سقط مبارك وصمد الأسد

تاريخ النشر: 03/04/14 | 10:48

بقلم: المهندس محمد يونس

يتساءل بعض الناس، ومنذ الأحداث الدموية في الجمهورية العربية السورية، متى سيسقط نظام الرئيس بشار الأسد. أعتقد أن هذا السؤال له شرعيته ومنطقه، فقد تهاوت أنظمة أربع دول عربية الواحد تلو الآخر وخلال شهور منذ بدء ما يسمى الربيع العربي، أو حملة الفوضى الخلاقة التي تشنها الدول الإمبريالية الغربية ضد العالم العربي. فبعد هبة تونس ورحيل الرئيس بن علي وزمرته، ومليونية ميدان التحرير وسقوط الرئيس مبارك، والأحداث الدموية في اليمن وليبيا والإطاحة بعلي عبد الله صالح والعقيد معمر القذافي، انتظر كثيرون نهاية مماثلة للرئيس السوري بشار الأسد.
أعتقد أن هذه التوقعات بشأن قرب سقوط الأسد نابعة من سطحية التحليل العلمي ومن تأثير وسائل الإعلام التي نقلت الأحداث بأسلوب موجه وروجت إلى ضرورة وحتمية سقوط الأسد. ولكن بعد مرور ما يزيد عن ثلاث سنوات على بدء الأزمة السورية، ما زال الأسد في قصره الرئاسي يدير المعركة ويتحكم بزمام الأمور رغم الصعوبات. وهنا من حقنا أن نسأل لماذا سقط رؤساء أربع دول عربية وفي المقابل صمد الأسد؟
لا يمكننا، ومن خلال مقالٍ قصير، أن نتطرق إلى كافة الحالات الأربعة، وأن نحلل ما حصل فيها من تداعيات وأحداث ومواقف، ولكنني اخترت أن أجيب على هذا السؤال من خلال المقارنة بين الحالتين السورية والمصرية. اخترت مصر دون غيرها بسبب تشابهها مع سورية من حيث بعدها الجغرافي لنا كفلسطينيين، فهي جارتنا من الجنوب الغربي في حين تجيرنا سورية من الشمال الشرقي. وتعتبر مصر دولة مركزية في الواقع السياسي الشرق أوسطي تمامًا كما هي سورية التي لها دورها وأهميتها الإستراتيجية. ومصر، كما سورية، هي دولة مؤسسات ولها عراقة وكوادر إدارية وجيش وأجهزة دبلوماسية متطورة لا نجدها في ليبيا واليمن.
ولكي نفسر سر صمود الأسد، لا بد لنا أن نقارن بين نظامي الدولتين ومسيرة الأحداث فيهما ونكشف نقاط التشابه ونقاط الاختلاف التي لعبت في صالح الأسد وكانت من بين أسباب بقائه.
بنية نظام الحكم:
مع أن الدولتين تصنفان كدول دكتاتورية، إلا إننا نستطيع تحديد الفرق بين النظامين. فالنظام المصري كان دكتاتوريًا استبداديًا لا عقيدة له وهدفه الحفاظ على وجوده لكي يحفظ مصالح الطبقة الحاكمة والمنتفعة من وجود النظام. ولهذا السبب فقد ترك النظام مساحة من “الحرية” للمصريين لكي “ينفسوا” عن عدم رضاهم عن الوضع القائم. ويمكننا أن نرى ذلك من خلال وجود نقابات مهنية مستقلة ولجان طلاب وصحافة خاصة وغير ذلك من التنظيمات التي وجدت فيها المعارضة المصرية متنفسًا ومنبرًا للتعبير عن الرأي دون أن تشكل أي خطر على النظام القائم. وفي المقابل، يمكن تصنيف النظام السوري نظامًا شموليًا يتدخل في كافة مناحي الحياة. فالنظام هو من يوجه الصحافة ووسائل الإعلام، وهو من يقود لجان الطلاب والنقابات المهنية، وهو موجود وفعال على مستوى الدولة والقضاء والمدينة والحي والمدرسة والنادي والجمعية، إذ لا يحدث شيء في سورية دون مباركة النظام ووجوده الفعال.
وهنا، نرى أنه وعند بدء الاحتجاج الشعبي في مصر، تلقى المحتجون يد العون من التنظيمات القائمة والتي يكثر فيها المعارضون الذين وجدوا في هذا الاحتجاج فرصة. وهكذا وضعت قدرات لجان الطلاب ونقابات الأطباء والمهندسين والصحافيين وغيرهم، تحت تصرف الواقع الاحتجاجي مما أعطي للاحتجاج طابعًا منظمًا ووفر له قدرة على الاستمرار في حملة إسقاط الرئيس ونظامه. دعت هذه التنظيمات كوادرها إلى المشاركة الفعالة في الاحتجاج، ليشمل شرائح متنوعة من أبناء الشعب المصري غير الراضي عن النظام. وفي المقابل، عند بداية الأحداث في سورية، تجندت التنظيمات الموازية هناك لمصلحة النظام وعملت على احتواء الاحتجاج وعلى دعم النظام في مواجهة موجة الغضب. لذلك رأينا في ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى الملايين من المعتصمين والمحتجين بشكل متواصل، بينما لم نرى في سوريا سوى بضع عشرات من الناس في أماكن غير مركزية يتصورون لفترات قصيرة ثم يختفون. وكانت المظاهرة المليونية الوحيدة هي تلك التي نظمت دعمًا للنظام وتأييدًا له في ربيع 2011. ومن خلال المقابلات مع المشاركين في المسيرة يمكننا أن نحس بحجم العمل الذي قامت به اللجان والنقابات والفروع لكي يصل المتظاهرون إلى دمشق لرفع صور الرئيس والهتاف له.
الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية:
لقد عمل العامل السياسي الوجداني دورًا مهمًا في كلا الحالتين. فبينما عتب الشارع المصري على نظام مبارك خضوعه للسياسات الأمريكية وتقربه من إسرائيل ومساندته لها ضد الشعب الفلسطيني وقضيته، كان الرئيس السوري يتمتع بشعبية عالية بسبب دعمه لنهج المقاومة وعدم تنازله عن حقوق وثوابت الفلسطينيين. وربما يشكك البعض بصحة موقف الأسد وصدق أقواله وأعماله بشأن القضية الفلسطينية، ولكنني أفضل عدم خوض هذا النقاش لعدم أهميته في هذا المكان. ما يهمني هو كيف سوق الأسد لنفسه وكيف يراه السوريون وليس ما هو فعلاً. وأعتقد أن مؤيديه ومعاديه يتفقون معي على أن الأسد كان يتمتع بشعبية عالية بعكس الرئيس محمد حسني مبارك الذي كان يتبنى مواقف غير شعبية ومرفوضة من قبل معظم مكونات الشارع المصري. وهنا تداخلت العوامل النفسية بتلك السياسية. فبينما رأى المصريون بالتخلص من مبارك قضية وطنية تصب في مصالح مصر والوطن العربي، خشي السوريون من خسارة الأسد “حامي الديار” وحامل راية المقاومة والتحرير.
طبيعة الأحداث في البلدين:
لاحظ المراقبون الفرق بين طبيعة الأزمة في البلدين. فبينما تميزت أحداث مصر بكونها احتجاج شعبي، غير عنيف تعكس عدم الرضا من الوضع القائم، ترافقت بداية أحداث سورية وخاصة في درعا بإطلاق النار على قوات الأمن السورية من قبل المتظاهرين.
كان لشعبية وسلمية الاحتجاج في مصر أهمية كبرى في كسب التأييد على المستويين المحلي والعالمي. فقد توسعت دوائر الاحتجاج تدريجيًا وزاد تقدير الشارع والرأي العام للمعتصمين في ميدان التحرير بسبب عدم تبنيهم أي نوع من أنواع العنف، لحرسهم على الممتلكات الخاصة والعامة، لاحترامهم لقوات الأمن المصرية وخاصة الجيش. وأعتبر الاحتجاج تجربة سياسية واجتماعية وثقافية تجمع المصريين وتوحدهم في المطلب وهو رحيل الرئيس مبارك. ولم تتراكض الحركات السياسية وراء الرعاية الأجنبية لا من قطر والسعودية ولا من الولايات المتحدة وسائر الدول الغربية الإمبريالية. وكان لأحداث مصر صدىً عالميًا في وسائل الإعلام الغربية التي وصفتها كعملية احتجاج حضارية تستحق الدعم.
وبعكس مصر، رافق السلاح موجة الاحتجاج السورية منذ انطلاقتها، حيث أطلقت النار على جنود الجيش العربي السوري الذي يخدم فيه أبناء كل شرائح الشعب السوري وخاصة أبناء الطبقات الفقيرة والمرشحة أن تشارك في الاحتجاج. ولكنها وجدت نفسها لا تستطيع أن تقف في نفس الميدان الذي يقف فيه من يطلق النار على أبنائها. بدأت هذه المجموعات المسلحة في فرض رأيها وسيطرتها على بعض الميادين والساحات والأحياء والبلدات. وسرعان ما وصلت مليشيات غريبة عن سورية لها أسياد وممولين، وتحول الاحتجاج إلى حرب عصابات. وبدأت قطر تمول ضباطًا وجنودًا (وإن كانوا قلة) من الجيش السوري لينشقوا ويشكلوا ما يسمى الجيش الحر. وهنا وجد المواطن السوري نفسه في حيرة، فمن جهة، هو يطلب التغيير والإصلاح ومن جهة أخرى يرى مجموعات مسلحة تقمع من يخالفها بقسوة أشد من قسوة النظام وتمارس ممارسات همجية وغريبة عن أخلاقيات الشعب السوري وعن مطالبه وطموحاته، وتدمر منشئات عامة ومرافق اقتصادية هي ملك للشعب السوري. وهنا بدأ الانقسام بين من توقف وقال مهلاً، إن ما يجري هنا هو غير ما تمنيناه، وهذه الحرب ليس فقط لا تناسبنا، بل تدمر دولتنا وبنية مجتمعنا، وبين من استمر في رؤية الأحداث فرصة لتغيير النظام، ورأى أن هذه الفوضى وهذا الدمار هو الثمن الذي لا بد أن يدفعه الشعب السوري لكي يتخلص من النظام وبناء الدولة من جديد. ورغم أن بعض السوريين قد تعاونوا مع المليشيات المسلحة وانتفعوا من التمويل الخليجي السخي، إلا أن غالبية الناس بدأت تتراجع عن موقفها وخاصة مع انتشار أعمال العنف والقتل وقطع الرؤوس “وجهاد النكاح” الذي حول بنات سورية ونسائها إلى جاريات وزانيات في خدمة المقاتلين.
ونرى أن أحزاب المعارضة المنتظمة في الجبهة الوطنية التقدمية (بيمينها المتمثل بالحزب السوري القومي الاجتماعي ويسارها المتمثل بالحزب الشيوعي) اختارت أن تقف إلى جانب النظام بدل أن تستغل الفرصة لإسقاطه وذلك خشية من فوز نهج ذبح الناس وجلدهم. وكان لهذا الموقف وقعه على الشارع السوري.
التركيبة السكانية:
رغم وجود أقلية قبطية تتراوح نسبتها بين 10% إلى- 15%، إلا أن هوية مصر واضحة سواء للأغلبية العربية المسلمة السنة أو لمجموعة الأقلية القبطية. وقد عرفت مصر الطريق الذهبي الذي يمكن الأقباط من العيش الكريم والأغلبية من الحفاظ على طابع الدولة العربي الإسلامي. وربما لا يعكس هذا الواقع ما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية التي تضمن حقوق الأقليات وحقها الكامل وغير المشروط في المشاركة السياسية، ولكن هذا التدبير مكن الأقلية والأكثرية أن تطالب بالتغيير بشكل مشترك. مع العلم أننا لا نتحدث هنا عن فترة ظهور الأخوان المسلمين على الساحة والتي رافقتها بعض المخاوف من قبل الأقباط.
أما في سورية متعددة الأديان والإثنيات، فقد بنيت الدولة على أسس قومية جامعة، تجسر بين الفوارق، وتضع الهوية السورية فوق كل هوية أخرى. وهذه الهوية تضمن للأقليات من أكراد وأرمن ودروز ومسيحيين وعلويين وشيعة وغيرهم، تضمن لهم حق الشراكة الرسمية والفعلية في الدولة ومؤسساتها. وعند نمو التيار “الإسلامي التكفيري”، إن صح التعبير، بدأت تتكاتف هذه الأقليات وتتفق فيما بينها في دعم النظام خشية أن تسيطر قوى طائفية ومذهبية على السلطة فتدفع الأقليات ثمن اختلافها غاليًا. وهنا يجب أن نضيف التأييد الذي يحظى به حزب البعث بين المسلمين السنة والذين يشكلون غالبية أعضاء الحزب (بعكس ما يظن البعض). هكذا وجد الأسد نفسه يتمتع بتأييد مطلق من قبل ما يزيد عن 60% من مركبات الشعب السوري وهي نسبة مطابقة للاستطلاعات التي قامت بها مؤسسات كندية ودلت على رغبة 65% من السوريين في بقاء الأسد رئيسًا عند نهاية الأزمة.
الخلاصة:
أعتقد أن ما حدث في مصر لا يمكن أن يتكرر في سورية وذلك للأسباب التي تم توضيحها أعلاه ونظرًا للتغيرات التي تحدث على مستوى العالم. فقد انتهى عصر القطب الواحد وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية في العلاقات والسياسات الدولية العالمية. وتعتبر الأزمة السورية فرصة لروسيا لاستعادة مكانتها التي تمتعت بها في عصر الاتحاد السوفييتي.
إن لم تقوم جهات مخابراتية أجنبية باغتيال الرئيس الأسد، سيكون بشار الأسد الرئيس السوري القادم لفترة انتخابية جديدة على أمل أن تتميز الفترة القادمة بالإصلاح والتصالح بما يخدم مصالح الشعب السوري والأمة العربية ومن جهتنا، القضية الفلسطينية أيضًا.

 

almohndesm7msyones

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة