الكَّي “شو طال ذيلو لعينو”

تاريخ النشر: 13/02/17 | 4:47

في معجم اللغة العربية الذَّيلُ أو الذنَب هو آخر كلِّ شيء. يُضرب المثل ” شو طال ذيلو لعينو” عندما لا توجد علاقة بين شيئين أو بين موضوعين مختلفين، فالعين موجودة في الرأس، أما الذيل في مؤخرة الحيوان.
أنهيت تعليمي الثانوي في مدرسة زراعية يهودية بالقرب من حيفا سنة 1964، تعلمنا أسس الزراعة الحديثة في فرع الأشجار المثمرة، الخضراوات، الأبقار، الأغنام وتنمية النباتات في الدفيئات وغيرها، ثم أنهيت سنة 1966 تخصصاً إضافياً في معهد روبين لإعداد المعلمين للعلوم الزراعة والجغرافيا. مارست مهنة التربية والتعليم منذ شهر أيلول في ذات السنة، أضف لذلك ساعدت والدي المرحوم موسى مخول في الأعمال الزراعية في مزرعتنا المتواضعة، التي اعتمدت بالأساس على الزراعة التقليدية للتبغ والزيتون وبعض الفروع الزراعية الاضافية. حاولت تطبيق أُسس الزراعة الحديثة، اشترينا تركتور في ذات السنة، زرعنا الخضراوت المروية، حسَّنا طُرق العناية بالثروة الحيوانية، حيث شملت المزرعة عدد قليل من الأبقار والماعز.
أصبحت عين إحدى عنزاتنا تدمع وإكتست بغشاوة بيضاء اللون، استدعينا الطبيب البيطري الذي كان يزور المزرعة باستمرار، فوصف لها مضاد حيوي وقطرة للعيون، لم تتحسن عين العنزة بالرغم من مرور اسبوع لتناولها الدواء، ثم اصيبت العين الثانية، وإختفت قُزحية العين وأصبحت كل العين بيضاء، ثم فقدت البصر، راجعنا الطبيب، وبعد معاينتها مجدداً، قال لا يوجد علاج إضافي لمثل هذه الحالة، يجب الاستمرار بالدواء اسبوع إضافي وإن لم تتحسن، قد تعيش العنزة عمياء حتى نهاية حياتها. في نهاية الاسبوع الثاني أصبحت عمياء كلياً، ما العمل؟ هل نتركها عمياء؟ أم نحاول معالجتها بالكي حسب ما توارثتة الأجيال من الطب الشعبي، وذلك استناداً لقول الشاعر
وقد يُعجِزُ الدَّاءُ الدَّواءَ مِن امرِىءٍ ويشفيه من داء به الكي والفصدُ
اشعلنا النار، سخنا المياسم الحديدية حتى اصبح لونها أحمر كالجمر، فقام والدي بكيها على الرأس في موضعين خلف قرنيها، ثم على الجهة العلوية عند نهاية الجذع وبداية ذنب العنزة.
بعد اسبوع من كي العنزة، أخذ اللون الأبيض بالزوال ثم ظهرت قُزحية العين وعادت تبصر. ربما من هنا جاء القول “شو طال ذيلو لعينو” . هل الكي على الرأس السبب لشفائها أم الكي على الذنب أم الإثنين معاً؟ علمنا من كبار السن أنه في حالات كثيرة مشابهة سابقة، لم يتم شفاء العين عند الكي على الرأس فقط بدون كيها على الذنب.
بعد هذه الحادثة فتشت عن مصدر المعلومات المتوارثة من الآباء للأبناء، وهل يوجد لها جذور تتصل بالطب العربي من العصور السابقة؟ وجدت معلومة عن الموضوع في كتاب”التصريف لمن عجز عن التأليف” في باب الَكُّي، للطبيب أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي ولد سنة 936 وتوفي سنة 1013 ميلادية في مدينة الزهراء شمال قرطبة. عن علاج عين الانسان، بأنها تعالج بالكي وتقريباً بنفس النقاط التي ذكرتها سابقاً. جاء في كتاب أبو القاسم عن علاج العين ما يلي: ” كية في وسط الرأس وكيتين على الصدغين، وكيتين في القفا تحت العظمين ” توجد عدة طرق للكي التي تحرق جلد الإنسان أو الحيوان منها طريقة اللكزة أو الرزة التي تتم بواسطة حديدة بأشكال مختلفة وطريقة الخبط وهي الكي بالميسم بشكل سريع على مكان الوجع ويأخذ الكي فيها شكلاً طوليا. وربما قصد حكيم شعراء الجاهلية زهير بن أبي سلمى ذلك في بيت الشعر التالي
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب … تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
اثار إهتمامي طُرق الكي التي لا تؤدي لحرق الجلد، من هذه الطريقة العلاج عن بُعد مثل ملعقة الجمر، حيث يوضع الجمر في ملعقة كبيرة، يحملها المعالج بارتفاع معين فوق البطن، بحيث تتركز الأشعة الحرارية على كبد المريض. وهناك طرق إضافية مثل طريقة الترقيش اي الكَّي الخفيف بدون ملامسة الجلد، يتم بواسطة عود بطرفه جمرة صغيرة. ومن أغرب طرق الكي بدون حرق الجلد، طريقة الملة (ساونا الرمل) وهي الكي بالرمل الساخن ، حيث يدفن الجسم أو قسم منه بالرمل الساخن لمدة معينة، من أجل التخلص من الأمراض المزمنة المستعصية مثل الروماتيزم والتهاب المفاصل.
زُرت في أسوان، السد العالي ورحلة نهرية في النيل ثم حديقة النباتات التي تقع على جزيرة في نهر النيل ثم زرت ضريح أغا خان الثالث، الضريح عبارة عن مسجد فخم دُفن به أغا خان الثالث،وهو الإمام الثامن والأربعون للطائفة الإسماعيلية النزارية، سَمِعتُ شرح المرشد السياحي الذي رافقنا، بأن أغا خان الثالث كان ثرياً جداً شملت ثروته بالاضافة للذهب الذي رُصد له منذ ولادته سنة 1877 حيث رُصد له بمقدار ثقله من الذهب كان يملك ثروة كبيرة من العقارات والأموال. في السنوات الأخيرة من حياته، كان يعانى من الروماتيزم وآلام في العظام، ولم تشفع له ثروته في الشفاء ، فقد فشل أعظم أطباء العالم حينها في علاجه، فنصحه أحد الأصدقاء بزيارة أسوان، فجاء آغا خان إلى أسوان سنة 1954 ميلادية، بصحبة زوجته وحاشيته ومجموعة كبيرة من أتباعه، وكان آغا خان قد عجز عن المشى وصل على كرسي متحرك، نصحه شيوخ النوبة، بأن يُدفن نصف جسمه السفلي في رمال أسوان ثلاث ساعات يومياً ولمدة أسبوع، كان هذا وسط سخرية وسخط ومعارضة الأطباء الأجانب الذين رافقوه، أتبع الأغا خان نصائح شيوخ النوبة، وبعد أسبوع من الدفن اليومي في الرمال الساخنة، عاد آغا خان إلى الفندق ماشياً على قدميه، قرر آغا خان أن يزور أسوان كل شتاء، ثم طلب من محافظ أسوان شراء المنطقة التي كان يعالج فيها، وافق محافظ أسوان على الطلب، فأحضر أغا خان الثالث المهندسين والمعماريين والعمال ليبنوا له ضريحاً تخليداً له وذاكرة للمنطقة، توفي سنة 1957 ودفن في أسوان داخل الضريح.
تحذير: استخدام الكي يحتاج الى المعرفة والمهارة، المعلومات السابقة ليست وصفة طبية، كما وأن الأطباء ضد الكَّي وبشكل خاص الكي الذي يحرق الجلد.

2

3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة