إطلاق حملة تثقيف هادفة لرفع الوعي حول مخاطر البحر وضرورة أخذ الحيطة والحذر مع التشديد على الجمهور العربي. ثالثا، تخصيص حصة تربية بحرية ودورس سباحة لطلاب المدارس وتحصين هذا الموضوع ضمن البرامج التعليمية في المدارس العربية أسوة في المدارس اليهودية. رابعا، العمل من أجل تحصيل ميزانيات أكبر لشاطئ السباحة في جسر الزرقاء كونها القرية الوحيدة التي تملك شاطئ سباحة مرخص بمسؤولية عربية. خامسا، يجب تمديد ساعات دوام ونشاط خدمات الإنقاذ على الشواطئ، المسؤولة عن سلامة الجمهور وتوفير كافة الظروف والمعدات والمستلزمات. سادسا، تنظيم دورات استكمال وتأهيل للمنقذين وإقامة مجموعات إنقاذ تطوعية تساعد المحطات القائمة وتحذر الناس المستجمين على الشواطئ المفتوحة من مخاطر البحر وتحثهم على اخذ الحيطة والحذر.

(سامي العلي، مدير حسكة للرياضة البحرية وعضو فريق الإنقاذ البحري العربي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة