كتاب جديد للدكتور دهامشة يبحث معاني أسماء الفلسطينية
تاريخ النشر: 21/03/17 | 13:45صدر حديثًا باللّغة العبريّة كتاب للدّكتور عامر دهامشة بعنوان “מקום לדור בו ושֵם לו: קריאה ספרותית ותרבותית בשמות הערביים של הארץ”. يبحث الكتاب معاني أسماء الأماكن العربيّة، والعوامل الّتي أدّت إلى تكوينها كما تتَجلّى في الذّاكرة الجماعية والرّواية المكانية المرويّة على لسانِ عرب ال 48/المجتمع العربيّ في إسرائيل .
د. عامر دهامشة
الدّكتور عامر دهامشة حاصل على شهادة الدّكتوراه في الأدب العبريّ من الجامعة العبرية في القدس. حاصل على منحة بوست دكتور من جامعة تل أبيب. محاضر في الكلّيّة الأكاديميّة العربيّة للتّربية في حيفا وباحث في معهد ترومان في الجامعة العبريّة. يناقشُ عامر دهامشة في أبحاثِهِ العلاقة بين اسم المكان وهويّة المكان في الرّواية المكانية، في اسماء ألأماكن، في الأدب، في الثّقافة العربيّة الفلسطينيّة وتقاطع وتشابك اللّغتين: العبريّة والعربيّة في المشهدِ اللّغويّ لأسماءِ الشّوارعِ والطّرقات.
عن الكتاب
يبحث الكتابُ في أسماء البلدات والقرى العربيّة في البلاد من ناحية، وأسماء المعالم الطّبيعية كالجبال، التّلال، الوديان والطّرقات من ناحية أخرى سابرا غور المعنى الثّقافيّ، التّربويّ والأيديولوجيّ الذي يقف وراء هذه التسميات. بالإضافة لذلك، يكشفُ الكاتبُ عن أعرافِ التّسميات العربية والأساليب اللّغوية الّتي تميّزها.
الأسماء العربيّة الفلسطينيّة عريقة ومتأصّلة وتطوي في ثناياها محطّات من تاريخ الشّعوب الّتي عبَرَتْ هذه البلاد. بيد أن معظم هذه الأسماء وُلِدت من الذّاكرة المكانيّة والتّجربة الجماعيّة والشّخصيّة الّتي عاشها عرب هذه البلاد مع أرضهم ونتاج تفاعُلِهم مع بيئتهم. التّسميات العربيّة للأماكن الجغرافيّة جزء من ثقافة شعبيّة شفويّة تراكمت على مدى مئات ألسنين وتناقلت على الألسن.
العلاقة الحميمة والمباشرة والمستديمة الّتي ربطتِ العرب الفلسطينيّين مع الأرضِ، أثمرتْ مخزونًا ثقافيًّا وأدبيًّا يحوي عشرات الآلاف من الأسماءِ الّتي نُسِجَتْ حولَها رواياتٌ وتفسيرات تَحكِي قصّة تكوينها ومعانيها. منذ بداية الاستيطان اليهوديّ في سنوات العشرينيّات من القرن الماضي حُذفت الأسماء العربيّة بشكل تدريجيّ من الخرائط وٱستُبدِلَتْ بأسماء توراتيّة وتلموديّة. زِدْ على ذلك، معظم الأسماء العربية ٱستُبْدِلَتْ بأسماء عبريّة ولم تُكتب على لافتات الطّرقات ولافتات الإرشاد، ولم تجد طريقها إلى الكُتُبِ والسّجلّات.
تكتسي أهمّيّة الكتاب من كونه يُقَدِّم رؤية نقديّة جديدة ويحاول سدَّ النّقصِ في الدّراساتِ الّتي تتناول أسماء الأماكنِ. الكتاب يملأ أسماء الأماكنِ بمضامينٍ مغايرةٍ، ويُعيدُ خارطةَ الأسماءِ العربيّةِ إلى الوعيِ الإسرائيليّ والفلسطينيّ. قام المؤلّف بإجراء مقابلاتٍ مع عرب الجليلَيْن: الأعلى والأسفل، ووثّق المئات من القصص والذّكريات المرتبطة بالأماكن.
تجسد الأسماء العربية حياة القريّة العربيّة، مشاهدها وأعرافها، وتَنقُلُ لنا صورةً حيّة عن المشهد اللّغويِّ ألذي ميز الهضاب وعيون الماء والطّرقات. تتميّز الأسماء الّتي منحها الفلّاحون والمدنيون للمواقع بإصغائها وحساسيّتها إلى الخصائص الدّاخليّة لهذه الأماكن، فهذه “عين ام الفلوس” دُعيَت كذلك لشدة نقاءها وفيما لو أُلقيت الى قعرها عشرة قروش فلسطينية كانت تُرى بالعين المجردة.
وكما للرجال فقد كان للنّساءِ والفتيات أيضا دورا فعال في ولادة التسميات العربيّة، لكن ألأمر لا يقف على ذلك فالتّمثيل النّسائيّ والذكوري يعكسان مفاهيم جندريّة وطبقية للبيئةِ والمكانِ. فقد دُعيت البلدان العربيّة بأسماء شخصيّات ذكورية وتاريخيّة ودينيّة وبأسماء قادة ومقاتلين. على النّقيض من ذلك، سُمّيت الحقول، الأودية والمغاور بأسماء النّساء ونُسبت لرجال من عامّة الشّعب.
تتّسم المسمّيات العربيّة بالتقاء الحضارات والأديان فهذه كوكب أبو الهيجا دعيت بهذا الاسم نسبة إلى حسام أبو الهيجا، أحد قادة صلاح الدين، وأمّا دير حنّا، فقد نالت اسمها بعد أن جاء اليها يوحنّا أثناء الحروب الصّليبيّة وبنى فيها ديرًا للرّهبان. الأسماءُ العربيّة عبارة عن عصارة النّشاطات الجماعيّة وتروي علاقة القرويين مع المكان، فأهل صفّورية والرّينة، مثلًا، دعوا أحد الحقول الّتي تفصل بين البلدين بٱسم “هودج العروس”؛ لأنّ الموقع كان بمثابة استراحة للعروس الّتي كانت تزفّها صديقاتها وأقاربها إلى هذا الموقع وهي ممتطية الجمل.
الشّاعريّة والخيال موتيفات بارزة في الأسماءِ الّتي نسجها المحليّون حول ظروف وأسباب نشأة أسمائهم فهذه قصّة ترشيحا تروي أنّ “شاعرًا عطش مرّ بالقرب من القرية، فطرق باب أحد البيوت، وأذ بصبية جميلة تخرج وتخاطبه: تفضّلْ! فأجابها : أريد شربة ماء.
دخلت الصّبيّة إلى البيت وأحضرت له جرّة ماء وقدّمتها له. نظرَ الرّجلُ إلى الجرّة فرأى فيه قذًى (قشًّا) فأخذ يشرب الماء رويدًا رويدًا لكي لا يشرب معه القذى، ولما أرتوى أعاد الجرّة إلى الصّبيّة وأنشدها قائلًا: نِعْمَ الشّراب لولا ما فيه من القذى.
أجابت الفتاة: أنا وضعتُ القذى فيه عَمدًا، لأنّني رأيتُكَ عطشانَ ومتعبًا وخفت أن تشربَه دُفعةً واحدة فيضرّك.
عجب الشّاعر من ذكائها وجمالها وقال لها: ورَشَحتْنِي الفتاةُ بِمائِها تَرشِيحا”.
كيف تكوّنت الأسماء الفلسطينيّة؟ لماذا أُقصيت هذه الأسماء من الأدبيّات الأكاديميّة، ولماذا كانت هناك محاولات للقضاءِ عليها؟ لماذا يستَعمِلُ السّكّان العرب في إسرائيل أسماء عبريّة؟ اِعتمد مؤلّف الكتاب على نظريّات أدبيّة، فلكلوريّة-أنثربولوجيّة ونظريّات ما بعد الحداثة لكي يتقصّى الأبعاد والحقائق الّتي تقف وراء الأسماء والاغتراب الّذي طرأ عليها.
هل البحث المتعلّق بالأسماء العربية يعتبر ذا صلة بالواقع الفلسطينيّ والإسرائيليّ في أيّامنا؟ يُثبِتُ المؤلّف في كتابه أنّ عرب هذه البلاد يعتبرون أنفسهم مانحي أسماء متسامحين، مجتمعًا يرغبُ في الحوارِ مع الثّقافات الأخرى، كاليهوديّة والغربيّة، وليس بمجتمعٍ يلغي الآخر. في أيّامنا هذه إشكالية أسماء الأماكن والطّرقات بعيدة من أنْ تَجدَ لها حلًّا، والأصوات الّتي تنادي بتعميق وإثبات الرّواية المناصرة والمجارية للقوى الحاكمة على حسابِ أسماء المجتمع الأصلانيّ، آخذة بالتّعالي. خارطة الأسماءِ العربيّةِ، الّتي زُجّت تحت الخارطة العبريّة الرّسميّة، تعودُ لتحيا في هذا الكتاب، الذي يُعتَبَرُ لبنة في ترسيخ وتطوير مفاهيم حديثة ومغايرة، ومن خلاله يضعُ الذّاكرة الجماعيّة الفلسطينيّة والرّواية الإسرائيلية جنبًا إلى جنب دون ٱستبدال إحداهما بالأخرى.