ما هو الحب؟

تاريخ النشر: 24/07/16 | 1:51

آية واحدة في القرآن الكريم تعرِّف الحب كما لم يُعرَّف من قبل ولا من بعد على الإطلاق، وهي آية المودة والرحمة في سورة الروم؛ حيث يقول الله – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، والتي نستفيد منها ثلاث فوائد هي أركان تعريف الحب، وهي، أولاً: أنه آية من آيات الله، وثانيًا: كونُه مودّة ورحمة، وثالثًا: ارتباطه بالزواج الذي يَسبِقه في المحلّ.

وبطبيعة الحال لا تكون هذه الفوائد وجيهة إلا في حالة افتراض أن ما ذُكر في الآية هو نفسه الشعور الذي نعرفه ونُسمِّيه “حُبًّا”، وليس شيئًا آخر غير ما نعرف، كما يعتقد البعض ممن يقولون بأن المودة والرحمة التي بين الزوجين هي البديل الطاهر للحبِّ الذي يكون بين غير المتزوجين، ولستُ مُقتنِعًا بهذا القول؛ لأنني أرى – والله أعلم، ومن مُنطلق معرفتي “كإنسان” لهذا الشعور “كواقع إنساني” – أنّه وما ذُكر في الآية الكريمة شيء واحد، مع اختلاف ما جعل الله عما يتصرَّف به الناس أو البعض منهم فيما جعل الله، تمامًا مثل تصرُّفهم في الأعناب التي منها السَّكَر ومنها الرزق الطيّب، فلا يقول أحدنا كيف يذكر الله ذلك الشيء على أنه آية من آياته؛ لأنه حقًّا كذلك، والله تعالى أدرى وأعلم، ولو أننا نظرنا في خالص الحبّ وأصله من دون شوائب سوءِ تصرُّفنا فيه لوجدنا أنه آية من آيات الله بالفعل، فمن دون هذه العاطفة العجيبة لا يمكن أن نتصوَّر كيف كانت العلاقات الزوجية ستكون، وكيف كانت ستدوم لتدوم البشرية بدوامها، ولولا حبُّ الزوج لزوجته وحبّ الزوجة لزوجها، ما تمكَّن الرجل والمرأة من البقاء معًا، وتحت سقف بيت واحد لأكثر من موسم التزاوج – كما هو الأمر عند ذكور أغلب الحيوانات وإناثها – فالحب آية من آيات الله إذًا، وهو مزجٌ متكاملٌ بين خَصلتين اثنتين؛ كما جاء في ذات الآية هي خَصلة المودّة مع خصلة الرحمة؛ أي إن الحبّ = المودة + الرحمة، وهذا هو الركن الثاني في تعريف القرآن للحبّ.

فأما المودّة فما كان لصالح المُحبّ، وأمّا الرحمة فما كان لصالح المحبوب، فالمودّة أخْذ، والرحمة عطاء، والحبّ أخذٌ وعطاء، وعندما نقول: إن الرجل يحبّ زوجته، فإننا نقصِد بأنه يأخذ بحبّه لنفسه منها، ويُعطي به من نفسه لها، يأخذ السكينة إلى جانبها والسرور لرؤيتها، ويُعطي الرِّفق بها والوفاء والأمان لها.

أمّا الرُكن الثالث في تعريف الحبّ فهو ارتباطه وتعلُّقه بالزواج، فقد جاء ذكرُ المودة والرحمة في الآية مقترنًا بذكر الزواج، فالحبّ إذًا ما جُعل إلا للزواج، وهو يسبقُه في المحلّ تَبَعًا لذلك؛ أي: إن كون الزواج عِلّة للحبّ يستلزِم بالضرورة أن يكون الحبّ بعد الزواج، وقد يكون الحبُّ علَّة للزواج فيسبقه في المحلّ؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لم يُر للمتحابَّين مثل النكاح))، في شابّين تَحابّا وهما غير متزوِّجين كما يبدو، لكن هذا لا يعني أن يصبح الأمر قاعدة؛ لأن القاعدة هي أن الحبّ للزواج، وعليه فإنّ الشرع والمنطق يستلزم أسبقيَّة الزواج على الحبّ في المحلّ، ولو سألت عن الأمر إمامًا في المسجد أو فيلسوفًا في البرج، لسمعت من كليهما نفس الإجابة، بشرط أن تكون قاعدة أن الحبّ للزواج والمستمدّة من فهمنا للآية التي تعرِّف الحبّ أصلاً يعتمد عليه الإمام ومُقدمة يعتمد عليها الفيلسوف، فيقول الإمام بأن الحبَّ والتعبير عنه والتصرُّف بمقتضاه ينبغي أن يكون بعد الزواج؛ لأنّه ما خُلق إلا لأجله، ويقول الفيلسوف نفس ذلك؛ لأن الحبّ يكون بين المتزوّجين، وقبل الزواج لا يكون الطرفان متزوِّجين؛ إذًا فالحبّ لا يكون إلا بعد الزواج.

الحبّ آية من آيات الله ورحمة من رحماته العظيمة، الحبّ منحة للبيوت، الحبّ أخذٌ جميل وعطاءٌ أجمل، الحبّ مودة ورحمة وهودجٌ تُحيط به السكينة والسعادة من كلّ جانب، نسأل الله أن ينفعنا بخيره وخير ما جُعل لأجله، ونعوذ به من أن نَقرَب شرّه وشرَّ ما يُجعل لأجله.

محمد عبد المؤمن

Untitled-1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة