برافر لن يمُر: من حيفا الى النقب ثورة كرامة وغضب

تاريخ النشر: 05/12/13 | 5:00

منذ عقود من الزمن يتعرض الوطن والشعب الفلسطيني الى حملات نهب وسطو مبرمجة تطال مكونات الوجود الفلسطيني الجغرافي والديموغرافي والتاريخي ويخطأ من يظن ان النكبة الفلسطينية انتهت عام 1948 وهو العام الذي بدأ فيه السطو المسلح وغيره من اشكال السطو التي ما زالت فصوله متواصلة في فلسطين حتى يومنا هذا حيث تواصل دولة الاحتلال والاحلال برنامجها الاستيطاني والاحلالي على حساب الوجود الفلسطيني في كامل فلسطين التاريخية التي تعرض ويتعرض شعبها الى ابشع اشكال التطهير الجغرافي والعرقي على مسمع ومراى من العالم من جهة وعلى مراى من قيادة فلسطينية كرست وتكرس ثقافة الهزيمة والخذلان من جهة ثانية وبالتالي ماهو جاري في فلسطين واضح المعالم وهو ان اماكن ومناطق التواجد الفلسطيني تتعرض الى هجوم استيطاني وإقتلاع منظم من النقب في الجنوب وحتى الجليل ومرورا بالقدس وكامل الضفة الفلسطينية المقطَّعة الاوصال في ظل وجود سلطة فلسطينية فاسدة وعاجزة واقل ما يقال فيها انها ملحق من ملاحق الاحتلال الاسرائيلي وجزء لا يتجزأ منه ومن حيزه الذي ينهب الارض الفلسطينية ويهدم البيوت ويشرد اهلها ويحاصر كامل مناطق التواجد الفلسطيني…عام 1948 انقلب الميزان الجغرافي والديموغرافي بين ليلة وضحاها في فلسطين لصالح دولة المستوطنين من خلال تشريد اكثرية الشعب الفلسطيني واحتلال وطنه وفي اطار هذه الدولة التي اعلنت على مناطق عام 1948 تبقى ما يقارب ال 160000 فلسطيني في قراهم ومدنهم او كلاجئين خارج ديارهم الاصلية، حيث تركز الوجود الفلسطيني في مناطق وجيوب اهمها الجليل شمالا ووادي عارة والمثلث الجنوبي والشمالي في الوسط ومنطقة الساحل والنقب جنوبا وقسم صغير من فلسطينيي الداخل بقي في المدن الفلسطينيه التي احتلت عام 1948 مثل حيفا وعكا ويافا والرملة الخ حيث فرضت اسرائيل الحكم العسكري على هذه المناطق من عام 1948 وحتى العام 1966 وفيما بعد احتلت اسرائيل عام 1967 الضفة والقطاع والقدس وبهذا فرضت سيطرتها على كامل فلسطين التاريخيه!!

هنا لابد من القول بانه ليس بالامكان سرد كامل الاحداث اللتي جرت منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا في مقالة واحدة ولا في كتاب واحد ايضا وبالرغم من هذا سنحاول التطرق للمحطات المهمة التي اثرت في ماهية الوجود الفلسطيني داخل دولة الاستيطان التي اقيمت على الارض الفلسطينية (يجب التفريق بين اعلان الدوله وبين الحق في الارض اللتي أُعلنت عليها هذه الدوله.. دولة مستوطنين على ارض محتلة ومغتصبة) بمعنى واضح وموضَّح الحالة التي نشات عام 1948 كانت حالة قسرية وغير عادية تاريخيا وسياسيا وتجلت في احلال مستوطنين اجانب مكان السكان الاصليين اهل الارض والمكان ليصبح هؤلاء قسرا " اقليه" غير طبيعية داخل كيان استيطاني ذو اكثرية من الغرباء.. تاريخيا هنالك مقومات ومسببات لتكَّون الاقليات عبر التاريخ وهنالك اشكال متعدده من الاقليات التي تشكلت مثلا عبر كوارث او هجرات بشرية، لكن في الحالة الفلسطينية الفريدة تاريخيا لا يٌعتبر ابناء الشعب الفلسطيني في الداخل باي حال من الاحوال "اقلية" لانهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني الذي تجاوز تعداده اليوم ال12 مليون فلسطيني.. الدولة الاسرائيلية الاستيطانية هي اللتي فرضت وجود "الاقلية" وهي التي حاولت ترسيخ هذا المفهوم من خلال ترويج تسمية " اقليات.. ميعوطيم" او "عرب اسرائيل" الخ والهدف هوطمس هويتهم الفلسطينية من جهة وهضم حقهم في فلسطين ضمن وجودهم في دولة تنكر بالاصل الوجود الفلسطيني جغرافيا وديموغرافيا من جهة ثانية وبالتالي ماجرى منذ عام 1948 هو ان اسرائيل لم تسعى لجعل العرب اقليه صغيره داخل مجتمع المستوطنين لابل سعت ايضا الى محاصرة مناطق التواجد العربي (الجليل.. النقب.. المثلث) من خلال الاستيطان والمستوطنين ليصبح العرب "اقليه" ايضا في مناطق تواجدهم ومحاصرين على اصغر رقعة جغرافية ممكنه..!!

من اجل هذا الهدف قامت الدولة الاسرائيلية بتشريع القوانين المفصلة على مقاس اهداف المشاريع الاستيطانية والتهويدية في فلسطين وهي القوانين التي تحرم الفلسطيني من ادنى حقوقه وحتى قانون "المواطنة" لم يُثبت حتى يومنا هذا واغلب الظن ان مواطنة فلسطينيي الداخل ما زالت ناقصة ومنقوصة.. مواطنة المكوث وليس الحقوق الكامله. وعليه ترتب القول ان القوة الشرطية والعسكرية الاسرائيليه كانت وما زالت الذراع المنفذة لتطبيق قوانين الغابة التي تزعم ان المواطن الفلسطيني العربي يستولي على اراضي الدولة ويبني بيتا غير مرخصا وغيرها الكثير من المزاعم اللتي وصلت الى حد وصف عرب النقب بانهم "غُزاه" غزوا النقب بينما هم موجودون في المكان والنقب قبل وجود دولة المستوطنين بقرون.. "غزاة" تعني بانهم يستولون على ارض الدولة الاسرائيلية ولا بد من طردهم من هذه الارض وتوطينهم قسريا لتمكين المستوطنين من الاستيطان في النقب بحسب المنطق الاسرائيلي المقلوب ولذلك ومن اجل دعم هذا المنطق وهذا الكذب روجت اسرائيل لتسميات " ارض دوله" و"توطين وتحضير البدو.. تطيير" والبناء غير المرخص الذي يشمل عشرات الالاف من البيوت العربية في النقب لا بل ايضا الغير مرخص والغيرمعترف به من قبل اسرائيل هو عدد ال45 قرية اللتي يقطنها ما يقارب ال100000 عربي نقباوي.. هؤلاء يستهدفهم اليوم مخطط " برافر"ّ التهجيري وال100000 الاخرون من تعداد عرب النقب قامت اسرائيل منذ سبعينات القرن الماضي بتوطينهم قسريا في سبع نقاط توطين رئيسية اهمها واكبرها اليوم توطينة رهط.. هنالك فرق بين مدينة وتوطينة!… سبع جيتوات.. في هذه التوطينات وحولها يسعى مخطط " برافر" لتوطين ماتبقى من بدو والاستيلاء على اراضيهم ومنحها للمستوطنين اليهود وهؤلاء بدورهم يستولون حتى على مقابر البدو ويضموها الى حدود مستوطناتهم الفردية المدعومة من الدولة الاسرائيليه.. هؤلاء المستوطنون يعيشون في رفاه والبدوي صاحب البلاد يبحث عن شربة ماء ولقمة عيش صادر مصدرها المستوطنون!!

مشاريع الاستيطان والتهويد اللتي تستهدف مناطق سكن وتواجد فلسطيني الداخل مستمرة منذ عام 1948 ومرورا بمشروع كينغ 1976 لتهويد الجليل ومن قبله مشروع توطين بدو النقب وفيما بعد مشروع تهويد وادي عارة والمثلث الشمالي والجنوبي في تسعينات القرن الماضي وحصار السكان العرب في المدن " المختلطه" التي احتلت عام1948 واليوم 2013 يواجه فلسطيني الداخل مشروع " برافر" التهجيري الهادف الى القضاء على الوجود العربي في النقب.. قضاء نهائي على تاريخ وصورة الوجود العربي النقباوي في النقب…. قصة وطن..!!

معركة الارض والوجود اللذي يخوضها فلسطينيي الداخل لم تتوقف وقد توَّج هؤلاء نضالهم التاريخي بيوم الارض الاول في30 اذار 1976 الذي سقط فيه العشرات بين شهيد وجريح برصاص الشرطة الاسرائيلية ولا زال الفلسطينيون يحيون ذكرى يوم الارض سنويا منذ ذلك الحين، بطبيعة الحال واكب ابناء وبنات الداخل محطات النضال الفلسطيني وشاركوا في بداية انتفاضة الاقصى عام2000 وسقط منهم العشرات بين شهيد وجريح وبالتالي لم يكن الداخل الفلسطيني بمعزل يوم من الايام عن النضال الفلسطيني بشكل عام لابل انهم كانوا سندا وعونا دائما لاخوانهم في الضفة والقطاع والمخيمات وذلك بالرغم من محاولة المتنفذين والتفريطيين (قبل وبعد اوسلو1993) بعزل هذا القطاع عن كامل مكونات القضية الفلسطينية واعتباره حالة "اسرائيليه"!!

لم يكن الحراك الشبابي الفلسطيني الذي يقود اليوم النضال ضد مخطط " برافر" وليد اللحظه لا بل هو حالة نضالية تراكمية حلَّت رويدا مكان القيادات والمؤسسات المتقاعصة والمتناحرة فيما بينها في الداخل الفلسطيني وكامل فلسطين.. في النقب مثلا يوجد ما يسمى ب"لجنة التوجيه العليا لعرب النقب" المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا لجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، وهذه اللجنة المسماه ب "التوجيه العليا لعرب النقب" عبارة عن خليط غير معروف وغير متناسق من ممثلي احزاب وحركات متناحره ومتناثره ولا تمت للواقع العربي النقباوي بصلة خاصة وان هذا الخليط لم يتقاعص في التصدي لمخطط "برافر" لا بل قسم منه تواطأ مع المخطط!.. خلاصة الامر دخول الشباب المعترك السياسي وقيادتهم للنضال اطاحت وستطيح برموز التخاذل والجبن واتاحت الفرصة لمشاركة فلسطينية واسعة في التصدي لمخطط " برافر" التهجيري وقد ابلى الشباب بشكل عام وطلاب الجامعات بشكل خاص بلاءا رائعا في تنظيم وتسيير ايام الغضب ضد برافر واخرها يوم الغضب 30.11.013 الذي شارك فيه الشعب الفلسطيني كصف وكشعب واحد وموحد من النقب الى حيفا ومن حيفا الى رام الله والقدس وبهذه الخطوة قفز الشباب الفلسطيني على القيادات الفلسطينية المتخاذلة اللتي لم تكلف نفسها ارسال مندوب واحد عنها للمشاركة في مظاهرات رام الله ضد برافر..!!

.. الشباب الفلسطيني الذي يخوض المعركه ضد برافر يحمل هوية النضال الفلسطيني الجماعي والموحد ضد التهويد والاستيطان في النقب والجليل والضفة والقدس وكامل فلسطين، بمعنى عودة شعار.. شعب واحد.. وطن واحد.. نضال موحد.. نحمي النقب وكامل المناطق الفلسطينية من التهويد.. هذا هو مربط الفرس وهذا ما يخيف ويردع دولة الاستيطان الاسرائيلية التي فشلت بالانفراد بعرب النقب وستفشل بالانفراد باي قطاع او منطقة فلسطينيه.. وسائل التواصل ووسائل الاعلام اتاحت وتتيح اليوم للشعب الفلسطيني التواصل وتوحيد صفوفه ونضاله ضد الاستيطان والتهويد من جهة وضد المتخاذلين والمتواطئين مع الاحتلال من جهة ثانية وبالتالي برافر لن يمر.. من حيفا الى النقب كانت وستكون ثورة كرامة وغضب ضد برافر وضد اقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه.. هبات الغضب المباركة ضد "برافر" ستكون الاساس لهبات اكبر واوسع بما يتعلق بالشأن الفلسطيني… تحية خاصة للشباب الفلسطيني ولطلاب الجامعات في حيفا وبئر السبع والقدس ورام الله وكامل فلسطين.. انتم ايها الشباب والشابات النشاما والنشميات ملح النضال الوطني وخميرة وحدة صف شعبكم الذي عانى ويعاني الويلات من الاحتلال وزبائنه من متخاذلين ومتنفذين… انتم ايها النخيل الشامخ ضمير فلسطين من النقب الى الجليل.. ومن الجليل الى غزة والى القدس ورام الله والخليل..!

..النقب جزء أصيل من الارض الفلسطينية و الشعب الفلسطيني، والجاري في النقب هو نفسه الجاري في الجليل والضفة الغربية والقدس.. لن ينفع المتخاذلين بعد اليوم تخاذلهم وتهميشهم لمكونات القضية الفلسطينيه والشعب الفلسطيني والداخل الفلسطيني ليست "عرب اسرائيل" ولا "عرب في دولة اسرائيل" لابل انهم من الجليل الى النقب جزء ومكون اصيل من الشعب الفلسطيني.. لن ينفع دولة " المقاطعه" في رام الله محاولة تكريس الفصل الجغرافي لان الرابط الوطني والتاريخي بين قطاعات الشعب الفلسطيني اقوى بكثير من "حلم" المحتلين وحلفاءهم من الساقطين والتفريطيين.. لاتفرحوا بالصيد يا صائدينه.. في قادم الايام والزمن صعاب جمة امام المحتلين والمتغطرسين.. بزوغ خيوط وحدة الضوء والطريق والمصير.. شعب فلسطين الواحد والموحد في نضاله واهدافه.. برافر لن يمر!!

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة