دراسة لقصة “طاهر يتعثر بالشّبكة العنكبوتية”
تاريخ النشر: 22/04/14 | 14:05بقلم: حاتم جوعية
مقدِّمة:
تقعُ هذه القصَّة في 26 صفحة من الحجم الكبير – من إصدار مركز الكتاب والمكتبات – أدب الأطفال العربي، ومن رسومات إيزابيل محاميد، والتدقيق اللغوي والتنقيح الدكتور بشارة مرجيَّة.
إستعراض:
تتحدَّثُ هذه القصَّة ُ عن طفل اسمه ” طاهر” ذكي ووسيم وهو الإبن البكر لعائلة غنيَّة ودائما اعتادَ هذا الطفل أن يُقدِّمَ لهُ والدُهُ الهدايا الثمينة، وطلبَ الطفلُ من والدِهِ في يوم من الأيام أن يبشتري لهُ حاسوبًا نقالا ً، وسألهُ الوالدُ لماذا الحاسوب!؟.. فأجابهُ طاهر الإبن: إنهُ أصبحَ في الصَّف الثالث وكثرت وظائفهُ ودروسُهُ ومعظم أصدقائِهِ وزملائِهِ اشتروا الحواسيب. ولم يُوافق الوالدُ في البدايةِ ولم يقتنع بطلب الإبن، ولكن الطفل لم ييأسْ فتوجَّهَ إلى أمِّهِ متوسِّلاً… والأمُّ الحنون،بدورِها، لم تتحمَّل توسُّلات ابنها طاهر لوالدِهِ فتدخَّلت واستطاعت إقناع زوجها بتغيير رأيِهِ.. فوافقَ الوالد واشترى لولدِهِ حاسوبًا وكادَ أن يرقصُ الإبنُ من شدَّةِِ الفرح!. ومع مرور الأيَّام بدأ طاهر يتعلَّقُ بالحاسوب الجديد كثيرًا ويستغرق ساعاتٍ طويلةٍ جالسًا أمامَ الشَّاشةِ… وعندما كانت أمُّهُ تسألُهُ ماذا يفعلُ أمامَ الحاسوب مدَّة طويلة، فكانَ يُجيبُها بارتباك: أبحثُ عن حلول لِمُهمَّةِ العلوم يا أمِّي… ولكنَّهُ كانَ يُبحِرُ بعيدًا في الشَّبكةِ العنكبوتيَّةِ إلى أمور ٍ اخرى بعيدة عن العلوم والأهداف الإيجابيَّة.
وقد اعتادَ “طاهر” كلَّ مساءٍ أن يتظاهرَ ويتصنَّعَ النومَ وبعد منتصفِ الليل، كانَ يُحضِرُ الحاسوب إلى سريرِهِ ويبحثُ عن أصدقاءٍ جددٍ في مواضيع التواصل الإجتماعي، حتى الساعات المتأخِّرة من الليل وأهلهُ يغطُّون في نومِهم. وفي كلِّ صباح ٍ كانت الأمُّ تواجهُ الصُّعوبات في إيقاظ إبنها طاهر فيذهبُ إلى المدرسةِ وهو في شدَّةِ النعاس… وبدأت معلِّمتهُ تشكو من تقصيرهِ بواجباتهِ المدرسيَّةِ وسلوكِهِ غير السليم وعنفه تجاه زملائِهِ.
وأمَّا السَّببُ فقد تعرَّفَ طاهرعلى صديق جديدٍ من خلال شبكةِ التواصل الإجتماعي، اسمه ” سامر” وعمره عشر سنوات (حسب ما كان يدَّعِي هذا الصَّديق المزيّف) وبدأ طاهر يُحَدِّثهُ ويكشفُ لهُ عن أدقِّ التفاصيل العائليَّةِ ويرسلُ لهُ الصُّورَ مُتجَاهِلاً قولَ أمِّهِ: ” البيوت أسرار “.
أخذ َ طاهر يتظاهرُ بالتمارض حتى يظلَّ وحيدًا في البيت، وبعد أن تخرجَ أمُّهُ إلى عملِها كانَ ينهضُ من فراشِهِ مسرعًا ويأتي بالحاسوبِ ليكاتبَ سامرًا الذي أقنعهُ أن يتغيَّبَ عن المدرسةِ. وفي يوم ٍ من الايَّام طلبَ سامر من طاهر أن يرسلَ لهُ بطاقة اعتمادِ الوالد البنكيَّةِ كي يفحصَ إذا كانَ الوالدُ محظوظا أم لا… فلبَّى طاهر طلبَهُ وبحثَ عن البطاقةِ ووجدَها في درج ِ مكتبِ الوالد وسجَّلَ رقمَهَا بدقَّةٍ لسامر. وبعدَ شهر تقريبًا أحسَّ الوالدُ أنَّ مبلغًا كبيرًا فقِد من رصيدِهِ فتوجَّهَ لطاهر وسألهُ إذا كانَ يعرفُ أيَّ شيىءٍ في صددِ هذا الموضوع.. وبعدَ ترَدُّدٍ اعترفَ طاهر وقصَّ لوالدِهِ حكايتهُ مع هذا الصَّديق الذي اسمُهُ سامر وهو يبكي والدُّموع تتساقط على خدَّيهِ.
وبعدَ سماع الوالد كلام ابنه توجَّهَ للشُّرطةِ وقدَّمَ شكوى، وبعدَها ألقِيَ القبضُ على الجاني وتفاجأ طاهر والجميعُ أنَّ سامرًا صديقه الذي يكاتبُهُ على الحاسوب (الكومبيوتر) هو اسمٌ مستعار لرجل ٍ بالغ يحترفُ السِّرقة َ والنصبَ والتضليل واستغلال الأطفال. وبعد الإنتهاء من هذه المُشكلةِ يحتضنُ الوالدان ابنهما طاهرًا وتغمرهُمَا مشاعرُ الفرح والإرتياح والسُّرور، وكأنَّ لسان حالِهما (حسب تعبير الكاتب سهيل عيساوي) يقول: ” لقد ربحنا جائزتين… الأولى: النجاة من مخالب اللصِّ المحتال، والجائزة الثانية: ” فقد تعلَّمنا درسًا لا يُنسَى “.
تَحلِيلُ القِصَّة:
تركّزُ القصَّة ُ على موضوع رئيسي وهو الحاسوب ومَضارّه وأخطاره على الأطفال الصغار أوَّلاً وعلى جميع أفراد المجتمع. وكيفَ أنَّ هنالكَ بعض الصوص والقراصنة يتربَّصونَ للأطفال الصِّغار في السِّنِّ غير البالغين والناضجين فكريًّا والذين لم يعاركوا ويختبروا الحياةَ ويصطادونهم من خلال إقامةِ صداقاتٍ وهميَّةٍ ومزيَّفة وبعدها يجذبونهمم ويجرُّونهم إلى أشياءٍ وأمورٍ لا تحمد عقباها، مثل: سرقة أموال من أهاليهم عن طريق بطاقات الإعتماد أو لأمور أخرى لا تقل ضرورة ً وخطورة ً عنها، وخاصَّة ً مع الفتياتِ الصغيرات، مثل: إقامة علاقات معهم وغيرها.. إلخ.
لقد نجحَ الأستاذ سهيل عيساوي، في هذه القصَّةِ، في طرح الموضوع والفكرة والهدف الذي يُريدُهُ وبأسلوبٍ قصصيٍّ سلس مقتضبٍ يلقي ويسلِّطُ فيه الضوءَ على أخطار الحاسوبِ وأنَّهُ كسلاح ٍ ذي حدَّين وبالإمكان أن يخدمَ ويفيدَ أو العكس أن يضرَّ وَيُسَبِّبَ مشاكلَ وحتى كوارث ومآسي ومصائب إذا لم نستعملهُ ونوظِّفهُ بالشكل الصَّحيح والسَّليم.
لغة ُوأسلوبُ القصَّة هو السَّهلُ المُمتنع وقد كتِبت وَنُسِجَت باللغةِ الفصحَى السليمة والسَّلسة وهي مفهومة للصغار ويتذوَّقها وينسجمُ مع مجرى أحداثِهَا الكبار أيضًا. يريدُ أن يقول الكاتبُ سهيل للجميع هنا: إنَّ الحاسوبَ اليوم هو هاجس وحلم كل طفل وكل شاب، فالأطفال الصغار وإلى جيل المراهقة (وحتى بعض الكبار في السنِّ أيضا) الحاسوب بالنسبةِ لهم قضيَّة ُحياةٍ أو موت، والكثيرون من الأطفال وطلاب المدارس الذين يقتنون الحواسيب في البيت ينشغلون بها دائما ويستغلونها في أمور تافهة وسلبيَّة ومضرَّة أحيانا فيلتهون عن دروسهم ويتدَنَّى ويترَدَّى تحصيلهُم العلمي وحتى تتدهور صحَّتهم بسبب سهرهم الطويل. وهذه الظاهرة ُ موجودة ٌ اليوم لدى نسبةٍ كبيرةٍ من الصغار وحتى الكبار وللأسف في كلِّ مجتمع وعند جميع الشعوب. وهنالك بعض الأهالي (الآباء والأمهات) لا يُحبُّون أن يشتروا الحواسيب لأطفالهم ليس بخلاً بل حرصًا على سلامتِهم صِحِّيًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا وحرصًا على تحصيلهم العلمي، لأنَّ الحاسوبَ يُلهيهم بالتأكيد عن دروسهم وواجباتهم المدرسيَّة وحتى الأسريَّة والإجتماعيَّة الإيجابيَّة… ولكن ليس جميع الأهالي يفكِّرُون بهذا المنطلق ويتصرَّفون ويتعاملون مع أطفالهم وأبنائِهم من خلال هذا المنحى والإتجاه.
ويوضحُ لنا الكاتب سهيل كيف أنَّ الأمَّ (كل الأمهات) تمتازُ وتتحلَّى بالحنان الكبير والرِّقةِ وتضعفُ الأمهاتُ أمامَ توسُّلاتِ ودموع أبنائهنّ فلا تريدُ الأمُّ أن تكسرَ قلبَ ابنها فتنفذ لهُ كلَّ طلباتهِ حتى إذا لم تكن لصالحِهِ.. كما حدثَ في هذه القصَّةِ… فتقنع الوالدَ بشراءِ حاسوبٍ للإبن (طاهر)..
ومجرى القصَّةِ:
يُصبحُ الحاسوبُ مصدرَ شرٍّ فيستغلُّهُ الطفلُ سلبيًّا. وكادَ هذا الحاسوبُ المشؤُوم أن يُدَمِّرَ البيتَ والأسرة كلَّها من ناحيةٍ مادِّيَّةٍ واقتصاديَّة… ولكنَّ اللهَ رأفَ وسَترَ فتُحَلُّ المُشكلة ُ قبل أن تتفاقمَ وتصبحَ كارثة بعدَ أن يعترفَ وَيُقرَّ الطفلُ لوالدِهِ بجرمِهِ وخطيئتِهِ في تعرُّفهِ على هذا الصَّديق الشِّرِّير والمزيَّف والذي هو رجل كبير ادَّعى الصَّداقة لهدفٍ ومأربٍ دنيىءٍ وشرِّير ٍ… وتنتهي القصَّة ُ نهاية ً سعيدة مثل جميع قص الأطفال التي يكتبها الأستاذ سهيل عيساوي…وكلُّ طفلٍ من ناحية نفسيَّةٍ يُحبُّ السَّعادة والمرح والسُّرور ويُحبُّ أن يفرحَ بقراءَةِ أيَّةِ قصَّةٍ وليسَ ليحزنَ ويكتئبَ (فالقصصُ السعيدة تدخلُ انطباعا إيجابيًّا وجميلاً للطفل نفسيًّا وفكريًّا وأمَّا القصصُ الحزينة فتدخلُ الغمَّ والإكتئابَ والحزنَ إلى نفسيَّةِ الطفل وقد يكون لها أنعكاس سلبي خطير ووخيم على نفسيتهِ وتكوين شخصيَّتهِ مستقبلا.. ولهذا دائما يحرصُ الأستاذ سهيل على كتابةِ القصَّةِ المفرحةِ والسَّعيدةِ والمشرقةِ والمُشِعَّةِ بالحياةِ والأمل والتنفاؤُل).
هذه القصَّة واقعيَّة وقد حدثَ الكثيرُ منها أو مَا يُشابهها في مجتمعنا، ويضعُ سهيل العلاجَ الناجعَ والحلَّ للظاهرةِ والموضوع الرئيسي الذي تحدَّثَ عنه: (إستعمال الحاسوب بشكل سلبي ومضر من قبل الأطفال). فالأهلُ ليسوا دائمًا على علم ٍ بتصرُّفات الأبناء، فيجبُ أن يراقبوا سلوكَ أطفالهم، وخاصَّة ً في استعمال الحواسيب ولأيَّةِ أهدافٍ يستغلونها (لقد أرادَ سهيل أن يقول هذا الشيىء بشكل غير مباشر، والقارىء يفهم هذه الرسالة وهذا التوجُّهَ والنداء من خلال مجرى أحداث القصَّة). وهذه القصَّة ُ ناجحة ٌموضوعيًّا وأدبيًّا وتثقييًّا وتعليميًّا. وقد استطاع الأستاذ ُ سهيل عيساوي أن يوصلَ الرِّسالة إلى الجميع… للأهل وللأطفال والأولادِ وللأساتذةِ في المدرسةِ على أحسن وجهٍ وبكلماتٍ مختصرةٍ وبأسلوبٍ وطابع ٍ قصصيٍّ جميلٍ وبنكهةٍ أدبيَّةٍ جميلةٍ مُنمَّقة تترعُها البراءَةُ والعفويَّة والشَّفافيَّة التي تتلاءَمُ وتتناغمُ مع جوِّ وعالم الطفل البريىء. وقد صوَّرَ ووصَفَ لنا الطفلَ طاهر (بطل القصَّة) كنموذج للوداعةِ والبراءَةِ وأنًّهُ طفلٌ مسالم لا يوجدُ عندهُ مُكرٌ وخبثٌ وعدوانيَّة وأفكارٌ شرِّيرة وشكٌّ في نوايا الآخرين حتى لو كانوا يُضمرونَ لهَُ الشَّرَّ وكلَّ ما هو سلبي كالصَّديق المزيَّف الذي تعرَّفَ عليهِ، ويمتازُ هذا الطفلُ (في القصَّة) بالشَّفافيَّةِ والصدق وبالذكاءِ ولديه الإحساس والشُّعور بالمسؤوليَّةِ أيضا رغم صغر سنِّهِ حيث اعترفَ لوالدِهِ بمكاتبةِ ومراسلةِ صديقهِ المزيف الذي تعرَّفَ عليهِ من خلال الحاسوب وبإعطائِهِ رقم بطاقةِ الإعتماد التي لوالِدِهِ بعد أن سألهُ الوالدُ عن المبلغ المالي الكبير الذي اختفى من رصيدِهِ فجأة ً. إنَّ صفات مواصفات هذا الطفل قد تنطبقُ على معظم الأطفال في جيل الطفولة المبكِّر وعلى عالمهم وجوِّهم وخيالهم المترع بالبراءةِ والمحبَّةِ والوداعةِ والسَّلام. وقد أعطى وقدَّمَ الكاتبُ سهيل عيساوي أيضًا صورة ًجميلة ً وإيجابيَّة ً وَمُشرقة للأهل المثاليِّين وللجوِّ العائلي والأسري السليم والطبيعي.. أي أنَّ الأهل يُحِبُّون أبناءَهم ويريدونَ مصلحتهم وسعادتهم ويحرصون دائما على مستقبلهم، ولهذا عندما رفضَ الوالدُ في البدايةِ أن يشتري الحاسوبَ لابنهِ كان من دافع الحرص على مصلحتهِ ولكي لا يشغله هذا الحاسوب في أمور أخرى سلبيَّة لا تحمد عقباها.. ووافقَ بعد ذلك وبإلحاح وطلبٍ من زوجتهِ ولأنهُ هو أيضا يُحبُّ ابنه كما أمُّهُ تحِبُّه ويحبُّ ويُريدُ أن يراهُ فرحًا وسعيدا وليس حزينا ومكتئبا، ولم يكن يتوقع الأب أن الحاسوبَ سيجلبُ المصائبَ في النهاية لإبنهِ وللبيت بهذا الشَّكل.. وبعد أن ألقي القبض على اللصِّ المحتال الذي سرقَ المالَ من خلال رقم بطاقةِ الإعتماد فرحَ الجميعُ وكان درسًا لكلِّ أفراد العائلةِ وللطفل بشكل خاص. وستكون هذه القصَّة أيضًا درسًا لكلِّ طفلٍّ يقرؤُها وحتى للكبار في السِّنِّ فمنها يتعلمونُ الكثيرَ ويستقون الدُّروسَ والعبر. وتستحقُّ هذه القصَّة أن توضعَ في المكتبات وتدَرَّسَ في المدارس للكبار وللصِّغار نظرًا لقيمتها الأدبيَّة الفنيَّة والتعليميَّة والتثقيفيَّة… وأن يُكتبَ عنها العديدُ من الدراسات القيِّمة.