تـبـيان, تـلقاء

تاريخ النشر: 15/07/17 | 10:04

قد تأتي مصادر الفعل لتدل على التكثير، منها ما يرد على وزن تَـفْـعال (بفتح التاء)، نحو:
رَدَّدَ تَردادًا، وَكرَّرَ تَكرارًا، وذَكّرَ تَـذكارًا، وسيّر تَسْيارًا، وجَوَّلَ تَجوالا، وطَوَّفَ تَطوافًا ….

شذ مصدران فوردا بكسر التاء هما: تِـلْـقاء، و تِبْـيان.
المصدران وردا في القرآن الكريم:
{ونزّلنا عليك الكتاب تِبْيانًا لكل شيء}- النحل، 89
{قل ما يكون لي أن أبدّلَه من تِلْقاءِ نفسي}- يونس، 15.

ذكر ابن منظور في (لسان العرب- مادة لقي):
“وقال كراع – تِلقاء مصدر نادر لا نظير له إلا التِـبْيان.
قال الجوهري- والتلقاء أيضًا مصدر مثل اللقاء”-
قال الشاعر:
وما صرمتُكِ حتى قلتِ معلنةً *** لا ناقةٌ ليَ في هذا ولا جملُ
أمّلتُ خيرَكِ هل تأتي مواعدُه *** فاليوم قصّر عن تِلْقائه الأمل

من الجدير ذكره أن (تِلْقاء) توسعت دلالتها، فأصبحت بمعنى جهة اللقاء والمقابلة، ونصب الاسم على الظرفية، قال تعالى:
{ولما توجّه تِلقاءَ مَدْيَنَ قال عسى ربي أن يهديَني سواء السبيل}- القصص، 22.
{وإذا صرفت أبصارهم تِلقاءَ أصحاب النار قالوا…}- {الأعراف، 47.

أما إذا قلنا “جلس تِلقاءَه” فإننا نعني أنه جلس حِذاءَه- قربَه.

يؤكد كسر التاء في أول الكلمة ما قاله الحريريّ في (دُرَّةِ الغَوَّاص في أوْهَامِ الخَواص):

“ذكر أهلُ العربية أن جميعَ المصادر التي جاءت على (تفعال) هي بفتح التاء– أي تَفْعال – إلا مَصْدَرَيْن : تِبْيان وتِلْقَاء”. (يضيف: وقال بعضهم وتِنْضال) – ص 193.

هذا خاصّ بالمصدر؛ أما الأسماء عمومًا فقد ذُكرَت في (شرح الشافية، ج1، ص 167) لابن الحاجب:
“ولم يجئ (تِفْعال)- بكسر التاء إلا ستة عشر اسمًا : اثنان بمعنى المصدر، وهما: التِبْـيان والتِلْقاء”. ثم ذكر المؤلف أسماء ليست بمصادر، منها تِمْساح، تِمثال، تِنبال، تِلْعاب …. إلخ ”
ثمة كلمات أخرى نادرة جدًا في استعمالها، مثل تِنضال، ولا أرى ضرورة لإثباتها هنا، فمن يبحث عنها فهي في (درة الغواص) أو في (شرح الشافية).

يقول ابن الحاجب:
“أقول: يعنى أنك إذا قصدت المبالغة في مصدر الثلاثي بنيته على التَّفعال، وهذا قول سيبويه، كالتهذار في الهذر الكثير، والتلعاب والترداد، وهو مع كثرته ليس بقياس مطَّرد”.
ويضيف:
“وقال الكوفيون: إن التَّفعال أصله التفعيل الذي يفيد التكثير، قلبت ياؤه ألفا فأصل التكرار التكرير، ويرجح قول سيبويه بأنهم قالوا التلعاب، ولم يجئ التلعيب، ولهم أن يقولوا: إن ذلك مما رفض أصله، قال سيبويه: وأما التبيان فليس ببناء مبالغة، وإلا انفتح تاؤه، بل هو اسم أقيم مقام
مصدر بيّن”.

ملاحظات:
*هناك من النحويين من يرى أن (تِلقاء) هي اسم مصدر، وهناك من يرى أنها مصدر (لقي).
* ورد كسر التاء في جميع الآيات التي وردت فيها الكلمتان، ومع ذلك فثمة قراءات نادرة وردت بفتح التاء فيهما.

* من الكلمات المولدة كلمة (تِلقائيًا)، نحو فعلت ذلك تِلقائيًا- أي من ذات نفسي، وقد أخذت تكتسب معنى- مباشرة.
ب. فاروق مواسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة