ملاحظات لغوية حول (فقط)

تاريخ النشر: 15/05/16 | 10:35

في حلقة سابقة كتبت عن إملاء كلمة “شذا”:
“شرحت وأبنت أنها بالألف القائمة فقط”.
علّق أحدهم أنني أخطأت في استعمال (فقط) لغويًا.
كتب المعلّق ذلك باسمه المستعار دون أن يُـبِـن أو يفصح، ودون أن يوثّق أو يستوثق.
تذكّرت، وقلت لعله اعتمد على كتاب “تذكرة الكاتب” لأسعد داغر – 1933، ص 43، حيث يقول:
“ويكثرون من استعمال (فقط) بعد أدوات الاستثناء والأفعال التي تفيد الحصر، فيقولون : لم يزرنا إلا ثلاثة رجال فقط، وغير مرتين فقط، فزيادة (فقط) حشو لا فائدة لها”.
فإذا كان ذلك كذلك فردّي:
أولاً- لم يقل داغر إنها خطأ، بل دعا إلى الاستغناء عنها، لأنه يرى فيها “حشوًا”.
ثانيًا- أخطأ داغر في ذكره مسألة الحشو، ذلك لأننا نستخدم بعض الكلمات في الجمل زيادة في الإبانة والتوضيح، نحو: قرأت صفحة واحدة، فما ضرورة (واحدة) يا صاحب التذكرة؟ إنها للإبانة والتأكيد ليس إلا.
وإذا قلت: أكلت سمكتين اثنتين، فاثنتين جاءت للتوضيح والإبانة، ولا يمكن اعتبارها حشوًا.
هكذا هو الحال في كلمة (فقط)، فالفاء للتزيين، و (قطْ) اسم فعل مضارع مبني على السكون- بمعني يكفي،
ومعنى (فقط) -كما لا يخفى – لاغير، فما الحشو في قولنا: أكلت رغيفين فقط، أو أكلت رغيفين لا غير، أو ما أكلت إلا رغيفين فقط؟
هل نعتبر (لا غير ) حشوًا في قولنا: كتبت عشرين صفحة لا غير؟
سأقوم معكم برحلة في بطون بعض الكتب لنتستقصي مواضع استعمالها في كتابات من يُشهد لهم:
يقول ابن الرومي:
أنت لا شك قحطبي ولكن … لست حاشاك قحطبيًا فقط
يقول البحتري:
أدع الفضل فلا أطلبه …حسبي العدل من الناس فقط
يقول كشاجم في تأكيد المدح بما يشبه الذم:
ما فيهم عيب سوى الإفراط في الجود فقط
وفي النثر وجدت في الأمالي للقالي:
“ولا يجوز في (يؤبي) إلا كسر الباء فقط”
وفي الأغاني للأصفهاني:
“فلم تزل تغنيه هذا اللحن فقط حتى انصرف”.
وفي (أسرار البلاغة) للجرجاني:
“فلا يتصور نفي مطلق، ولا نفي شيء فقط”.
ثمة نماذج غيرها لا تعد ولا تحصى، فما هو الحشو في استخدام (فقط) ؟
بل ما وجه الخطأ أيها المعلّق المجهول؟
فائدتان:
قطُّ:
تأتي قطّ ظرفًا مبنيًا على الضم في محل نصب، وهي تستعمل لاستغراق الماضي، وتختص بالنفي أو بالاستفهام:
ما سرقت قطُّ، وهل سرق يوسف قطُّ؟
ولا يصح لك أن تقول:
لن أكذب قطُّ، فاللفظة (قطُّ) تختص بالماضي، والصواب أن تقول: لن أكذب أبدًا.
بسّ:
في هذا السياق أذكّر أن (بسّ) وردت في المعاجم، ذكر صاحب اللسان أنها من الألفاظ المعرّبة عن الفارسية، ومعناها (حسبُ) ، فعندما نقول للّجوج (بس) نعني (حسبك = يكفي).
نلاحظ أننا لا نستطيع استخدامها لمن نحترمه، وذلك بسبب شيوع معناها في الدارجة بمعنى استعلائي. إذ هناك كلمات فصيحة أخرى لا نستطيع استخدامها في كل سياق، مثل (انصرف)- فالكلمة هذه هي بمعنى تحوّل عنه وتركه، ولكنك لا تستطيع استخدامها لمن تحترمه، بسبب حمولتها السلبية في الدارجة.

ب.فاروق مواسي

faroqq

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة