على هامش السيرة لطه حسين – معمر حبار

تاريخ النشر: 21/04/21 | 22:05

1. قرأت الكتاب بتاريخ: الجمعة 22 جمادى الثّاني 1442 هـ الموافق لـ 2 فيفري 2021، وأنهيت قراءته بتاريخ: السبت 12 شعبان 1442 هـ الموافق لـ 27 مارس 2021، ويضعه اليوم صاحب الأسطر بين يدي القارىء الكريم.
2. طه حسين رحمة الله عليه، “على هامش السيرة”، هنداوي، القاهرة، مصر، طبعة 2014 المصورة عن طبعة سنة 1943، من 420 صفحة.
حول الكاتب وكتاب “على هامش السيرة”:
3. جاء في مقدّمة الكتاب تاريخ: ديسمبر 1933.
4. سبق لطه حسين أن ألّف كتابه “الأيام” ابتداء من سنة 1929.
5. ألّف طه حسين كتابه “على هامش السيرة” بنفس أسلوب كتابه “الأيّام”. ولذلك أوصي بقراءة “الأيّام” أوّلا ثمّ “على هامش السيرة” ثانيا. والمهم -حسب قراءاتي- لابدّ من قراءة “الأيّام” قبل “على هامش السيرة”، للتشابه -في تقديري- في الأسلوب الأدبي الرّفيع جدّا، واللّغة العالية، وكيفية التّعامل مع السيرة سواء كانت سيرته الذاتية، أو سيرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
6. ألّف طه حسين كتابه “في الشعر الجاهلي” سنة 1926، وألّف كتابه “على هامش السيرة” سنة 1933. مايعني -في تقديري- أنّ طه حسين يريد أن يقدّم صورة عن نفسه، وعن أفكاره من خلال “على هامش السيرة” مغايرة تماما لما عهدها القارئ المتتبّع لكتابه “في الشعر الجاهلي”. وأزعم أنّه نجح في ذلك نجاحا باهرا.
7. من أراد أن يقرأ “على هامش السيرة”، فليقرأ أوّلا مقدمة طه حسين للكتاب، ويعيد قراءتها إذا لم يستوعبها. والسبب -في تقديري- أنّها تعبّر بصدق عن جوهر طه حسين، ونظرته للسيرة النبوية، والطرق التي اعتمدها، والمراجع التي استند إليها، والغاية المرجوّة من الكتاب.
8. صاغ طه حسين “على هامش السيرة” بأسلوب أدبي ساحر، ولغة سامية عالية، وخيال واسع، وفصاحة تأسر القلوب، وبساطة تلج العقول.
9. يرى طه حسين -في تقديري- أنّ الذي لم يقرأ للأوّلين ولم يتذوّق نثرهم وشعرهم لايمكنه بحال أن يفهم السّيرة النبوية. وعظمة الأوّلين في كونهم تجاوزوا زمانهم فأصبح القارئ المتتبّع يقرأ لهم وكأنّهم معنا الآن يقاسموننا الحياة. ويرى أنّه لاخير في كاتب يكتب لعصر دون العصور التي تليه. ويريد طه حسين أن يقول بهذا الكلام -في تقديري- لو أعلم أنّ “على هامش السيرة” سيكون حبيس عصره ولا يتعدى زمانه ماأقبلت على تأليفه. وأجزم أنّ “على هامش السيرة” تجاوز عصره، وسيجتاز العصور القادمة لما أوتي من سحر البيان.
10. قال في مقدمته: سمحت لخيالي أن يتوسّع قدر الإمكان حين لايكون هناك مانعا، ولكن إذا تعلّق الأمر بالوحي، وبسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبالدين، والعقيدة الإسلامية، والثّوابت رجعت للنّص وذكرته، واستنبطت منه. وذكر في المقدمة أمّات الكتب التي اعتمد عليها، ورجع إليها، وجعلها نورا يهتدي بها وهو يغوص في أعماق السيرة النبوية.
11. يضع طه حسين المقطع المأخوذ حرفيا من المراجع التي اعتمد عليها بين شولتين ليثبت بذلك أمانته في النقل، ويميّزها عن أسلوبه، وعباراته، وألفاظه.
12. طه حسين رجل أعمى، وأملى كتابه “على هامش السيرة” من ذاكرته، كما أملى كتبه الأخرى من ذاكرته. وهذه بحدّ ذاتها ميزة تضاف لخصال طه حسين التي تميّز بها.
13. طه حسين أزهري في بداياته لكنّ لاتظهر أزهريته في “على هامش السيرة” اللّهم إلاّ من حيث التمكّن في اللّغة العربية كما هو شأن الأزهريين. والسبب -في تقديري وحسب قراءاتي- أنّ طه حسين رفض -أقول رفض- أن يتأثّر بالأزهر بل دخل في صراع مع الأزهر وعلماء الأزهر، وقد بيّنا ذلك في عرضنا لكتابه “الأيّام” لمن أراد أن يعود إليه. واختار لنفسه أن يتعامل مع السّيرة النبوية بطريقته الخاصّة التي تميّزه والمتمثّلة في احترام النّص الأصلي وصياغته بأسلوب قصصي ساحر بلغ حدّ الإتقان، والرّوعة والجمال.
14. واضح جدّا -وحسب قراءتي- أنّ طه حسين تطرّق للسيرة من خلال عشقه، وقراءاته، وتمكّنه من تاريخ العرب والشعوب المحيطة بها، ولذلك جاء “على هامش السيرة” في شكل أدبي رفيع، واستحضار أيّام العرب حين يستلزم المقام ذلك. وقد أبدع في ذلك.
15. لايتّبع طه حسين التسلسل والعناوين المعروفة لدى كتّاب السيرة النبوية، إنّما امتاز بطريقته.
16. من قرأ كتاب “الأيام” لطه حسين يدرك بوضوح لماذا تعامل مع السيرة النبوية بأسلوبه الشخصي المبني على سحر البيان، وذكر القصة المعنية دون الرجوع بكثرة للأحاديث النبوية ورأي أهل الحديث والفقهاء. والسّبب -في تقديري- نفوره من طريقة علماء الأزهر وفقهاء المسلمين في كيفية نظرتهم للدين، ومنها السيرة النبوية والتي يراها جافّة وغليظة لاتخدم الدين. ولذلك اختار طريقته الخاصّة في معالجة السيرة النبوية. وكانت -في تقديري ولحدّ الآن- موفّقة إلى أبعد الحدود، ومميّزة عن غيرها. وأظلّ أوصي بقراءة “على هامش السيرة” لهذه الأسباب التي ذكرتها ووقفت عليها لحدّ الآن.
17. تمثّل سحر بيان طه حسين وتمكّنه البالغ في اللّغة العربية في كون القارئ المتتبّع لايستطيع أن يفرّق بين لغة طه حسين ولغة الأوائل الذين نقل عنهم. وأجزم لولا الإشارة في الهامش للمرجع القديم الذي أخذ منه لاعتقد القارئ المتتبّع أنّه أسلوب طه حسين وليس أسلوب أسيادنا العمالقة القدامى للتشابه الكبير في استعمال اللّغة العربية العالية.
18. العناوين التي اختارها طه حسين لكتابه غير متعارف عليها في كتب السيرة، ولم أقف عليها لحدّ الآن. ولا أعرف لها سببا سوى أنّ طه حسين ينظر -في تقديري- للسيرة النبوية نظرة الأديب المتأثّر بكتب التراث، لكنّها ليست نظرة الفقيه ولا الأزهري.
19. لاحظت أنّ طه حسين في كتابه لايقدّم معلومات لايعرفها القارئ المتتبّع، لكنّه يقدّمها في ثوب أدبي رفيع ولغة عربية عالية، وسحر بيان يأسر القلوب والعقول.
20. يحسن طه حسين اختيار بعض المحطات غير المعروفة ويتعمّد التّركيز عليها، ويعرضها بطريقة أدبية ساحرة تجعله يتميّز عن غيره الذين لم يذكرونها وبأسلوبه. وهذه النقاط هي التي تعمّدنا الإشارة إليها، وأشرنا إلى مزايا طه حسين من خلال التطرّق إليها.
21. يبدو لي أنّ طه حسين كان متفوّقا جدّا في تطرقه لما قبل البعثة، ولم ألمس هذا التفوّق -لحدّ الآن- وهو يتطرّق لفترة مابعد البعثة. طبعا، ويبقى المتفوّق بسحر بيانه في المرحلتين معا.
22. أبدع طه حسين وبأسلوبه السّاحر في تقديم صورة صادقة عن المجتمع العربي وقريش يومها من حيث بعض فضائل الأخلاق التي تميّزوا بها، وسوء الأخلاق التي ميّزتهم قبل بعثة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
نصائح لقراءة “على هامش السيرة”:
23. أوصي القارئ أن لايتعامل مع “على هامش السيرة” من منطلق المتصوف، ولا الفقيه فإنّه يظلم طه حسين حينئذ. وقد تجاهلت عمدا بعض المفردات التي استعملها لهذا السّبب.
24. إذا كنت من أصحاب “صحيح صحيح مسلم؟!” و”صحيح صحيح البخاري؟!” فأنصحك أن تبتعد عن قراءة “على هامش السّيرة”، فإنّك لامحالة ستظلم الرجل بعدما ظلمت نفسك.
25. أوصي بقوّة بتحويل “على هامش السيرة” إلى فيلم عظيم، ومسلسل، ورسوم متحرّكة لما يحتويه من لغة عربية راقية جدّا تساهم في نشر اللّغة العربية الفصحى، والأسلوب القصصي الممتع. بالإضافة إلى أنّ الكتاب بحدّ ذاته جاهز من حيث التنفيذ لايحتاج لجهد يذكر لتحويله.
26. من أراد أن يستمتع بسحر طه حسين فليقرأ الكتاب بأداء تمثيلي، ويتخيّل نفسه على أنّه تلك الشخصية التي يقرأ عنها. فوجب إذن أن يتحدّث على لسانها كأنّها ماثلة بين يديه. ومن قرأ الكتاب بجفاء، وغلظة، وجمود دون أداء، ولا صعود ولا نزول، ولا انفعال سيحرم نفسه لامحالة من متعة اللّغة العالية، وسحر البيان الذي ميّز طه حسين وهو ينسج “على هامش السّيرة”.
27. من أراد أن يقرأ “على هامش السيرة” فليكن من قبل قد قرأ كتب السيرة ليستوعب الكتاب جيّدا، ويستطيع مناقشة ونقد طه حسين”على هامش السيرة” الذي يعتبر -في تقديري- تحفة نادرة من حيث اللّغة العربية العالية، وسحر البيان، وأيّام العرب، ونقل الوقائع التّاريخية بأسلوب يأسر القلوب والعقول.
28. الحوار الذي نقله طه حسين والذي دار بين إبليس والشياطين حول الخوف من بعث سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم أقف عليه في كتب السيرة، لكنّ محتواه تقرّه الوقائع ولا يستطيع أن يكذّبه أحد. واستطاع أن ينقل الحوار في لباس أدبي رفيع ساحر. وأوصي بقراءة الحوار ولو لم يذكره الأوّلون.
29. الحديث الذي نقله طه حسين عن عداس كان في غاية الروعة، والجمال، والبراعة، والإتقان وهو يبيّن سعيه لأجل الحقيقة، وحقيقة العرب، والطائف.
الله تعالى يحمي مكة والمدينة إكراما لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
30. إعجاب نساء قريش بعبد الله أب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فكان في غاية الحشمة، والأدب، والأخلاق، والعفاف. وفي الوقت نفسه صاغه طه حسين في قالب أدبي ساحر يجعل القارئ وكأنه يرى المشهد أمامه، ويعيشه، ويتفاعل معه دون أن يشعر بذلك لروعة اللّغة وسحر البيان.
31. الملك التُّبَّع الذي احتلّ الأراضي، وغزا البلدان، وسجن الملوك، وخضع له الجميع. أراد أن يغزو يثرب يومها بعدما علم بمقتل ابنه، ويضمّها لملكه العريض.
32. لم يستطيع احتلال يثرب رغم قوّته، وتفوّقه. وظلّت صامدة بحصونها، وكبريائها، ورفضها الخضوع.
33. أشار عليه راهبين أن دعك من غزو يثرب، فإنّها ستكون مأوى لرسول مهاجر من ظلم قومه وبطش عشيرته. ويكفيك من الملك مابين يديك من أراضي، وأملاك، وخيرات، ورجال، وعتاد لم يحلم بها الملوك.
34. أخذ الملك التُّبَّع برأي الراهبين، وانصرف عن غزو يثرب واتّجه لمكة. فأكرم أهلها، ومنحهم المال الكثير، وألبس الكعبة الذهب والحرير.
35. أريد أن أقول -إن صدقت الرواية-: إكراما لمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حفظ الله تعالى بيته العتيق، وأهل مكة من النجاشي الذي كان يريد هدم الكعبة، واستعباد أهلها وإذلالهم.
36. وإكراما لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حفظ الله تعالى يثرب يومها والمدينة فيما بعد من غزو الملك التُّبَّع، وتدميرها، واستعباد أهلها وإذلالهم.
37. 28. أهل مكة لاطاقة لهم بالنجاشي، وأهل يثرب لاطاقة لهم بالملك التُّبَّع. وتدخل الله تعالى في الحالتين إكراما لسيّدنا رسول الله صلى الله عليهم وسلّم.
38. 29. أضيف: يهود المدينة لهم حصون مانعة، وعالية، وقوية تدفع المحتلّ، وتحمي أهلها من كلّ من أراد بها السّوء. وتشاء حكمة ربّك أن تدكّ هذه الحصون المانعة أمام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسرعة فائقة، ودون خسائر بعدما غدر اليهود بالعهود المبرمة مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وتلك من علامات إكرام الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلّم.
حاكم ومستشار:
39. قال طه حسين: سادت العرب لأنّها أقامت أمرها على الشورى.
40. استشار ابن الملك التّبّع بعد وفاة أبيه الحبرين في العودة لاحتلال الجيران، وغزو الدول، وقهرهم، وإذلالهم، ونهب خيراتهم، واستعباد رجالهم، واستحياء نسائهم. وقد سبق للأب الملك التّبّع أن توقّف عن الغزو، والنّهب، والسّطو قبل وفاته.
41. أشار عليه الحبرين أن لاتفعل، ويكفيك من الملك والعزّ ماأنت فيه خاصّة وأنّ الأب قد امتنع عن ذلك طواعية وهو القادر عليه، ولك في أبيك الملك القدوة، والمثل الأعلى.
42. لم يأخذ الملك الشاب الجديد بمشورة الحبرين، وجهّز جيشا عظيما للخروج للغزو، والسّلب، والسّطو، والقهر. وغضب من الحبرين ومن مشورتهما التي عارضت إرادة الملك.
43. استعان بعض قادة الجيش بأخ الملك ليقتل أخاه، وينصّبونه ملكا عليهم على أن يعود بهم مسرعين إلى الديار.
44. لم يأخذ الأخ بنصيحة من طلب منه أن لايقتل أخاه، وسفك دم أخيه الملك رغبة في الملك.
45. دبّ القتل، وسفك الدماء بين أبناء المملكة، وانهارت اليمن وأصبحت عرضة للتقاتل، والانهيار التّام وهي التي كانت العظيمة القويّة التي يهابها العظام، والأقوياء.
46. أريد أن أقول -إن صحّت الرواية-: مهمة المستشار حين يطلب منه الاستشارة أن يشير على الحاكم بما يخدم الأمّة، ويعزّز أمنها، ويرسّخ استقرارها ولو خالف ذلك مشورة الحاكم.
47. من أشار على الحاكم بما يرضي الحاكم وهو يعلم أنّ مشورته على حساب الأمّة فقد خان أمانة العلم. والرأي، والموقف. وسيكتبه التّاريخ ضمن المجرمين، والسّفاحين، والجلادين، والخونة الذين احتلوا البلاد، واغتصبوا الأعراض، ونهبوا الخيرات ولو كان أفقه من في المعمورة، وأعلم أهل الأرض جميعا.
48. أقول: يعجبني سحرة فرعون حين أشاروا على فرعون وهو يهدّدهم أنّ ماجاء به سيّدنا موسى عليه السّلام الحقّ وليس السّحر وهم أعلم النّاس بالسحر. وصدقوا في مشورتهم، ولم يخونوا أمانة المشورة الملقاة على عاتقهم رغم التّهديد، والإغراء، وقد وعدهم فرعون بالزيادة، والمكانة.
49. يعجبني المعبّرون للأحلام حين أشاروا على الملك أن لاعلم لنا بتفسير هذا المنام. والتزموا الصمت، ولم يكذبوا حين طلب منهم الرأي والمشورة. وقد صدقوا في مشورتهم حين صمتوا. والصّمت في حينه رأي ومشورة. وتركوا المقام لسيّدنا يوسف عليه السّلام ودون أن يلتفتوا لمنافسة، ولا أن يعنيهم عتاب الملك. وما يهمهم هو الصدق في المشورة، وقد صدقوا حين اعترفوا بعجزهم ولو غضب الملك.
سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين حبّ جدّه له، وحبّه لمرضعته:
50. استطاع طه حسين وبأسلوبه السّاحر أن يظهر حبّ الجدّ لحفيده صلى الله عليه وسلّم حتّى أنّه كان مشغولا بالحالة الصحية لأمّه صلى الله عليه وسلّم لأنّها ستضع حفيده سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولم يشغله سعي أبرهة الحبشي للكعبة مع ماللكعبة من قداسة وحرمة ومكانة لديه ولدى قريش والعرب، واكتفى بعبارته الخالدة: “أنا ربّ الإبل وللكعبة ربّ يحميها”، ثمّ راح ينتظر حفيده سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. مايدلّ على تعلّقه الشديد بحفيده صلى الله عليه وسلّم.
51. أبدع طه حسين في رسم وفاء سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمرضعته الأولى التي لم ترضعه سوى أياما. ووفاءه العجيب لمرضعته سيّدتنا حليمة السعدية. ووفائه الخارق لعمّه الذي أواه ونصره، وعرّض مكانته وهيبته للخطر.
حبّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لسيّدتنا زوجه أمّنا خديجة
52. أبدع طه حسين في رسم حبّ سيّدتنا أمّنا النّقية الطاّهرة خديجة بنت خويلد لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم منذ كان صغيرا، وشابا، وراعيا، وتاجرا، ومشاركا في حلف الفضول، ومصلحا يوم رفع الحجر الأسود باعتبار الفارق بينهما 15 سنة.
53. رسم طه حسين مافي صدر سيّدتنا خديجة بنت خويلد بألفاظ كلّها -أقول كلّها- أدب، وعفاف، ورقّة، وبياض، واحترام بالإضافة إلى سحر بيان يجعل القارئ يقف على ما في الصدور وكاّنّه ماثل بين يديه.
54. يعترف طه حسين أنّ ماألقي في صدر سيّدتنا أمّنا خديجة من حب لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنّما أمر من الله تعالى لاطاقة لها به. وكذلك قبول عمّه ليذهب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع القافلة ليتاجر لصالح سيّدتنا أمّنا خديجة بنت خويلد، وهو الذي كان يفضّله على الجميع، ويجلسه مع السّادة والكبار، ويخاف عليه، ويخشى عليه أن يحدث له ماحدث لأبيه أثناء سفره للتجارة ولم يعد.
55. كان خوف سيّدتنا خديجة بنت خويلد على سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين سافر لأجل التجارة أشدّ وأقوى من خوف عمّه عليه صلى الله عليه وسلّم، لكنّها طبيعة المرأة التي تخفي ولا تظهر.
تقديس قريش للكعبة:
56. من فرط تقديس قريش للكعبة، كان السّادة “يحملون الحجارة بأنفسهم ولا يستأجرون لذلك أحدا، ولا يكلون ذلك إلى الرقيق، ويرون ذلك حقّا عليهم وشرفا يبقى لهم في أعقابهم”. وهذه المعلومة أقرأها لأوّل مرّة بعدما كنت أعلم أنّ قريش بنت الكعبة، والحجر بالمال الحلال تقديسا، واحتراما، ومحبّة للكعبة.
57. يختم الفصل الخاص ببناء الكعبة بقوله: “والعجب أنّ أكثر المصريين يجهلون أنّ لهم في بناء الكعبة يدا”. أقول: في هذه النقطة فقد طه حسين صوابه، وتعامل مع بناء الكعبة على أنّها ملك إخواننا المصريين، ولعلّها من أخطاء طه حسين. وكان عليه أن يركّز على عظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في تسييره وقيادته لسادة وكبار وشيوخ قريش وهو يومها الشاب في 25 سنة من عمره. والعرب لايقبلون قيادة الصغير.
58. اتّخذت قريش من الدين، والكعبة، والحج وسيلة للسّيادة والسّلطان. أقول: صدق طه حسين في هذه النقطة، وقد سبق أن أشرت إليها مرارا قبل أن أقرأ الكتاب.
الغزوات كما يراها طه حسين:
59. لم يتحدّث طه حسين عن غزوات سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع يهود المدينة الذين خانوا العهود المبرمة، ولم يشر إليها لاتصريحا ولا تلميحا، ولا من بعيد ولا من قريب.
60. انتقل من غزوة بدر مباشرة إلى غزوة اليرموك. وأتساءل: لماذا؟.
61. يقف القارئ المتتبّع لـ “على هامش السيرة” على سحر بيان، لكنّه لايقف على معلومات خاصّة بالنسبة لقارئ السّيرة النبوية. وعنوان الكتاب: “على هامش السيرة” يدلّ بوضوح على ماتوصّل إليه القارئ المتتبّع. فالكتاب هو على هامش السيرة وليس عمق السيرة.
62. بعد غزوة بدر وقتل عدد كبير من سادة وقادة قريش، خلت قريش من قائد يقودها، فاعتلى الرئاسة وقيادة قريش بنو أمية، باعتبار أبي سفيان هو الوحيد المؤهل خاصّة وأنّه التّاجر النّاجح، وكذا نجاحه في المحافظة على ثروة قريش المتمثّلة في القافلة التي نجت من قبضة المسلمين. إذن اعتلاء بنو أمية للرئاسة كان عن فراغ وظروف وليس عن استحقاق. وأضيف: غزوة أحد كان بتحريض وتشجيع من هند زوج الأموي لأنّه تاجر بطبعه يخاف المغامرة ولم يكن العسكري، ولولا تحريض هند ومشاركة سيّدنا خالد بن الوليد في غزوة أحد ماكان للأموي تلك المكانة التي نالها بعد غزوة بدر، وأحد.
63. لايتحدّث عن غزوة أحد، لكنّه يتحدّث عن أسيادنا شهداء أحد وسيّدنا حمزة بن عبد المطلب إثر حادثة وقعت بعد 40 سنة، وينقلها عن أحد الرواة وفي عهد سيّدنا معاوية بن أبي سفيان رحمة الله عليه ورضوان الله عليه.
64. لايفرد عناوين خاصّة بالغزوات والوقائع إنّما يتحدّث عنها عبر روايات ينقلها بأسلوبه السّاحر.
65. لم يتطرّق للإسراء والمعراج.
66. لايفرد عناوين خاصّة بالغزوات، إنّما يتطرّق إليها متفرّقة وعبر روايات ينقلها ويذكر المرجع في الهامش.
67. وضع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيّدنا زيد بن حارثة على رأس جيش مؤتة، ثم سيّدنا جعفر بن عبد المطلب، ثمّ سيّدنا عبد الله بن رواحة. وبهذا الترتيب. ونقل طه حسين قولا لسيّدنا جعفر لاأعرف مامدى صحته.
سوء أدب طه حسين مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
68. ربما -أقول ربما- أتسامح مع طه حسين وهو يكتب اسم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالإسم المجرّد قبل البعثة، وكما كانت تنطقه قريش يومها. ولكن أظلّ أنتقد طه حسين بقوّة وهو يكتب اسم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالإسم المجرّد، ولا أتردّد لحظة واحدة في القول أنّ طه حسين في هذه الحالة كان قليل الأدب وسيّىء الأدب مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
69. يستعمل طه حسين كلمة “هذا الرجل” وهو يتحدّث عن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
70. يستعمل طه حسين مصطلحات: “نبي يثرب” و “أصحاب محمد” وهو يتحدّث عن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
71. حين يتحدّث عن أسيادنا الصحابة رحمة الله عليهم ورضوان الله عليهم، يقول: “رحمهم الله” ولا يقول أبدا -أقول أبدا- “رضوان الله عليهم”.
72. يعتمد طه حسين على رواية: “ماأقرأ؟”، وليس: “ماأنا بقارئ”. وتعتبر من الأخطاء التي وقع فيها.
طه حسين يؤمن بالقضاء والقدر:
73. يؤمن طه حسين بالقدر. وبين يدي مثالا آخر عن إيمانه بالقضاء والقدر في صفحة 329. والكتاب كلّه أدب واحترام لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وإيمان مطلق بالله تعالى. ولغته العربية العالية مستمدة من القرآن الكريم. وذكر بالتّفصيل وبافتخار واعتزاز المعجزات التي حدثت لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل البعثة، وهو مايسميه علماء السيرة “بالإرهاصات” التي سبقت البعثة، وكذلك بعد بعثة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وفي هذه النقطة كان -في تقديري- أفضل بكثير من الأستاذ عباس محمود العقاد رحمة الله عليه. ولم أقف -لحدّ الآن- على مايسىء -في تقديري- لعقيدة طه حسين، ولو وقفت عليه لذكرته وانتقدته.
74. يقرّ طه حسين وفي مناسبات عدّة بالكرامات التي ميّزت أسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم جميعا.
75. نقل طه حسين روايات تتحّدث عن بركة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قبل أن يولد وأثناء ولادته وحين كان رضيعا، ودافع عنها وتبناها. مايعني -في تقديري- أنّ الفكرة السّائدة عن طه حسين من أنّه لايؤمن بالغيب ولا بالبركة ولا بالنقل ويفضّل العقل على غيره لاقيمة لها -لحدّ الآن- وتحتاج لإعادة النظر.
طه حسين وكتب السيرة:
76. أقول: حين كتب طه حسين “على هامش السيرة” لم يكن يفكّر -في تقديري- في العالمية وقد وهبت له ولم يكن بحاجة إليها. ويبدو لي أنّ العصر الذي عاشه كانت هناك فئة متأثّرة بهذا الفكر أي مايسمونه الإنساني ومنهم طه حسين والعقاد. وقد أشار إلى ذلك العالم محمّد سعيد رمضان البوطي رحمة الله عليه ورضوان الله عليه ذلك في مقدمة كتابه “فقه السيرة”. وأستطيع أن أضيف: أنّ طه حسين لم يفكّر في العالمية حين كتب “على هامش السيرة” إنّما كان يفكّر -في تقديري- في محو آثار كتابه “الشعر الجاهلي”، ويظهر بصورة المغاير والمخالف لما قرأ عنه القارئ في “الشعر الجاهلي”. ولا أعتقد أنّ طه حسين كان يرمي بكتابه “على هامش السيرة” للعالمية وقد سعت إليه. فهو رجل يكتب بغزارة، وببراعة ودون أن يلتفت لمؤيّد أو معارض.
77. لم يكن طه حسين في “على هامش السيرة” -حسب قراءتي- على الهامش. وما قدّمناه من قراءة لاتمسّ مكانته. لكنّه كان آية في اللّغة العربية العالية، ولم ألمسها لدى بعض كبار فقهاء وعلماء السيرة رحمة الله عليهم ورضوان الله عليهم جميعا. ولم أقرأ لحدّ الآن “حديث الأربعاء”.
78. لايوجد كتاب سيرة أفضل الكتب، ولا يوجد كتاب سيرة خالي من العيوب. إنّما يوجد كتاب سيرة نظر الكاتب إليها من زاوية كذا أو كذا. ويكمن التمكّن في الإلمام بالزاوية التي تطرّق إليها الكاتب إلى السيرة النبوية. وطه حسين تطرّق للسيرة النبوية من خلال زاوية بعينها وذكرناها، وأحسن وأجاد من خلال زاويته. وما ذكره القارئ المتتبّع -لحدّ الآن- من عيوب لايسيء لجهد طه حسين، ويظلّ يدعو لقراءة “على هامش السيرة”.
79. قرأ طه حسين السيرة النبوية عبر المراجع الأصيلة وأعاد صياغتها بأسلوب أدبي ساحر، وعلى شكل قصّة في غاية الإبداع.
سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين تحوّل العرب وحقد العرب
80. ذكر عن العرب قولهم: كان العرب يفرّون بمالهم، وأمتعتهم، وأرواحهم إلى أن جاء سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليهاجر بدينه ومن أجل حريته، ويقاتل من أجل دينه وحريته.
81. لفت طه حسين لنقطة -تبدو لي- في غاية الأهمية، وهي: أنّ الذين حاربوا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد البعثة هم أنفسهم الذين كانوا يحسدونه قبل البعثة، ومنها مكانته صلى الله عليه وسلّم في قومه وهو الشاب يومها، وزواجه بسيّدتنا أمّنا خديجة رحمة الله عليها ورضوان الله عليها وهي الغنية صاحبة المال والتجارة، ونيله لوحده شرف حمل الحجر الأسود وسادة وشيوخ وكبار قريش لم ينالوا هذا الشرف، بل بقوا يتفرجون واكتفوا بحمل قطعة القماش التي تحمل الحجر الأسود من أطرافه. ولا عجب أن أفرد طه حسين عنوان “صريع الحسد” عبر صفحات: 285-343، وقد ذكر بالتّفصيل مظاهر الحسد التي تعرّض لها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل البعثة وبعدها.
خلاصة:
82. محروم من لم يقرأ “على هامش السيرة” لطه حسين رحمة الله عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة