المواقف ما بين المسئوليَّة والمزايدة

تاريخ النشر: 20/07/17 | 9:19

كثيرةٌ هي المواقف التي تجمعنا كشعب فلسطيني، متعدِّد الأطياف ، ومتداخل القضايا . ولكن إلى جانب تلك المواقف الجامعة، فانه لا ينقصنا الكمّ الكبير من الخصوصيات ، والمواقف الخلافيَّة . باستطاعة كلِّ واحدٍ منَّا أن يركِّز على خصوصيَّاته ، وعلى اختلافه مع الآخرين ، فيضخِّم هذه القضية أو تلك ، حتى ينتج عن ذلك إحتقان حزبيّ تارةً ، وعقائديّ أو طائفي تارةً أُخرى ، ممَّا قد يحوِّل شوارعنا الى ساحات حربٍ . وهنا تبدو المسئوليَّات الجماعيَّة القادرة على تجاوز حدود الفرد ومجموعته المباشرة ، لتنظر بمنظارٍ أوسع وأكثر مسئوليَّة ، وأبعد نظراً .

لقد رأَينا في وطننا العربي الممزَّق ، كيف صنعت العصبيَّات ، والعنتريَّات ، واستشعار الجميع بأنَّه على الحقّ وسواه على الباطل ….. فلقد نتجت عنها إقتتالات داخليَّة وحروبٌ أهليَّة ، دمرَّت الأوطان وأحرقت الحرث والنَّسل . ولقد لعب أعداء الأُمَّة على الدَّوام على وتر الخلافات الطائفيَّة والعقائديَّة ، وغذَّوها ، ووجدوا من القادة العرب والمسلمين سمَّاعين لهم ، فأوقدوا نيران الفتنة في كلِّ مكانٍ ، وما كادوا ليبقوا لنا نقطةً خضراء في شرقنا الملتهب .

في بعض أوطاننا لعب المفسدون على وتيرة الخلافات الطائفية ، وأحيانا الحزبيَّة فيما بين مسلمٍ وغير مسلم ، وما بين سُنّي وشيعي ، وما بين أنظمة موالية للغرب ، ومعارضات تطالب بالحُرّيَّة ، وما بين عِرقيَّات مختلفة ، وليس بعيداً عنَّا الإنقسام الفلسطيني واختلافات الفصائل .

أمَّا في داخلنا الفلسطيني ، فقد برزت بؤرة ضوءٍ إيجابية ، من خلال التفاهمات والتوافقات ألتي أوصلتنا إلى مؤسسات وطنيَّة تضمّ معظم ألوان الطَّيف السّياسي ، ثم تبعها تطوُّر ملحوظ في ثقافة الإختلاف ، ومسئوليَّة الكلمات والتَّصريحات ، واستشعار خصوصيَّات وضعنا السّياسي والأَمني ، في ظلّ الهيمنة الإسرائيلية . وفي هذا السياق ، لا يستطيع منصفٌ أن يتنكَّر للدَّور الذي تؤدّيه الحركة الإسلاميًّة ، في إرساء الخطاب المسئول ، الوحودي ، والجامع لمركِّبات شعبنا المختلفة ، ومن أبرز قياداتنا في هندسة هذا الخطاب الوحدوي المسئول كان نائب رئيس الحركة الإسلاميَّة ، د. منصور عبَّاس حفظه الله وأيَّده بتوفيقه .

عمليةُ القدس ، تبعاتها وامتحان المسئوليَّة

فاجأتنا عملية القتل والقتل المضادّ في محيط المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضي ، في ظرفٍ معقَّد ، وتداعيات لم يحسب لها أحدٌ حساباً . ويقدِّر الله أن يكون ضحايا العملية كلّهم من عرب الداخل . شرطيّان من الطَّائفة الدرزَّية ، وثلاثة شباب من مدينة أم الفحم . وكان على إثر ذلك أن أُغلق المسجد الأقصى ليومين متتاليين ( الجمعة والسَّبت ) ولم تُقم صلاة الجمعة ولم يُؤذَّن في مآذن المسجد الأقصى ليومين متتاليين . ثم تكون المفاجأة ، بالفتح التدريجي يوم الأحد مع بوابات الكترونية كاشفة للمعادن ، مما أثار إعتراضات واسعة من قيادات اسلامية ووطنية وجمهور عريض من المصلين في القدس والداخل . وباتت جموع المسلمين يصلّون في الشَّوارع والأزقَّة وعلى الأبواب المحيطة بالمسجد الأقصى ، رفضاً لإجراءات الإحتلال المرفوضة في تغيير الوضع القائم بشكلٍ خبيث مُنكر .

أَمَّا على مستوى الدَّاخل ، فقد دخلت قوات الشُّرطة الاسرائيلية إلى مدينة أُم الفحم بأعداد هائلة في محاولة منع إقامة خيام للعزاء ، وبإجراء إعتقالات ومداهمات . هذا فضلاً عن الضُّغوط التي تتعرَّض لها البلديَّة وسائر رؤساء البلديات .

وفي قرية المغار المختلطة ، ذات الأغلبيَّة الدرزيَّة والأقليَّة الإسلاميَّة والمسيحيَّة ، ساد توترٌ شديدٌ وإلقاء قنابل وإطلاق نار على مساجد القرية الثلاثة ، على إثر مقتل أحد أبناء القرية في عمليّة القدس ضمن صفوف الشُّرطة الإسرائيليَّة . ممَّا استوجب تحرُّكاً من بعض القيادات لوأد الفتنة التي أطلَّت برأسها ، وكان من الممكن ، لو تُرك لها المرتع الخصيب أن تحوِّل القرية إلى صفيح ملتهب لا يدري عواقبه إلَّا الله .

نحن نعتقد أنَّ من قاموا نيابةً عن مجتمعنا العربي بالتحرُّك في قرية المغار وتطويق الخلاف من رجال دين وسياسة ، ونجحوا في ذلك الى حدٍ بعيدٍ ، قد قاموا بواجب مُقدَّس ، لا يعلم قيمته إلا من يملك التصوُّر الأوسع لعواقب فتنةٍ طائفيةٍ في بلد مختلط . فبارك الله في جهود المخلصين السَّاعين لرأب الصدع ، والناطقين بالحكمة . وادعوهم للصبر والإحتساب والإعراض عن أقوال المشكِّكين والمزايدين، الذين حاولوا النَّيل منهم . ولا بدَّ أن تتسع صدورنا لإجتهادات من استشعروا المسئولية المباشرة فتحرَّكوا قبل فوات الأوان . وان تتسع صدورنا كذلك لمن رأوا ضرورة التركيز على الخلفية التي سقط خلالها الشرطيان من المغار وحرفيش ، إنَّها خلفية وظيفتهما الأَّمنية لا هويتهما الطَّائفية . وعلى جميع الأحوال فإنَّ مساعي تطويق الفتنة لا تغيِّر من موقفنا الرافض لتجنّد العرب الفلسطينيين لأَجهزة الأَمن الإسرائيلية.

والله غالبً على أَمره

بقلم الشيخ حمّاد أبو دعابس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة