حينما كانَ الموْتُ نهايةَ هروبِ امرأة

تاريخ النشر: 13/09/17 | 20:06

لم تكنْ تعلم تلك المرأة بأنّ نهايتها ستكون بعد مُدّةٍ من الزمن، عندما فرّت ذات مساءٍ من قصفٍ مجنون لقريتها أدى لتدمير بيتها، من جراء حربٍ مستعرّة في بلدها، فتوجهتْ صوب غابةٍ قبل أن تغربَ الشمس، وولجت إلى داخل الغابة، وكانت ترتجف، وبينما كانت تخطو بخطواتٍ حذرة رأتْ كوخاً من بعيد، فراحت تخطو صوبه، وحينما دنتْ منه أكثر رأتْ شابّاً كان يُقطّع الحطبَ بالقرب من الكوخ، وكأنّه كان يستعدّ لبردِ الشتاء القادم، فرآها الشابّ حينما وصلتْ، وكانت تلهثُ من التّعب، فقال لها: ما قصّتكِ؟ وعلى الرغم من أنها كانت خائفةً منه في البداية، إلا أنها قصّت عليه قصّتها، وشعرَ الشابُّ بالحزنِ لقصّتها، لأنه عاش الحزنَ مثلها من قبلها، فدعاها لتناول الشّاي، وقال لها: لا تخافي، أقسم بأن تكوني مثل شقيقتي، وسأحافظ عليكِ، فجلستْ المرأة معه في المطبخ، وبينما راح يعدّ الشاي، قالت في ذاتها: لا يوجد أية خيارات أمامي، إمّا أن أظلّ في الغابة، وأكون عرضةً لافتراسِ الحيوانات، أو أن أظلّ في هذا الكوخِ عند هذا الشّابّ الذي يبدو لي لطيفا، وها أنا اخترتُ أن آتي إلى هنا، وبعدما شربا الشاي سوية، قال لها: اذهبي إلى الطابق الثاني، ونامي، لأنه يبدو من وجهكِ بأنكِ متعبة، فهزّت المرأة رٍأسها المثقل بالأحزان، وصعدت إلى الطابق الثاني، وهناك دخلت إلى غرفة مضاءة بفانوس قديم، وأوصدتْ على حالها الباب من باب الحذر، واستلقتْ على فراش نظيف، ومن شدة التعب نامت حتى الصباح، وعندما استيقظتْ نزلت من غرفتها، ورأتْ الشابّ يعدّ الشاي والفطور، فحيّته بصوتٍ خافت ودعاها للجلوس كي تأكل، لأنها بالأمس لمْ تريد أن تأكل شيئا، فجلستْ على كرسي من خشبٍ قديم وراحا يتحدثان عن جنونِ الحرب، التي ما زالت مستعرة، وقال لها: أنا مثلكِ هربتُ من جُنونِ الحرب ذات يوم، وبنيتُ هنا هذا الكوخ قبل سنوات، وها أنا أعيشُ فيه كما ترين بمفردي، بعدما فقدتُ كل أقاربي.
وبعد أن شربتْ الشاي، قالت له: سأرحل الآن، فردّ عليها ذاك الشابّ: لا أستطيع أنْ أرغمكِ على البقاء هنا، فالقرار يعود لكِ، وودّعته وشكرته على كل شيء، وسارتْ في تلك الغابة، لكنه سمعَ بعدما توارتْ خلف الأشجارِ صوتَ رصاصٍ، فخطا بهدوءٍ كي يرى ما جرى، وبينما كان يخطو بخطواتٍ حذرةٍ وجدَ تلك المرأة مُضرجةً بدمائها، فقال في ذاته: ربّما أنّ قناصا قتلها، فحملها بسرعة وكانتْ قد نزفت الكثير من دمائها، وماتتْ بين يديه، فدفنها بالقربِ من الكوخ، وحزنَ عليها، وقال في ذاته: هروبُ هذه المرأة كان نهايته الموت، لقد فرّت من الموتِ هناك لتلاقيه هنا..
بقلم: عطا الله شاهين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة