صدور مجموعة”سقوف الرّغبة واللغة الشّعرية”
تاريخ النشر: 13/03/17 | 0:07صدرت مجموعة “سقوف الرّغبة القصصيّة” للأديب محمود شقير عام 2017، عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة، وتقع في 172 صفحة من الحجم المتوسّط.
يحق لكل فرد أن يحلم كما يريد، وكيف يريد ومتى يريد، وكثيرا ما يرى الواحد سحابة في السماء، يتخيل فيها أسدا يهاجم فيلا، وفي الصحراء يتصور السراب واحة غناء، والأحلام في السابق أوجدت الآلهة القديمة للشعوب المختلفة. وفي الآداب العالمية كُتبت مسرحيات وروايات، مثل حلم ليلة في منتصف الصيف لشكسبير، كما نقل مارلو الأديب الانجليزي، عن جوته مسرحية دكتور فاوست، الذي باع نفسه للشيطان، مقابل أن يعيش بعض الوقت مع ربات الجمال، مثل فينوس وديانا وبعض العظماء، وبعدها يأتي الطوفان وصنوف العذاب.
أما صديقنا الأديب محمود شقير، فقد دخلت حوريته حلمه بلا استئذان، مع أنها لم تكن دخيلة عليه، فقد عرفها تبيع ورق الدوالي بالقرب من باب العمود، كما هي عادة بعض النساء، مع أنها معلمة في مدرسة، والشغل الإضافي ليس عيبا ولا طمعا، لأن دخل المعلمين في الضفة لا يكفي. راقت له وراق لها، وعندما أخذ الليل يوزع عتمته على الأمكنة، تسللت فوجدها مستلقية إلى جواره، فعرف أن اسمها ليلى. ربما لم يكن الاسم بالصدفة، بل كان تيمنا بليلى العامرية أو ليلى الأخيلية. وهنا رافقها في أحلامهما في حوالي مائة وثلاثين مشهدا أو يزيد، مُشَكلةً قصة متكاملة أو حدوتة، في السوق وفي الجو والبحر، والبر مع الغنم والأرانب، في القدس في الفنادق وحتى المستشفيات، في مختلف فصول السنة. تدفئه وهو يرتعد من برد شديد، ويعاملها بالمثل إذا جاءت والمطر يبلل شعرها، فهي سكن له وهو سكن لها.
هي مثال لجمال المرأة في نظره، حيث يخصص مشاهد للتغني بجمالها، فلا حياء في الدين والعلم والأدب، الخدّان لهما حمرة التفاح، والنهدان مربربان، وهي تنشر كفها على صدرها كيلا يندلقان من فتحة الفستان، والردفان رجراجان، والساقان يحدثان هزّة، إذا انكشف بياضهما حين ترفع ذيل الفستان، وهنا يأتي فضل الجلباب عندنا مع أن الأصل في العودة إلى الطبيعة، إذ لم يكن يستر الجسم سوى ورقة تين، فالملابس وجدت لوقاية الجسم من الحر والبرد. ليلى رقيقة في نشر الغسيل، تحنو على الحبل الذي يشعر بالدفء، حتى أن حبل الجيران يغار ويتأوه، و الحصان يفك قيده ليدخل في حلمها، صريحة في التعبير عن رغباتها، تخلع ثوبها مثل مهرة تشتهي الطراد، لا تنتظر حتى يأتي وينزع ثوبها كما هي العادة.
ليلى تساعد الكاتب لطرق نواح عدّة من حياتنا، بالنقد والتلميح والتصريح، ففي علاقته معها يذكر أن الحياة تكتمل بالجنسين، الرجل والمرأة، الولد والبنت فلا يستغني أحد عن الآخر، وأن المرأة تحلم بالأطفال حولها، فعاطفة الأمومة موجودة في كل النساء حتى المرأة العاقر، والبنت تنتظر فتاها على ظهر حصان، وإذا تأخر يستعجله البعض عن طريق الفتاحين الدجالين، الذين يعيثون في جسد العذراء فسادا بحجة إخراج الجني، وأن زواج المحبين يتعثر لأنها تنتظر كلمة منه، وهو ينتظر كلمة من أهلها، كما أن الأهل يقيسون الخاطب حسب مقاييسهم، ولا يفهمون البنت حين ترفضه. تزيد نسبة العنوسة عندنا بين المتعلمات، حيث تُطَمئنُ المرأة النفس أن الوقت لم يفت بعد، وهي تتلهى بالاحتفاظ بمريول المدرسة، متوهمة أنها لا تزال صغيرة. عادةً، المرأة المتعلمة لا يعجبها العجب، وتطمح للأفضل الذي من الصعب أن يأتي في مجتمع لا يشجع الاختلاط بين الجنسين، وعلينا أن نقبل أعذار المرأة، فإذا تزحلقت، فالحق على البلاط وليس على الكعب العالي. أما حفلات العرس المنفصلة فهي كئيبة، حيث المرأة تتصل بزوجها بالتيليفون بدلا من أن يكون بجانبها بشكل طبيعي.
كل شيء يسير بشكل هادئ ومريح في رواحهم وغدوهم؛ هي تفهم أنه يحب القدس التي تنتظر الحماة، لذلك قصّت شعرها وزرعته في ثنايا سور المدينة، فأبهجه كلامها لأن أصل المرافقة الموافقة. غير أن ما يعكر صفوهم وهم يحتفلون، ظهور المستوطنين والجنود وهم يطلقون النار، مع أنهم يعرفون أننا سنظل نغني ولا نموت، كما أن وجود الجنود الغرباء لا يشجع النساء على الإنجاب، وأبناء الأسري لا تزال أيديهم ممدودة في الفراغ لعل آباءهم يأتون لإيصالهم إلى المدرسة، والاستشهاد أصبح عادة، إن لم يكن الابن فابن الجيران.
وأخيرا جاء دور الأمنيات بالعيد، الذي نراه ولا نراه، وبوطن حر خالص من رجس الغرباء من أقصاه إلى أقصاه، لا ينازعنا عليه أحد، وهواءٍ نظيف خال من الدخان والغاز. كل هذا كان أمام الببغاء، التي كانت تردد بطريقة ببغائية، يفهم منها أن هذا في الأحلام، وحتى الماء الصالح للشرب غير الملوث موجود فقط في السماء.
اللغة جميلة شعرية وسلسة، الإيجاز يُغني فيها عن الإطالة، استُعمل فيها ما تسمونه بالتناص بصورة خفية، لم ألحظه إلا بإشارة الكاتب لمؤلفي هذه الكتب الثلاثة.