السكر….المرض الذي إكتشفه النمل
تاريخ النشر: 11/04/17 | 0:07علي الرغم مما يوصف به مرض السكر من أنه المرض الأكثر شيوعا في عصرنا الحديث وهو الأمر الصائب الا انه لا يمكن أغفال حقيقة أنه مرض ضرب بجذوره في أعماق التاريخ فقد دل اقتفاء أثره عبر الحقب الزمنية المختلفة علي أنه دائماً ما يأتي مصاحباً للحضارات الإنسانية فمنذ أكثر من ألفي عام لاحظ القدماء أن بعض الناس لهم بول غزير حلو الطعم بشكل غريب لدرجة تجذب النمل اليه حيث كان تذوق البول احدي وسائل تشخيص الامراض في العديد من الثقافات مما دعا لتسمية هذا المرض بمرض السكر ويرجع الفضل في وضع تسمية (Diabetes mellitus) وهو الأسم العلمي لهذا المرض المزمن للعالم اليوناني (آراتايوس) وكان ذلك في القرن الأوّل الميلادي حيث استخدم كلمة (ديابيتيس) وتعني (النافورة) في إشارةً إلى كثرة كمية البول عند المرضى. وأما الشق الثاني (مليتوس) ويعني (العسل) فأطلقه (توماس ويليس) في عام 1674م.و لم يكن مرض السكر أيضا غائبا عن الحضارة الأسلامية حيث يعد الطبيب العربي (عبد اللطيف البغدادي) أول من تنبه إلى مرض السكر وشخص أعراضه السريرية، كما وضع خطة لعلاجه بأتباع الحمية والتغذية المقننه والراحة والهدوء النفسي.ويعتبر هارون الرشيد ومعاوية بن أبي سفيان من أشهر خلفاء المسلمين الذين عانوا من مرض السكر.
وكمدخل نحو فهم هذا المرض فالطعام الذي نتناوله يتحول إلى السكر المعروف بالجلوكوز وهو وقود الجسم الرئيسي و لا يمكنه دخول الخلايا وأداء وظيفته بدون انسولين. وبالتالي لابد من توافر شرطين لدخول السكر إلى الدم. أولاً، لابد من توفُّر عدد كاف من “الأبواب” لاستقبال السكر على سطح الخلايا والتي تسمي بالمستقبلات. وثانياً، توفر الإنسولين الذي يعمل كمفتاح لفتح تلك المستقبِلات فيدخل الجلوكوز إلى الخلية فتستخدمه لإنتاج الطاقة.
يحدث مرض السكر نتيجة توقف البنكرياس عن انتاج هرمون الانسولين أوعندما يعجز الجسم عن الاستخدام الفعال للإنسولين الذي ينتجه فلا يتحول الجلوكوز إلى طاقة مما يؤدي إلى توفر كميات زائدة منه في الدم وفي النهاية يخرج مع البول مسببا الطعم السكري فيما تبقى الخلايا متعطشة للطاقة مما يؤدي لاضطراب في التمثيل الغذائي للكربوهيدرات والبروتينات والدهون و يؤدي أيضا الي العطش وزيادة التبول و ضيق الأوعية الدموية الصغيرة في الجسم مما يؤدي الي أمراض الكلي وصعوبة التئام الجروح ومشاكل في العين والقدم.
وحتي نبلور ما نرنو اليه فلابد وأن نرصع العلم بالشعر وأن نتلو هذا البيت لاحد ابرز شعراء المعلقات في الجاهلية وهو لبيد بن الاعوص (كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول ) وهو حال الخلايا تماما حينما يبقي الجلوكوز متراكما في الدم ولا يدخل الخلايا لغياب الأنسولين الهرمون الجالس خارج جدار الخلايا ، والداعي للسكر إلى حفل عشاء إجباري داخل الخلية للاستفادة منه بعد حرقه في تصنيع وحدات الطاقة، وفي ضبط نسبته في الدم….ولمعاوية بن أبي سفيان أشهر المصابين بالسكر في الدولة الأسلامية بيتين يخلد بهما أعراض مرضه وقد شارف علي النهاية ورأي نحول جسده:
أرى الليالي أسرعن فى نقضي أخذن بعضي وتركن بعضي
ضين طولي وضين عرضي أقعدنني من بعد طول نهضي
هناك نوعان من مرض السكر النوع الأول (المعتمد علي الانسولين) والنوع الثاني (غير المعتمد علي الانسولين) وهو الأكثر شيوعا ويرتبط غالبا بالسمنة .لذا فان اتباع نظام غذائي صحي والتحكم في الوزن يشكلا قاعدة أساسية للعلاج الناجح لمرضي السكر والسبيل الي ذلك هو تناول طعام منخفض الدهون وممارسة نشاط رياضي بانتظام كما أن الاغذية التكميلية المحتوية علي فيتامينات (ب ,ج, هـ, ب6,ب 12) والكروميوم بيكولينات والمغنسيوم والزنك بالأضافة الي الاحماض الدهنية (أوميجا -3 وأوميجا -6) تلعب دورا بارزا في منع مضاعفات المرض .وتشير الدراسات الي أن البصل من المكملات الهامة لاحتوائه علي مادة الكيرستين التي تساعد في علاج مشاكل العين احدي مضاعفات مرض السكر.كما أن الأستهلاك المنتظم للشاي الاسود قد يقلل من خطر الأصابة بمرض السكر من النوع الثاني.
علاج النوع الاول (المعتمد علي الانسولين )هو الانسولين مع اتباع نظام غذائي مع ممارسة التمارين الرياضية فيما يبدأ علاج النوع الثاني (الغير معتمد علي الانسولين) في حالاته البسيطة بالاكتفاء بالتنظيم الغذائي المناسب مع تمارين رياضية وعمل رجيم تخسيس بحيث يتم ضبط السكر دون الحاجة لأي معالجة دوائية. وفي حالة الاخفاق في احراز نتيجة يلجأ الطبيب المعالج للبدء بالعلاج الدوائي باضافة دواء مخفض للسكر عن طريق الفم فأذا كان المريض بدين فيعطي الميتفورمين فيما لو كان المريض غير بدين فيعطي مجموعة السلفونيل يوريا (مثل جليبنكلاميد وجلاكلازيد) في حالة فشل ما سبق ولم يتم ضبط نسبة السكر يتم الجمع بين الميتفورمين والسلفونيل يوريا.فأذا لم تكلل الاقراص المخفضة للسكر بالنجاح نعطي حقن الانسولين .
في حالة العدوي البكتيرية والعمليات الجراحية والحمل والفشل الكلوي يتم ايقاف الاقراص المخفضة للسكر واستبدالها بالأنسولين.
وفيما يخص مضاعفات مرض السكر فهناك مشكلات تصيب العين مثل المياء الزرقاء أو ارتفاع ضغط العين (جلوكوما) الا أن الدراسات تحمل لنا البشري بدور وقائي أضافي قد يلعبه الميتفورمين في الحيلولة دون الإصابة بالجلوكوما.في نفس الوقت الذي تسجل الدراسات دورا بارزا للميتفورمين في الوقاية من الأصابة بمرض السكر من النوع الثاني كما يساهم في ابطاء الشيخوخة حيث يرفع نسبة الأكسجين فى أنسجة الخلايا ممايزيد من متانتها وإطالة عمرها وذلك بحسب دراسة أجريت علي الحيوانات ولازالت نية العلماء معقودة علي اختبارهاعلى البشر.
تتأثر الأعصاب الطرفية فى اليدين و القدمين فى حالات السكر نتيجة لإرتفاع نسبة السكر فى الدم بالتالى تكون بحاجة لحمايتها الدائمة عن طريق فيتامين ب المركب (ب١، ب٢، ب٣، ب٦، ب١٢) غير ما نود لفت الانتباه اليه أن تناول جرعات عالية من فيتامين ب٦ تزيد عن ٢٠٠ مجم يوميا قد يؤدى إلى زيادة إلتهاب الأعصاب الذى يعانى منه المريض فيفقد الإحساس تماما بقدميه وربما يديه أيضا.أما الجرعة الطبية المسموح بها من فيتامين ب٦ فهى ١٠-٢٠ مجم يومياً. وفيما يتعلق بالجرعات الكبيره من فيتامين ب٣ (يعرف أيضا بحمض النيكوتينيك أو نياسين أو نيكوتيناميد) فقد تؤدى إلى إحمرار الجلد وإرتفاع أنزيمات الكبد وربما إرتفاع السكر بالدم أو زيادة حمض البوليك فى الدم)النقرس( وقد تساعد على إلتهاب المعدة.
د.محمد فتحي عبد العال
صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية
مسئول الجودة بالهيئة العامة للتأمين الصحي فرع الشرقية