نمط الحياة السكوني وصحتنا
تاريخ النشر: 02/03/17 | 4:20منظمة الصحة العالمية تُدرج، السكون البدني أي نقص النشاط الجسماني والبدانة بين المشاكل الصحية العالمية وتحذر منهما وهذه المشكلة تحتل المرتبة الرابعة من عدد الوفيات. وتشير التقديرات إلى أنَّ الخمول البدني يُمثّل السبب الرئيسي الذي يقف وراء حدوث نحو 23% من حالات سرطاني القولون (الامعاء الغليظة) وسرطان الثدي، و27% من حالات السكري، وقرابة 30% من حالات مرض القلب الإقفاري، هذا المرض ناتج من نقص في تزويد الاكسجين إلى عضلة القلب.
يمر مجتمعنا الفلسطيني في تغيرات جذرية، في غالبية مجالات الحياة، التي تؤثر علينا باشكال مختلفة، تفوق سرعة هذه التغيرات وتنوعها،عدة أضعاف مجموع التغيرات التي حدثت منذ ألفين سنة حتى قبل عدة عقود. في تلك الحقبة من الزمن، لم تنتشر ظاهرة البدانة وأمراض القلب والسكري في مجتمعنا، اما اليوم فهي منتشرة بشكل مقلق، هل يعود ذلك لنمط الحياه المعاصر؟ أَم لأننا نسينا الأقوال التي كانت تردد عند الجلوس للطعام مثل “نحن قوم لانأكل حتى نجوع واذا أكلنا لانشبع” يفسرون ذلك بأن ثلث المعدة للطعام وثلثها للشراب وثلثها يترك فارغاً. والقول “قم عن الطعام وبك خصاصة” أي “لقمة الشبعان 40 لقمة” أم لأننا أصبحنا نأكل بسرعة ولا نمضغ الطعام كما يجب، أم نتيجة وفرة الغذاء وقلة الحركة، أو نتيجة لكل تلك الأسباب؟ قال أحد المعمرين في عيد ميلاده المئة “حفظت معدتي أول خمسين سنة وهي حفظتني خمسين سنة بعد ذلك”.
اعتدنا أن نعمل في الزراعة، من أجل توفير الغذاء، في زراعة القمح والبقوليات والأشجار المثمرة وغيرها، جميع الأعمال في فروع الزراعة السابقة احتاجت للعمل اليدوي المضني، الحراث بواسطة المحراث أو بواسطة عزق الأرض بالمعول، والحصاد بهمة السواعد والمنجل، وقطف الزيتوت بالأيدي والمفراط وغيرها من الأعمال الشاقة التي جعلت الإنسان في حركة دائمة. غالبية سكان قرانا ومدننا الفلسطينية، بقيت على هذا الحال حتى داهمتنا، طرق الزراعة الحديثة وتم إستبدال غالبية الأعمال اليدوية بأعمل تنفذها آلات ميكانيكية أو كهربائية، نسبة المزارعين قبل 50-60 سنة في القرى العربية الفلسطينية تجاوزت 90% من الأيدي العاملة، أما اليوم فهي أقل من 10%، التغيرات في الزراعة وفي نمط الحياة عبارة عن إمتداد للتغيرات التي حدثت في العالم ، وبشكل خاص تأثرت بما يحدث في الولايات المتحدة، يعمل اليوم في الزراعة فيها فقط 2% من الأيدي العاملة وهي تنتج غذاء يكفي للولايات المتحدة وللتصدير. أما في اسرائيل سنة 1960 كانت نسبة المزارعين 20% من الأيدي العاملة في الوسط اليهودي، وكانت 60% من صادرات اسرائيل من الزراعة، أما بعد سنة 2000 لقد أصبحت نسبتهم أقل من 5% من الأيدي العاملة، ثلثهم من العمال الأجانب.
القفزة في التطور في وسطنا الفلسطيني وبشكل خاص منذ سنة 1950 تفوق كل التغيرات التي مررنا بها منذ ميلاد يسوع المسيح حتى تلك السنة، التغيرات ليست في الزراعة فقط بل في جميع مجالات الحياة، من الجلوس بالقرب المذياع، المرناق، الحاسوب والهواتف الذكية، لقد اصبح لدينا وقت فراغ، وأصبح نمط حياتنا يعتمد على قلة الحركة أي النمط السكوني الذي يؤدي لزيادة السمنة، تشير منظمة الصحة العالمية، بأنه توجد علاقة بين الوقت المستهلك في مشاهدة التلفاز واحتمال الإصابة بالسمنة عند الأطفال والبالغين. أضف لذلك اصبحنا نأكل كميات أكثر من الغذاء أكثر من حاجة جسمنا، مثال رجل كتلته 70 كيلوغرام يحتاج في الساعة 70 سعرة حرارية ويحتاج يومياً 1680 سعرة، أما المرأة فتحتاج إلى 1428 سعرة حرارية. غالبية سكان العالم يستهلكون غذاء أكثر من حاجتهم، في الولايات المتحدة، وصل معدل استهلاكٍ الفرد بمقدارٍ 3754 سعرة في اليوم الواحد. وفي أوروبا المعدل 3394 سعرة في اليوم الواحد للفرد، أما في المناطق النامية من آسيا 2648 سعرة في اليوم الواحد للفرد، أما في إفريقيا السوداء 2176 سعرة في اليوم الواحد للفرد.الفائض من الغذاء يخزن في الجسم ويؤدي للبدانة (السمنة).
للسمنة تأثير كبير على صحة الجسم وسلامته، فهي تزيد من إحتمال الإصابة بالأمراض، مثل مرض السكري، ضغط الدم المرتفع، زيادة الكولسترول في الدم وغيرها، كما ولها تأثير على الناحية النفسية والاجتماعية.
في الماضي القريب بَذلنا جهد (طاقة) في عمل مفيد كما ذكرت سابقاً، أضف لذلك جلسنا سوية على المسطبة، حول المائدة المستديرة والمتواضعة وهي عبارة عن طبق القش، أكلنا جميعنا بالأيدي، غمسنا من نفس الصينية أو الصحن. أعتقد بأن للجلوس بهذه الطريقة هو واحد من الأسباب لعدم السمنة في مجتمعنا الفلسطيني في ذلك الزمن، وتقريباً لانعدام مرضى القلب ومرضى السكري في الماضي القريب. ما هي علاقة الجلوس التي ذكرتها على صحة الإنسان؟ في هذه الطريقة يتوجب على الجالس على الأرض للحصول على الغذاء أن ينحني للأمام قليلاً وبذلك تشتد عضلات البطن وتضغط على المعدة، فيصل مستوى ما تحتوية المعدة من غذاء للقسم العلوي للمعدة حيث توجد الأعصاب التي تنقل المُنَبه للدماغ فيتولد لدينا الشعور بالشبع. التغير في نمط الجلوس حدث تدريجياً ، ثم أصبح الجلوس حول مائدة مرتفعة أكثر والجلوس على كراسي منخفضة وبدون ظهر، ثم الانتقال للجلوس حول مائدة وهي عبارة عن طاولة مرتفعة على كراسي مرتفعة يمكننا أن نسند ظهرنا، اصبحنا نأكل أكثر، معدتنا اتسعت، فزاد مقدار كمية الطعام وهكذا أصبح هناك اشخاص بحاجة لتصغير معدتهم.
لا يمكننا العودة للماضي ولكن يمكننا أن نتناول مقدار حاجتنا من الغذاء، ويمكننا الخروج من نمط الحياة السكوني لنمط الحياة النشطة، اي للنشاط الجسماني في شتى انواع الرياضة، فهي تحسن من صحة الإنسان وتقلل من الأمراض المنتشرة مثل السمنة، امراض القلب والسكري وتساعد على بناء شخصية جذابة.
بقلم: سهيل مخول – البقيعة