إدارة أزمات لمواجهة الإرهاب في مصر

تاريخ النشر: 10/07/16 | 19:28

إن الإرهاب تمدد واتسع نطاقه، ليصل إلى داخل البلاد ويهدد أمن وسلامة المواطنين. ولا يقتصر الأمر على مجرد التهديد الأمني، بل يتجاوزه ليشمل التهديد الاقتصادي، نتيجة لضعف الاستثمارات التي قد تُضخ في الدولة المصرية، في ظل تدهور وضعها الأمني، وفي ضوء تخوف المستثمرين من الأخبار التي يقرءونها يوميًّا عن تفجير هنا أو تفكيك قنبلة هناك. وعندما يتدنى الاقتصاد يختل الاستقرار، خصوصًا حينما تتسع الفجوة بين تطلعات المواطنين ومطالبهم من ناحية، وبين حقيقة الإمكانيات على أرض الواقع من ناحية أخرى.
وهكذا يدور التهديد في منظومة متكاملة تبدأ بالأمن ثم تنثر شظاياها الحارقة على مجالات الاقتصاد والسياسة والمجتمع وحتى الفكر؛ الأمر الذي يستدعي ضرورة إعادة التفكير في مفهوم الإرهاب، ومسبباته؛ للوقوف على كيفية مواجهته والتعاطي مع التداعيات التي يفرضها على الدولة والمجتمع.
تتخذ أساليب حل الأزمات والتعامل معها نوعين من الطرق أحداهما تقليدية والأخرى غير ما يستمد من خصوصية الموقف الذي يواجهه متخذ القرار في إدارة الأزمات التقليدية، ومن الطرق التقليدية للتعامل مع الأزمات، واهم تلك الطرق إنكار الأزمة والتعتيم
الإعلامي عليها وإظهار صلابة الموقف وذلك لتدمير الأزمة والسيطرة عليها، أو في كبت الأزمة وتأجيل ظهورها، أو في إخمادها باستخدام العنف والصدام العلني مع قوى التيار الأموي وتصفيتها ، أو بتشكيل لجنة لبحث الأزمة، وتستخدم هذه الطريقة عندما لا تتوفر معلومات عن القوى الحقيقية التي صنعت الأزمة التي لها مصلحة في إحداثها، أو في بخس الأزمة والتقليل من شأنها، أو في التنفيس عن الأزمة ويطلق على هذه الطريقة أيضا طريقة تنفيس البركان
وإيجاد مسارات بديلة ومتعددة إمام قوة الدفع المولدة لتيار الأزمة وتدفقاته ليتحول إلى مسارات عديدة بديلة تستوعب جهده وتقلل من خطورته، أو بعزل قوى الأزمة من خلال رصد وتحديد القوى الصانعة لها وعزلها عن مسار الأزمة من اجل منع انتشارها وتوسعها وبالتالي سهولة التعامل معها وحلها أو القضاء عليها. أما الطرق غير التقليدية للتعامل مع الأزمات فهي الأهم إذ أنها أصبحت أكثر تناسبا مع روح العصر ومتوافقة مع طبيعة متغيراته،.
هل ستحصل مصر في هذه الملفات علي دور حقيقي: في مكافحة الإرهاب مثلا، وهل ستحصل مصر على دعم دولي لحربها ضد الإرهاب في سيناء والصحراء في غرب البلاد بدلا من قيامها بذلك منفردة حتى الأن ودون أي مساعدة دولية تذكر؟ هل يسند لها دور إقليمي في التحالف المقترح لمحاربة الإرهاب مثلا مركز معلومات إرهاب “داعش” في بغداد هو روسي إيراني عراقي سوري ومصر ليست طرفا فيه؟
والقراءة الدلالية المتعمقة لتطورات الواقع المصري في ضوء تنامي ظاهرة الإرهاب، يشير إلى أن المستويات الثلاثة الأنفة الذكر منتشرة خلال السنة والنصف الأخيرة، وإن بدرجات متفاوتة. وهناك العديد من الشواهد التي تؤكد هذا الطرح، مع الأخذ في الاعتبار أن الأكثر ظهورًا منها المستويان الثاني والثالث، خصوصًا في ظل توترات الحياة السياسية بعد عزل مرسي، وتداعيات فض ميادين الاعتصام في رابعة العدوية والنهضة اللذين أفرزا حالة من الفزع والارتباك؛ إذ أعقبها ظهور مكثف، وربما غير متوقع، لبعض الجماعات المسلحة، سواء على الحدود أو في الداخل، والقيام بأعمال إرهابية مفزعة، كأحداث قسم شرطة كرداسة، ومقتل الجنود المصريين على الحدود؛ الأمر الذي فسَّره البعض بأنه رد فعل على الاستخدام المفرط للعنف من جانب الشرطة في فض اعتصامات الإخوان.
إن قوةالقول:ب تكمن في وجود قوة حاضنة له، ومُشرِّعة لسلوكياته من جانب “بعض” المواطنين؛ لإيمانهم بأن هذا هو الطريق الوحيد للتخلص من إرث الظلم والفساد والتردي الاجتماعي والاستبداد السياسي، كما أن الإرهاب فكرة في الأساس، تساعد بعض العوامل على إنضاجها وتعميق انتشارها وضمان استمراريتها، ومن ثم إذا تم التعاطي مع تلك العوامل بطريقة أكثر حكمةً ووعيًا، فستتم محاصرة الإرهاب وتجفيف منابعه بالشكل المنشود، ودون الجور على حقوق المواطنين السلميين الذين يقعون فريسة عدم التمييز الأمني.
إن اختزال التعاطي مع ظاهرة الإرهاب في المنظور الأمني فقط، من شأنه أن ينتج مزيدًا من الإرهاب، لا أن يقضي عليه. وتثبت الشواهد التي نراها يوميًّا هذا الأمر، من انتشار كبير للأشكال المختلفة للعمليات الإرهابية، وتوسع نطاقها ومداها، ناهيك عن ظهور جماعات مسلحة جديدة تتبنى عمليات عنف ممنهج ضد رجال الشرطة والجيش.
ولكون الإرهاب ظاهرة متعددة الأبعاد، فينبغي التعامل معها من المنطلق نفسه، بحيث تكون محاولات القضاء عليها أو الحد منها متعددة الأبعاد أيضًا، خصوصًا أن الهدف هنا البدء بضمان عدم استقطاب وانضمام عناصر جديدة للتنظيمات الإرهابية الحالية التي يتم دعمها بقوة ماديًّا وتسليحيًّا من قوى خارجية، وهو ما سيساعد الدولة على حصر الجماعات المسلحة والتعامل المباشر معها تعاملًا أمنيًّا بحتًا ومطلوبًا في هذه الحالة.
ولكن في الغالب كما هي طبيعة الدول النامية فإن هذه الأزمات لا تنتهي بكل أسف إلى إجراءات ونظم وتشريعات كفيلة بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه بقدر الإمكان أو الاهتمام بالتخصص العلمي المناسب والمعرفة الفنية لمجابهة ما قد يحدث مستقبلاً، مع أن مجال إدارة الأزمات قد يحتاج إلى خبرات خارجية غير متوافرة محلياً، ممن ليدهم المعرفة والمعلومات الكافية عن الأزمات من واقع الخبرات التي مروا بها في أزمات مشابهة في بلدانهم في الحقل الذي ينتمون إليه.
وقد يخدع البعض بمفهوم أن بلدانهم أو مؤسساتهم بمنأي عن الكوارث والأزمات، وحينما تقع إحداها فإنه يبدو أمامها قلقاً مشلول الفكر متردداً ومن ثم عاجزاً عن اتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة، وغالباً ما يلجأ إلى استخدام الوسائل الدفاعية وإلقاء اللوم على الغير، والبحث عن مسببات الأزمة دون مواجهتها متناسياً في تلك اللحظة أن السيطرة على الأزمة والعلاج الناجح للحد من آثارها السلبية يقتضي أولاً وقبل كل شئ مواجهة سريعة من خلال صدور قرارات سريعة مدروسة بعناية طبقاً للخطة العلمية الموضوعة لمجابهة مثل تلك الحالات وتحقيق أكبر قدر من معدلات النجاح للسيطرة على الأزمة أو الكارثة أو الحد من آثارها السلبية وهذا لا يتأتي إلا باكتساب المختصين درجة عالية من اليقظة والحذر تمكنهم من الوصول إلى كل ما يمكن من المعلومات ذات الصلة، واستقراء هذه المعلومات بعناية ودون تمييزه بهدف الوصول إلى البديل الأنسب من بين الخيارات المتاحة.

خلاصة القول :_
ضرورة اهتمام فريق إدارة الأزمة الأمنية بالاستفادة من مرحلة التعليم والاهتمام بها, من خلال إجراء عملية إعادة الفكرة للحوادث والأزمات بعد وقوعها, ومراجعة وتقييم الأدوار لكل الجهات المشاركة في مواجهتها بشفافية دون تحفظ, ودراسة الإجراءات والأساليب والعمليات الميدانية, والمواقف التي تعرضت لها ولم توضع في الحسبان, وأن تقوم بدراسة العوامل التي أدت إلى النجاح في عملية المواجهة للأزمة والعمل على تنميتها والعوامل التي أدت إلى الفشل لتلافيها والعمل على معرفتها ومعالجتها على أن تكون الدروس المستفادة من مرحلة التعليم هي محور الانطلاق في مواجهة الكوارث والأزمات مستقبلاً.
والاهتمام بالدراسات عن الأزمات المحتملة في سيناء بحسب تكرارها, وعلى ضوئها تقدر الإمكانيات, وتحدد الإجراءات التي تحد من وقوعها والاستفادة من التجارب السابقة في تحقيق أعلى درجة من الاستعداد والحيطة, كما يشمل تدريب الأفراد على القيام بأدوارهم، وهذه المرحلة يطلق عليها الإدارة بالمبادرة التي تفترض أن يكون لدى المنظمة استعدادات وأساليب كافية للوقاية من الأزمات الأمنية.

الدكتور عادل عامر- دكتور في الحقوق وخبيرالقانون العام مستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات ومستشار الهيئة العليا للشئون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الازهر والصوفية

3adel3amer

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة