هل خسر اوباما في سوريا؟

تاريخ النشر: 26/09/13 | 5:41

منذ الاتفاق الروسي الامريكي حول نزع الاسلحة الكيماوية من سوريا نسمع الكثيرين من تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة بالإضافة لحلفائهم في اسرائيل ودول الخليج يتحدثون عن نصر روسي – سوري على الغرب. بعض المحللين في اسرائيل تحدثوا عن ضعف اوباما وسذاجته في التعامل مع ملفات الشرق الاوسط. بعض الكتاب والمحللين تحدث بصراحة عن نهاية التفوق الامريكي في الشرق الاوسط ونهاية السيطرة الاحادية القطب للعم سام في العالم اجمع.

ان الحديث المبالغ فيه عن انتصار الحلف الروسي السوري في معركة "الكيميائي" هو نتاج لتحريض اعلامي من قبل اعداء النظام السوري المستعدين لدفع اي ثمن لإسقاطه. بعد تهديدات اوباما, فرح اعداء النظام السوري من الاسرائيليين والانظمة الاقطاعية في الخليج وتركيا, لكنهم لم يأخذوا بعين الاعتبار المصالح الامريكية, فقد ظنوا ان الولايات المتحدة ستنفذ مطامعهم دون مقابل بالرغم من ان التاريخ الامريكي يؤكد ان الولايات المتحدة كانت دائما هي اول المتنازلين عن حلفائها من اجل مصالحها.

اول انجاز حصدته الادارة الامريكية من الاتفاق "الكيماوي" هو التجريد الكامل لسوريا من الاسلحة الغير تقليدية دون ان تطلق رصاصة واحدة. في خطابة الشهير في برلين عام ٢٠٠٨ تحدث اوباما عن نزع الاسلحة النووية والكيماوية في العالم تمهيدا لعالم خال من النووي وبعد تجريد العراق في التسعينات وليبيا في العقد الاخير من اسلحتها ها هي سوريا تتجرد ايضا. نجاح اوباما يعتبر باهر مقارنة بالكوارث الذي صنعها سلفة جورج بوش في العراق وافغانستان حيث قتل الملايين من المواطنين العزل وكسرت هيبة امريكا امام العالم دون انجاز يذكر لصالح بلادة.

الاتفاق الكيماوي مع روسيا مكن حليفة الولايات المتحدة , اسرائيل, من الحصول على اكبر انجاز جيو استراتيجي لها منذ تدمير مفاعل تموز النووية في العراق عام ١٩٨١. ان الاسلحة السورية كانت تعتبر ند للنووي الاسرائيلي ومع تجريد الدولة السورية من اسلحتها الكيماوية بقيت اسرائيل الدولة الوحيدة في منطقة الهلال الخصيب تمتلك اسلحة غير تقليدية. فبالرغم من ان الاسلحة الكيماوية السورية صنعت في فترة آل الاسد الا ان هذه الاسلحة كانت ملك للشعب السوري اجمع والذي دفع ثمنها من اموال ضرائبه لتمكين مصالح سوريا الاستراتيجية. وبحسب الاتفاقية لن تعاد هذه الاسلحة للشعب السوري بعد انهيار النظام وهذا يعتبر انجاز اسرائيلي لا مثيل له بتاريخ المنطقة الحديث.

لقد نجح اوباما في هذا الاتفاق على تأكيد تفوق سياسته التي ينتهجها امام الرأي العام الامريكي. اوباما هو ابن مدرسة "الدبلوماسية العنيفة" في داخل الحزب الديمقراطي . هذه المدرسة الفكرية تفضل العمل الدبلوماسي امام الخصم لكن بلغة تهديدية وعنيفة, منظر هذة الدبلوماسية الرئيس الامريكي ثيودور روزفيلت صاحب المقولة الشهيرة " تحدث مع العدو بهدوء ولكن احمل معك عصا غليظة". وهذا ما فعلة اوباما حيث تحدث بهدوء حول نزع الكيماوي السوري مع التخويف في امكانية ضربة عسكرية فحصل على مرادة, واخر الاستطلاعات تؤكد دعم الشعب الامريكي لطريقة تعامل رئيسهم مع ازمة الاسلحة السورية.

نجاح سياسة اوباما في سوريا اثرت على القيادة الايرانية ايضا حيت بدأت تصل واشنطن رسائل معتدلة من طهران تتحدث عن السلم والتوافق ومنع المنطقة من الانجرار لكوارث محتملة. بعض المصادر الامريكية تحدثت عن تبادل رسائل بين الرئيس اوباما ورئيس ايران الجديد حسن روحاني. هذا يعتبر تغير في التوجه الايراني وينم عن معرفة ايران ان الولايات المتحدة قد عادت للشرق الاوسط عبر البوابة السورية ويجب التعامل مع امريكا كقوة ذات وزن في المنطقة.

ان التحولات الكثيرة في الملف السوري في الاسابيع الماضية تدل على تحولات جذرية في الحرب. فبعد مذبحة الغوطة الشرقية في اب المنصرم حصل تغيران مهمان يصبان في مصلحة الولايات المتحدة, حيث تم الاعلان في اسطنبول عناقرار انضمام المجلس الوطني الكردي للائتلاف الوطني السوري السوري المعارض. المجلس الكردي يعتبر حليف للولايات المتحدة ومحارب شرس ضد الجماعات الاسلامية المقاتلة في سوريا فانضمامه يقلل من مخاوف امريكا تجاه طبيعة المعارضة السورية المسلحة. اما التطور الثاني فهو رسالة زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري لأنصاره في سوريا بعدم التعامل مع القوة العلمانية المقاتلة هناك. لقدت انتظرت الولايات المتحدة الفرصة لتميز بين حلفائها واعدائها داخل المعارضة السورية وخطاب الظواهري مكنتها من ذلك. حيث اصبح من الممكن الان التحدث عن قوات صحوة سورية مدعومة من الغرب لتحارب النظام وتنظيم القاعدة في ان واحد.

لكن اكبر انجاز امريكي من الاتفاق هو تجنيد غريمتها التقليدية روسيا في لعبة الامم السورية . حتى الان روسيا كانت شريك فعال في الحرب السورية دون الاخذ في عين الاعتبار مسؤولياتها . فمنذ بدء الازمة بعثت روسيا مئات الملايين من قطع الاسلحة للنظام السوري تقدر بمليارات من الدولارات, تجريد الاسلحة سيوقف هذه العملية نسبيا. تشريع استخدام البند السابع في مجلس الامن و الذي يجيز استعمال القوة العسكرية من جانب الامم المتحدة في حال تعاون سوريا في نزع سلاحها الكيماوي يعتبر ضربة كبرى لروسيا وبالإمكان استعماله من طرف الولايات المتحدة مستقبلا. والان افتتحت الطريق لعقد اجتماع جنيف 2 وامكانية انهاء الحرب في سوريا مما يمهد للسياسة الخارجية الامريكية ان تستثمر وقت اكثر بملفات اخرى كعملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية والانسحاب من افغانستان في العام القادم.

الاعلان عن الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا في جنيف الاسبوع الماضي هي فقط نقطة البداية في عملية تجريد سوريا من اسلحتها والتي من المفروض ان تستمر لعام على الاقل. سيحاول النظام السوري وحليفة الروسي المراوغة في هذه العملية كضمانة ضد اسقاط النظام, لكن دون ادنى شك تحولات الشهر الاخير لربما انقذت النظام السوري من ضربة في الوقت الحالي لكنها ضمنت سقوطه على المدى المتوسط. فبعد تجريده من أسلحته الكيميائية من جهة وبعد "تطهير" المعارضة المسلحة من تنظيم القاعدة من جهة اخرى ستنقلب الموازين كليا لصالح الولايات المتحدة, والخاسر الوحيد كما هو منذ عامين ونيف, الشعب السوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة