مداخلة على هامش الاجتماع التحضيري لإتحاد الكتاب الفلسطينيين الأحرار
تاريخ النشر: 15/04/14 | 8:10بقلم: د. سامي ادريس
كيف يكون الشاعر ناقداً؟ ناقداً موضوعياً للشعر، والشعر نفسه هو فن قد نجني عليه إذا وضعناه تحت المعادلات العلمية وطبقناها عليه. إنني إذا تحدثت عن نفسي أقول إن الدراسات الجامعية وتحليل المقالات النقدية لكبار النقاد، وشغفي بمعرفة معايير النقاد حتى أقيسها وأطبقها على شعري شخصياً،ودراستي لعلوم الأدب بأسرها من لغة ونحو وبلاغة وعلم نفس وتاريخ. كل هذه جعلتني أمضي الى النقد بخطوات حثيثة، واختار النقد الذوقي الخاص بي دون غيري، فقد رأيت أنَّ الذوق خيْر الوسائل لنقد الأدب كما يرى طه حسين ومحمد مندور، لكن يبقى السؤآل ما هو الذوق؟ إنه في أية حال لا يعني المجاملة والتحيّز الى جانب الشاعر بدل القصيدة. وأول ما نبدأ به حال تناولنا للقصيدة هو ما أثارته لدينا كقراء متمرسين من تفاعل واحاسيس ترقى الى التحريض او التأمل والمتعة الذهنية او التماهي، ثم اضاءة جوانب القصيدة من أجل الفهم العادي.وعلينا التمييز بين النظم والشعر كما قال أحمد شوقي وكما ورد في مقالي: الشاعر المطبوع والشاعر المصنوع:
والشعرُ ما لَمْ يكنْ ذكرى وعاطفةً / أو حكمةً فهْوَ تقطيعٌ وأوزانُ
ولتعلم أن اختلاف آراء النقاد حول قصيدة معينة هو الدلالة الأولى على فنيّة الأدب وذوقية النقد. وأنا أرى أنه يوجد قصيدة او غير قصيدة مهما تعددت أشكال كتابتها، لكنني حال تحليلها أعيدها الى اصولها التي تنتمي اليها وابحث في مدى تمكن الشاعر من هذه الأصول، وأعمل على توضيح رؤيا امام القارئ والشاعر على السواء فالشاعر يجد أن في قصيدته ما أثار هذه الضجة، مما لم يخطر بباله ويصارح الناقد بذلك، والقارئ يستمتع بما جادت به قريحة الناقد في التحليل.ويصبح النقد إثراءً خلاّقاً للعمل الأدبي، وذلك عن طريق ولوج الناقد الى التجربة الروحية النفسية والفنية التي خلُصَ إليها الشاعر في جهده للتعبير عن مشاعره اللاواعية الكامنة في عقله الباطني.
لقد كان هدفي من الكتابة النقدية او ما تحاول ان ترقى الى النقد الجاد، ليس كتابة المقال العلمي الذي يعود الى المراجع والهوامش ويعنى الخاصة من الدارسين لأنال به حظوة بينهم او ان أضيفه الى حصيلة الدرجات العلمية التي حصلت عليها. وإنما كان هدفي إرشاد المبتدئين والأخذ بيدهم ووضع حد لما ينشر اعتباطاً في ما يسمى (الفيس بوك) والتمييز بين غثه وسمينه، حيث حرية النشر الباتعة وحيث اصبح كل من يستطيع الولوج الى هذه المنطقة يستطيع بكل سهولة ان يطلق على نفسه (الشاعر فلان الفلاني). كما انني آنستُ في بعض الشعراء الجادين روح المثابرة والإبداع فأخذتُ أبيّن لعامة القراء مناحي الابداع والجمال في شكل القصيدة ومضمونها على السواء، وبيّنتُ لهم أنه لا يكفي ان تبدي اعجابك بالقصيدة ولكن لا بد أن تذكر ما الذي أعجبك فيها ولماذا كتبت انها رائعة؟؟وهل نظرت الى نص القصيدة نفسها أم أخذك كاتبها وصداقتك به.وهل قرأتها مرة أخرى قراءة متمعنة فاحصة؟ بحيث تتكشف للك جمالياتها في المرة الثانية.
معنى التميّز والصوت الشعري
لكل شاعر معجمه الشعري الذي اكتسبه من ثروته اللغوية وحافظته الشعرية وخلفيته اللغوية الثقافية، والمعجم الشعري لا أعني به مجموع المفردات التي تتردد كثيراً في ذاكرة الشاعر وفي مخزونه اللاواعي ولكنه يعني ايضاً الجملة الشعرية والتعبير وقد يصل الى الصورة والاستعارة وغيرها من المحسنات والجماليات البلاغية،ولجوء الشاعر الى التناص والالماع واستلهام التراث الحضاري،او تفصيح العامية وابتداع افعال جديدة.ولعلني أضيف إضافة هامة إذا قلت ان اختيار الشاعر لبحر شعري بعينه دون غيره يدلُّ على شاعرية، وقد لاحظت ان بعض الشعراء جعل أغلب قصائد ديوانه على بحر الرمل او البحر السريع او الكامل او المتقارب او الوافر.
وهذا المعجم الشعري هو هو الذي من شأنه أن يكسب الشاعر تميُّزاً واضحاً عمن سواه من الشعراء، وذلك أن الكلمة والتعبير الذي نستخدمه يومياً في كتابتنا العادية وفي حديثنا يصبح في الشعر شيئاً آخر له سحر يسحر القارئ وقد يغضبه ويثيره ويحرضه فيهبُّ شاهراً سيفه، أو هاتفاً في تظاهرة جماهيرية، أو يحفزه على التأمل الإنساني والتأمل الباطني.وأنت قد تجد دارساً متقناً لعروض الشعر واللغة العربية ولكن شعرة يأتي نظماً فجّاً لا روح فيه ولا حياة ولا تتماهى معه.
وأنت تجد شاعراً يكرر نفسه كل يوم وفي كل قصيدة بشكل ينفر القارئ من كتابته فعندما يرى اسمه يعرف ماذا يريد أن يقول فيعرض عنه. أما الشاعر الحقيقي فإنه يأخذك الى عالم تجربته الجديدة بتعابيره ومفرداته التي تكون مستجيبة لهذه التجربة، فتهش الى قراءة قصيدته باحثاً عن نقطة الإبداع فيها. واعلم أن الشاعر نفسه قد لا تكون كل قصائده على نفس المستوى من الإبداع، ولا عيب في ذلك البتة. والشاعر الذي يقرأ شعر غيره من فحول الشعراء ويقرأ في غير الشعر هو الذي يطور معجمه الشعري.
لمن يكتب الشاعر؟!ولمن يكتب الناقد؟!
صحيح أننا أمام جمهور غير قارئ وغير مثقف نسبة الى الشعوب الأخرى، ولكن هذا الجمهور إذا تركناه على حاله فإن الشعر بالنسبة له يصبح مثل اغنيات هيفاء وهبي ونانسي عجرم، وفي غياب الحاجة الى اتقان اللغة العربية يصبح الأمر عجيباً ولا نعود نحن النقاد نستطيع عمل شئ إلا أن ننفخ في رماد ونصرخ في واد. ولذلك رأيت أن أبدأ من السهل فأعرف القراء على مصطلحات نقدية يعرفها النقاد والقراء المثقفين، ثم أتوغل في تعريفهم على مصطلحات طارئة كالتناصّ، والتضاد (الاوكسيمورن) والاستعارة التنافرية، والانزياح. وكل ذلك في وجبات ورشفات خفيفة.
من أين يبدأ الناقد: مفتاح القصيدة
وماذا يتوقع الشاعر من الناقد؟
القصيدة التي تسلمك نفسها من القراءة الأولى ليست من مجال حديثنا وليس لنا هدف نتعب في نقدها.
وعدمَ انقيادها القصيدة الى القارئ لأول وهلة بسهولة وإنما تتأبّى، وتتدلل، وتتمنع، وتراوغ، وتماكر، فلا يهتدي السبيل إلى ما فيها من عناصر الجمال الفني إلا بعد إعمال فكره، وإجهاد خياله، وإعنات قريحته. وهنا يأتي دور النقاد ليفتحوا طرقات واسعة ممكنة لفهمها. ففي الشعر الحديث تخرج اللغة عن مألوفها، لتؤدي وتحمل معنى ما ألفته وترفض التعابير المسكوكة والجاهزة.
ومهما يحاول الناقد أن يكون موضوعياً منهجيّاً، فإن معرفته الإنسانية بالشاعر لا بد ان يكون لها توجيه لنقده من حيث الحدّة والتساهل. ولكن بعض الشعراء مغرمون بالمديح والاطراء وهم في تسارع مستمر وصراع دائم، ولا أعني أولئك المهمشين الذين يتهافتون الى اللايكات وجمعها ويرون في كثرة عددها أنهم حازوا على الجماهيرية وأنه أصبح لا يُشق لهم غبار. ولكني أعني أولئك الذين يرون في النقد طقوساً ورقصاً مهووساً حول نار القصيدة.
والكلمة الأولى هي بداية الاقلاع الجارف نحو النهر الهادئ، وقد يقرأ الناقد القصيدة فيظنُّ للوهلة الأولى أن لا شئ يمكن قوله حولها يكون ذا بال،ثم ما يلبث ان تتكشف أمامه عوالم شاسعة فيهتدي الى مفتاح القصيدة فيأخذ في الربط والتركيب والتأليف معيداً تجربة الشاعر كما عاشها هو عبر القصيدة، وقد يشط الناقد وتذهب به الأفكار الى ما لم يكن في مقصود الشاعر ولكنه يجب أن يبقى في دائرة المنطق الدلالي الايحائي. ثم ينتقل الى البناء الفني للقصيدة.
شعراء كتاب النقد
الشاعر نمر سعدي: في قصيدته:
(شاعرٌ يُشبهُ الشنفرى). على الناقد الالمام بتاريخ وشعر الشنفرى وقصة حياته ليرى الرابطة بينه وبين العنوان والعنوان يقول اشياء كثيرة عن القصيدة.. وربما مجرد حب الشاعر لهذا الاسم جعله يذكره في العنوا ن للتفخيم!
*** الشنفرى هو من شعراء الصعاليك والصعاليك هم فئة من فتيان الجاهلية خلعتهم قبائلهم وتبرأت منهم إما لسوء تصرفاتهم أو لسواد وجوههم فلما رأوا أنفسهم منبوذين وهم من أبناء القبائل نظموا أنفسهم في جماعات لكل جماعة قائد وأطلقوا على أنفسهم اسم الصعاليك والصعلوك معناه الفقير ولكن معنى الكلمة اتسع وصار له معنى آخر فأصبح يعني نوعا من الفتوة لأن الصعاليك جعلوا شعارهم التشرد والغزو وقطع الطريق على الأغنياء ونهب أموالهم وإعطاءها للفقراء وكان زعيم الصعاليك في بلاد نجد / عروة بن الورد أما في تهامة فكان زعيمهم / تأبط شرا ومن الصفات التي لازمت الصعاليك وتمدحوا بها: قلة النوم وسرعة الجري وتحمل المشاق وقلة الشكوى والشجاعة التي لا تعرف الخوف
*** ومعنى / الشنفرى أي الغليظ الشفاه وأمه حبشية وقد ورث عنها سوادها. ويقال: أن الذي روضه على الصعلكة وقطع الطرق هو / تأبط شرا وهو خاله
****وقد قال: الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: (علموا أولادكم لامية العرب) لأنها تعلمهم مكارم الاخلاق ولامية العرب هي للشاعر الجاهلي / ثابت بن أوس الأزدي الملقب بالشنفرى
أقـيــمــوا بــنـــي أمِّـــــي، صُـــــدُورَ مَـطِـيِّـكــم فــإنـــي، إلــــــى قــــــومٍ سِـــواكـــم لأمـــيـــلُ !
فــقــد حُــمَّــتِ الـحـاجــاتُ، والـلـيــلُ مـقــمــرٌ وشُـــــــدَّت، لِــطــيـــاتٍ، مــطــايـــا وأرحُـــــــلُ؛
وفــي الأرض مَـنْـأىً، للكـريـم، عــن الأذى وفـيـهــا، لــمـــن خـــــاف الـقِــلــى، مُـتــعــزَّلُ
لَعَـمْـرُكَ، مــا بــالأرض ضـيـقٌ عـلـى أمــرئٍ سَـــــرَى راغــبـــاً أو راهــبـــاً، وهـــــو يـعــقــلُ
ولـــي، دونـكــم، أهـلــونَ: سِـيْــدٌ عَـمَـلَّــسٌ وأرقـــــــــطُ زُهْــــلُـــــولٍ وَعَـــــرفـــــاءُ أجْـــــيـــــلُ
وجاء في قصيدة نمر سعدي
شمساً شتائيَّةً تستحمِّينَ فيها
بكاملِ مرجانِ روحكِ من عقدةِ الخوفِ واليأسِ
بحراً يتيمَ القصيدةِ يقصدُهُ العاطلونَ عن الحُبِّ والصعلَكةْ
احمد حسين: قصيدة رباعية النزول والصعود
احمد فوزي ابو بكر
سامح يوسف
نبيل طربية
يوسف مفلح الياس
زهدي غاوي
زياد شاهين
نمر سعدي
كرم شقور