الطب الرقمي ومستقبل المعالجة الفيزيائية
تاريخ النشر: 22/10/13 | 6:52يبحث علماء ألمان إمكانية توفير العلاج الفيزيائي وإعادة تأهيل المرضى من البيت عبر الإنترنت من خلال معالجة افتراضية بواسطة برنامج خاص طوره العلماء، لكنه بحاجة إلى المزيد من الاختبارات والتطوير قبل استخدامه على نطاق واسع.
يقف العالم ميشائيل جون من معهد "فراونهوفر للأبحاث" على بعد ثلاثة أمتار من شاشة مسطحة تظهر رسما متحركا لشخص. يمثل هذا الرسم مدربا بلباس رياضة، يبدو كأنه أخصائي في العلاج الفيزيائي الطبيعي.. سيبدأ حالا في تنفيذ حركات معينة، وعلى جون تقليدها، لكنه يحتاج إلى تقنية خاصة لهذا الغرض، تتمثل في حاسوب عادي وجهاز تلفزيون بشاشة مسطحة، وكاميرا ويب وجهاز استشعار بصري. يجب ربط الكاميرا وجهاز الاستشعار مع شاشة التلفزيون المسطحة ووصله بالحاسوب.
هذا كل ما يحتاجه المريض للقيام ببرنامج "التأهيل الشخصي" للعلاج الفيزيائي الطبيعي الذي سيبدأ جون بممارسة وحداته الرياضية اليومية.
يبدأ أخصائي المعالجة الفيزيائية الافتراضي بتحريك نفسه على الشاشة، أولا يقف على قدميه ويبعد رجليه قليلا عن بعضهما البعض ويرخي ذراعيه. ويكرر جون ما يفعله الأخصائي ويجلس بعدها على الأرض ويمدد ذراعه اليمنى فوق رأسه. وترافق حركات الأخصائي على شاشة التلفاز تعليقات إضافية بصوت امرأة تعطي تعليمات للمريض حول كيفية تحركه، وتنبهه للحركات الخاطئة التي يقوم بها.
تنبيه صوتي
فعندما مدد جون ذراعه اليمنى فوق رأسه وحرك الجزء العلوي من جسده إلى اليسار، نبهه صوت برنامج "التأهيل الشخصي" إلى أن أداءه للحركات التي قام بها لم يكن صحيحا، وجاءه صوت من التلفاز يقول له "انتبه إلى ذراعك"، والسبب في هذه الملاحظة أن ذراعه لم تكن ممدودة بشكل صحيح مثل ذراع المعالج الافتراضي على الشاشة.
وتلتقط كاميرا ويب المعلقة فوق شاشة التلفاز المسطحة صور حركات المريض ويقوم جهاز الاستشعار البصري بقياسها، بينما يكشف برنامج في الحاسوب عما إذا كانت هذه الحركات صحيحة أم خاطئة. ولا يتم تصحيح هذه الأخطاء شفويا فحسب وإنما أيضا عن طريق خطوط ضوئية تظهر فوق جسم المريض على الشاشة لتُشير إلى الحركات.
وتظهر الصورة التي يتم التقاطها بواسطة كاميرا الويب أيضا في نافذة صغيرة على الشاشة. وتسلط خطوط ضوئية خضراء على أجزاء الجسم التي تكون حركاتها صحيحة، وعكس ذلك تعلم بخطوط ضوئية حمراء كل الحركات الخاطئة للذراعين والساقين أو اليدين. وبالتالي فإن المريض يتعرف على الحركات الخاطئة من خلال الخطوط الضوئية التي تظهر على جسمه في النافذة الصغيرة على الشاشة لتصحيحها.
يقول جون إن المهمة الرئيسية لأخصائيي العلاج الفيزيائي الطبيعي في المستشفيات والمصحات هي على وجه التحديد تصحيح حركات المريض. ويطور جون حاليا مع زملائه نظاما في معهد فراونهوفر لأنظمة الاتصالات المفتوحة "فوكوس" ببرلين، ويضيف أن الأخصائيين نبهوهم إلى نوع الانحرافات المقبولة ومتى يجب الإبلاغ عن الأخطاء.
يعتبر هذا البرنامج نظاما مرافقا للعلاج الفيزيائي الطبيعي أيضا ويمكن للأخصائيين الاعتماد عليه عبر الإنترنت لمعالجة مرضاهم. فبواسطة هذا النظام لا يمكن فقط الحصول على بيانات حركات المريض، وإنما وضع جدول تمارين جديدة له أيضا. بالإضافة إلى ذلك، يتيح هذا النظام للمستخدمين عبر نظام مؤتمرات الفيديو فرصة الاتصال الشخصي بالأخصائيين في المستشفيات والمصحات، وبالتالي الحصول على استفسارات منهم وطرح أسئلة عليهم.
برنامج تكميلي
يقول الباحث في إعادة التأهيل بمستشفى شاريتي في برلين سباستيان برنرت إنه يمكن لبرنامج "التأهيل الشخصي" أن يكمل خدمات مصحات وعيادات العلاج الفيزيائي الطبيعي، وهذا هو الغرض منه.
ويضيف برنرت أن الكثير من المرضى بعد إعادة التأهيل ينسون بسرعة التدريبات التي تعلموها، مؤكدا أنه بواسطة البرنامج يمكن تجنب ذلك إذا ما استمر المريض في ممارسة هذه التمارين في منزله.
وبالتالي فإن استخدام هذا البرنامج ليس بديلا للعلاج الفيزيائي الطبيعي عند الأخصائيين في المستشفيات والمصحات، وإنما هو فقط نظام متمم مفيد. فبفضل هذا البرنامج التدريبي في المنزل يمكن الاستغناء عن عودة المريض إلى المستشفى أو المصحة للعلاج الفيزيائي الطبيعي، ويكتفي بممارسة التمارين في البيت.وفي نهاية التدريبات الرياضية اليومية يقوم جون بالجلوس والوقوف في مكانه مثلما يفعل المعالج الفيزيائي الافتراضي على شاشة التلفاز، ويحرك ذراعيه فوق رأسه تارة يمينا وأخرى يسارا، وبنفس الطريقة يحرك جون أيضا الجزء العلوي من جسده عدة مرات يسارا ويمينا.
ويتضح من خلال هذه التمارين أن برنامج "التأهيل الشخصي" يمكن أن يكون مهما بالفعل خاصة في أمراض العظام. فهناك تمارين يعتمدها هذا النظام تكون مناسبة للمرضى الذين يعانون من تصلب في الكتف أو لأشخاص خضعوا لعمليات جراحية في الفخذ أو الركبة. ويضيف جون أن هذا البرنامج يمكن أن يستعمل أيضا في إعادة تأهيل الأشخاص الذين أصيبوا بجلطات دماغية.
وأظهرت أولى الدراسات التي قام بها الباحثون عند اختبار بعض المرضى لهذا البرنامج، أن التعامل مع هذه التقنية بسيط للغاية. ويؤكد برنرت أن 90% من المرضى وجدوا سهولة في استخدام هذا البرنامج، وهو ما وجده أيضا المتقدمون في السن والأشخاص الذين ليست لديهم خبرة كافية في التعامل مع الحاسوب. ولكن قبل طرح البرنامج في الأسواق واستخدامه بشكل عملي، يجب إجراء المزيد من الدراسات واختبار فوائده الطبية وتوثيقها.