ملاحظاتٌ تنظيميّةٌ وسلوكيّةٌ من مؤتمرٍ عالميٍّ

تاريخ النشر: 05/10/17 | 17:22

شاركت في الأسبوع الماضي في مؤتمر عالميّ عُقد في جامعة كوبنهاجن، الحرم الجنوبيّ، كليّة الآداب. لن أرهقكنّ/م هنا بمضمون المؤتمر وآخر الطروحات النظريّة والبحثيّة للمختصّين والمختصّات في موضوع المؤتمر، بل أودّ أن أشارككن/م بعض الأجواء التنظيميّة والأنماط السلوكيّة التي أدهشتني، على بساطتها لأول وهلة، فأردت أن أكتب عنها فورًا، لكن مهام ما بعد السفر والأجواء الأسريّة والعائلية مع عودتي نهاية الأسبوع، وثمّ التزاماتي المهنيّة الأخرى في اليومين الأخيرين، لم تتح لي فرصة التفرّغ لمشاركتكنّ/م! حان الوقت.
مدهش الهدوء الذي ساد المؤتمر على مدار يوميْن وفي كلّ أجزاء البرنامج، ومدهش التزام المشاركين والمشاركات بقواعد السلوك التي تؤمّن هذا الهدوء. في قاعة تستوعب حوالي 500 شخصٍ، ليست مشغولة بالكامل، بمقاعد مريحة (ليست ملَكيّة!)، يٌغلق باباها الجانبيان فوْر بدء كل قسم في المؤتمر. لا يوصدان بمفتاح، ولكن لا يفتحهما أحد دخولًا أو خروجًا طوال المحاضرة وما يعقبها من مداخلات المشاركين والمشاركات، والتي تستغرق معًا ساعة ونصف الساعة. الباب الوحيد للدخول والخروج هو أحد البابين الخلفييْن في الجهة العلوية للقاعة، وهو يفضي إلى مساحة صغيرة، ومباشرة على بُعد خطوتين أو ثلاث تفضي إلى باب آخر لإتمام الخروج إلى ردهة واسعة في الطابق الثاني للبناية، هي قاعة الاستراحة والتضييفات وفيها يقدم الغذاء، وهي مفتوحة، أي دونما حائط، في جهتها الداخليّة القصوى وعمليا تطلّ على مطعم كليّة الآداب لجامعة كوبنهاجن. الأبواب والنوافذ مصمّمة بحيث لا تسمع ما يدور في الخارج. من النوافذ الزجاجية في الجهة اليمنى للقاعة بالإمكان أن ترى حركة المارّة والدّراجات الهوائية في الطريق المحاذي للبناية، لكنك أبدا لا تسمع صوتًا، وكذا الأمر في مقصف الكليّة الرئيسيّ المحاذي للجهة الخلفيّة للقاعة، وفي الدهليز (الكريدور) من الجهة الأخرى للقاعة داخل العمارة والذي يفضي لدهاليز بنايات أخرى في الحرم الجامعيّ.
مدهش ألّا تسمع رنّة هاتفٍ نقال ولو مرة واحدة، ولا بالخطأ، طوال أيام المؤتمر، لا ولا في الفرص وأوقات القهوة والغداء ، ولا في الميترو أو الأماكن العامة الأخرى. لا أحد منشغل/ة بهاتفه/ا الذكيّ (سوايّ !!! عندما أسارع خلال اليوم لأتواصل مع البيت ومع ابني وبناتي في أماكن تواجدهم). أصوات الناس أبدًا لا تقتحم مسمعك. يتمّ تبادل الحديث بين روّاد المؤتمر، ولكن حسب قواعد تدعهم يسمعون من يتحدثون معه براحة ويتركون للآخرين سماع بعضهم بعضًا. لا صوت لأكعبة أحذية، لا لنساء ولا لرجال، مع أن بعض الأرضيّات خشبيّة.
كلّ قسم في المؤتمر احْتَلّتْه محاضرة واحدة فقط. بعد الفرصة يبدأ القسم. لا أحد يعلن عن بدء القسم! لا أحد يدعو المؤتمِرين والمؤتمِرات للدخول، وكم بالحريّ أن يحثّهم على ذلك. الباب الخلفيّ يتيح الدخول والخروج، لكنّ استخدامه شبه معدوم! أما بعد كل محاضرة، فالتساؤلات والتعقيبات يديرها العريف بمساعدة منظم واحد، حيث يقف كل منهما مع ميكروفون في جهة من القاعة ليتنقلا بسرعة بين مدارجها وأرجائها للوصول للراغبين بالمشاركة. لا مقاطعة لأية مشاركة ولا حثّ على الاختصار أو الانهاء، فلا داعي: ي/تتقيّد المشارك/ة بالوقت من تلقاء ذاته/ا.
شاركت في مؤتمرات عديدة في دول الغرب، لكنّ ملاحظتي لهذه التفاصيل جاءت حادّة هذه المرّة. لعلّه كم الضجيج وتلويث البيئة (الأصوات المزعجة حدّ الأذى) الحاصل في بلداتنا والواصل مداه (حدّ الاشباع) مع نهاية موسم الصيف، واختلاف اسكندنافيا حتى عن باقي دول أوروبا.
أما وقد كتبت هذا، فإني أشعر الآن أنني ألتحق بالعرب ممن انكشفوا على أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وكتبوا عن أمور شبيهه لهذا الباب (الطهطاوي مثلا وقاسم أمين في باريس )! “دخيلكن/م”! هل سننتظر قرنًا وربع القرن آملين وآملات أن يحصل التغيير من ذاته في هذا الباب ؟!!!
د. تغريد يحيى- يونس

‫2 تعليقات

  1. ابنة بلدي
    أولا الحمد لله ع سلامتك في أرض الوطن
    ثانيا نأمل أن نتحلى بنفس المزايا قريبا وعاجلا
    ثالثا تمتعت بقراءة ملاحظاتك لغة طرافة ولباقة
    دمت لنا خير ممثل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة