متنفَّس عبرَ القضبان (37)

تاريخ النشر: 29/09/21 | 10:08

حسن عبادي/ حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة؛
سألتني زوجتي سميرة، وسألني الأسرى وأصدقاء مهتمّون من العالم العربي: “وماذا عن الأسيرات؟”؛ قبلت التحدّي وبدأت مشواري التواصليّ معهن في شهر أيار، وأخذت على عاتقي اللقاء بكلّ الأسيرات الفلسطينيّات في سجون الاحتلال.
“أميرة الكانتينا”
غادرت مكتبي صباح الثلاثاء 17 آب 2021 لزيارة أسيرات في سجن الدامون، وحين وصلت مكتب الإدارة بادرني السجّان نبيل قائلًا: “فِش غيرك محاميّه في البلاد، جنّنتنا بزياراتك!”، أطلّت الأسيرة روان نافذ رضوان أبو زيادة مبتسمة لنلتقي في غرفة إداريّة، للمرّة الأولى منذ بدأت مشواري التواصليّ مع الأسرى، دون سمّاعات وحواجز، وتبيّن أنّها في طريقها لفحوصات طبيّة.
روان (مواليد 1994(، اعتقلت يوم 15.07.2015 أمام البرج العسكري المقام على مدخل قرية بيتلو، قرب مستوطنة بنيامين، واعتدى عليها الجنود بالضرب المبرح، وما زالت تعاني من أمراض في المعدة والأنف، وكسور في الرقبة والظهر، ووضعها الصحيّ يتدهور نتيجة الإهمال الطبيّ.
 وصلّتني سلامات زميلاتها في الزنزانة؛ ليان كايد، ليان ناصر، ربى عاصي، شذى الطويل؛ ابتسمت وطمأنتني “دايره بالي عليهن”، وتخصّهن بمشتريات الكانتينا التي تديرها.
مبسوطة لأنّها في رحلة إلى حيفا، بطريقها لفحوصات طبيّة والتحضير لعمليّة جراحيّة، وربّما تكون محظوظة وتشاهد البحر عن قُرب.
روان سعيدة بالفرصة التي أتيحت لها للتعلّم والإثراء من زميلاتها في الغرفة والأسر.
“بدنا نروّح… كفى”
بعد لقائي بروان أطلّت الأسيرة عائشة يوسف عبد الله الأفغاني، أسيرة مقدسيّة (مواليد 1982(، اعتقلت يوم 24.12.2016، تعاني من أمراض مزمنة دون علاج، يتفاقم وضعها سوءًا نتيجة الإهمال الطبيّ المتعمّد من سلطة السجون.
حدّثتني عن حرمانها لقاء محام منذ 14 شهرًا كغيرها من “المستقلّات” المنسيّات في غياهب السجون (على حدّ قولها) ممّا يزيد من ألمها ومعاناتها، وعن التحضيرات لاستقبال علاء/ المولود المنتظر وحينها ستنتقل وأنهار إلى غرفة 12.
الرطوبة في الغرف لا تطاق، ويبدو أنّها ما زالت مُخزّنة في الجدران مذ كان المبنى مخزنًا للدخّان أبان النكبة، والحشرات تهاجم القسم كلّ الوقت وهناك حشرات جديدة غريبة عجيبة، وحمّامات الاستحمام بعيدة عن الغرف مع تصوير على الأبواب ممّا يُفقد الخصوصيّة.
حدّثتني بلهفة عن إغلاق “معبار” الشارون، كما أخبروها وزميلاتها، وعن تحرّر 12 أسيرة حتى آخر السنة وقالت بعفويّة “بدنا نروّح… كفى”.
يؤلمها الاهمال المؤسّساتي والشعبي للأسيرات، وخصوصًا المقدسيّات اللواتي حُكِمن أحكامًا عالية، أكثر من غيرهن.
“تأقلمت”
حين أنهيت لقائي بروان وعائشة في قلعة الدامون أطلّت عليّ الأسيرة ليان سامي وديع ناصر بابتسامة رشيقة، وقالت بعفويّة: “أنت الوحيد من خارج السجن الذي يشاهدني دون كمّامة”، وكانت مفاجأة لنا، لم يُرتّب للقاء، أخرجوها “بالغلط” من الغرفة لجلسة محكمة عبر السكايب/ الزووم، فكان لقاء طويلًا، حملت لي سلامات زميلاتها وأخبرتها عن ردود الفعل على التغريدة التي نشرتها عبر صفحتي بعد اللقاء، وعن حملة التضامن العالميّة معها ومع زملائها الجامعيّين الأسرى والمعتقلين، وأنّ لها “شعبيّة”.
حدّثتني مجدّدًا عن عذاب التحقيق في “معبار” الشارون، وهي الفترة الأسوأ في المرحلة الاعتقاليّة، وكم هي سعيدة لسماعها خبر إغلاقه، وعن الزمالة في السجن وخاصّة تلك وليدة الاعتقال الأوّل، عن تعطّش الأسيرات لسماع أخبار برّا، ليصير وقت بثّ برامج الأسرى مقدّسًا لسماع صوت الأهالي، تأقلمت في الأسر وصارت “زنبرك” السجن وتحمل هموم زميلاتها ووجعهن.
ليان تقرأ وتناقش وتُحاور وتحنّ إلى أروقة جامعة بير زيت، وتلعب تنس الطاولة في الساحة وكذلك لعبة “الريشة”.
“توكل المرّ وأنت صاحي”
بُعيد لقائي بروان، وعائشة، وليان في قلعة الدامون أطلّت عليّ الأسيرة إسراء رياض جميل جعابيص بخطى متثاقلة، ومباشرةً بعد التحيّة باغتتني متسائلة: “من أيّة مؤسّسة أنت؟”
أبديت امتعاضي من سؤالها وهممت بالمغادرة فأخبرتني أنّها قرّرت ألّا تلتقي بمحامي الجمعيّات وعتبانة عليهم، وانتظرت اللقاء معي منذ شاهدتني في برنامج “صباح الخير يا قدس”.
حدّثتني مطوّلًا عن وضعها الصحيّ ومعاناتها، وعن الإهمال الطبي وحرمانها من تلقّي العلاج لسنوات طويلة (معتقلة منذ 11.10.2015)، دون أصابع ووجه مشوّه يتوق لعلاج، وجع وتشنّجات متواصلة، قرّرت الدخول في إضراب عن الطعام يوم 30.09 حتى تحصل على العلاج الضروري، لا أحد يهتم بالأسير؛ فما حكّ جلدك غير ظفرك. المعاناة تفوق الحد، “توكل المرّ وأنت صاحي”.
حدّثتني عن التعلّم في جامعة القدس المفتوحة وبحثها حول الإهمال الطبي وفرضيّتها أنّ هناك عقوبة تُمارس ضد الأسرى والأسيرات وعلاقة جدليّة بين الإهمال والعقوبة.
تناولنا مشروعها الكتابي وأعلمتها بتعهّد الأصدقاء صالح حمدوني وفراس حج محمد بتنقيح وتحرير المادة ممّا أراحها كثيرًا.
“ضربوني بالعصا الفاس – أوجاع هيك أنا بتخيّلها
مرّت سنين وأوجاعي – زوّدها الأنجاس
وخذلان ورا خذلان – والفرح عليّ ينقاس
يوم أو لحظة وتمر وسنين بتجرّ – ولسّة ذوق المر بلساني”
لكُنّ عزيزاتي روان، عائشة، ليان، إسراء أحلى التحيّات، والحريّة لكنّ ولجميع أسرى الحريّة.
آب 2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة