قراءة في ديوان ” فوضى البدايات “

تاريخ النشر: 23/03/16 | 0:08

وجهتي النقديةُ هي ليست وجهةٌ علميةٌ مدروسةٌ: بل النقد بموجبِ المدرسةِ الانطباعيّةِ – أي بمنظارِ القارئ العادي وانطباعاتِه. فقد قرأتُ في الشهر الفائتِ ديوانَ فوضى البدايات للشاعرِ هاشم ذياب الصادرِ عن دار “مجد” الحيفاوية للنشرِ وهو يحوي في طيّاتِه 58 قصيدةً, وقد قامت بمراجعتِه لغويًّا الكاتبةُ الواعدةُ خلود فوراني – سرّية وقامَ بتصميمِه وإنتاجِه الفنانً ظافر شربجي .
أعجبني الديوانُ من أولِ نظرةٍ و من أولِ قراءةٍ: لأن النظرَ اليه مريحٌ للعينِ بسبب التصميمِ الغرافي الراقي حيث أخذ كلَّ القيمِِ النصيةِ (الخطوط) مهتمًّا بأوزانِ النصِّ, تقريبها وأبعادها عن العنوانِ وعن بعضِها البعض . الفراغُ بين الأسطرِ مريحُ, وتمّ الأخذُ بجميعِ المعاييرِ للخطوطِ ونقلِ المعلومةِ .
لوحةُ الغلافِ “يوم الأرض” من رسمِ الفنانِ الشاعرِ هاشم ذياب جميلةٌ ومعبّرةٌ وتتماثلُ مع قصائدِ الديوانِ آخذةً بعين الاعتبارِ القيمَ الجماليةَ للتصميمِ الحاضرةَ على كل صفحاتِ الديوانِ.
قرأتُ الديوانَ بشغفٍ وهذا دليلٌ على أنه شدّني وشوّقني لطريقةِ عرضِه وموضوعِه .
كي تكونِ أديبًا وشاعرًا في يومِنا هذا, عليك أن تكون مثقّفًا, ولأن تكون مثقّفًا , عليك ان تكون قارئًا ثم قارئًا ثم قارئًا , وهاشم نِعمَ المُثقّف – حيث أخذني معَه بسلاسةٍ ولباقةٍ ودون تكلّفٍ إلى عالمِه في ملحمةٍ شعريّةٍ .
روّضَ هاشم الاسلوبَ النثريَّ في القصيدةِ والموسيقى الداخليةَ وبذل قُصارى جهدِه وفوضويتِه ليبحرَ بين عشقِه للأرضِ والحريّةِ والوطنِ ليهزَّ القضبانَ ويحطّمَ القيودَ مضمونًا وأسلوبًا, متمرّدًا جميعِ القواعدِ والمنظوماتِ.
هاشم يصرخُ متمردًا على التكلّسِ والتقوقعِ الفكريِّ والعقائديِّ والبكاءِ على الأطلالِ “كي لا يكونِ ما كانَ” لأنّه قلقٌ وثائٌر على طريقتِه مخاطبًا سكانَ التوابيتِ ليوصلَ صرختَه المدوّيةَ إلى روضتِه “الشهيدة” مجلجلًا “لا تخرسوا !”.
يحاولً هاشم عبرَ ديوانِه مخاطبةَ كلِّ رفاقِ دربِه ويصيحُ عاليًا “هل هناك من يسمع ؟” ناحيًا منحى الأمميّةِ والعَولمةِ بفوضويّتِه المفرطةِ ومناديًا على الشهيدِ والناصريِّ لمرافقتِه في رحلةٍ أبديّةٍ حاملًا جملَ محاملِه فتتناثرُ قصائدُه على بابِ وطنِه المنشودِ لتخلّي رفقَه عن اللحاقِ به والتحليقِ معَهُ.
حلّقتُ وهاشمَ في رحلةٍ عشقيّةٍ موجعةٍ ومؤلمةٍ في قيلولتِه عبرَ حفلةِ الشايِ و”نوايا” ليطيحَ بي من علٍ بفوضويّةٍ راميًا بعرضِ الحائطِ تشرذمَ الأمةِ العربيّةِ وحكاّمِها و”ربيع العري والعار” موجهًا رسالتَه ومعنونًا صرختَه إلى الأممِ المتّحدةِ مباشرةً متخطيًا تلك الرؤوسَ ليقولَ ويجزمَ “هذا ليس صراعَ حضاراتِ”.
روّضَ هاشمُ الأسطورةَ في شعرِه خادمةً فكرةً أرادَ إيصالَها بفوضويّةٍ ونجحَ بمهارةٍ دونَ مواربةٍ ورياءَ صارخًا صرخةَ مظفرِ النوابِ لآذانِ الامّةِ العربيّةِ وقادتِها عابرًا سجناءَ الحريّةِ ومعاناتِهم , مرورًا بغزةَ هاشمِ الباحةَ لشبقِ الغريبةِ كافرًا بالجهلِ وقوّاديِه وسماسرتِه.
هاشم بعروبيّتِه لم ينسَ اليمنَ ومآسيها باحثًا “عن معنَى .. للعروبةِ” عند قارئةِ الفنجانِ فوجدَ أن “ليل العربِ … طويلٌ !؟” وأخيرًا التقى ضالّتَه المفقودةَ في “تابوت سفر” حين “قامَ الشهيدُ” !!!
صالَ هاشمُ وجالَ في مرثيّاتِه لمن فقدَ : روضة وجول والقس شحادة شحادة بفوضويّةٍ محمولةٍ حاملًا رسالةً موقوتةً تنزفُ حزنًا وغضبًا ساخطًا مشتعلًا علّها تنيرُ دربَ الأجيالِ القادمةِ ليكملوا المسيرةَ.
للمرأةِ حضورٌ مميّزٌ عبرَ قصائدِ الديوانِ, كأنثى وأمٍّ وحبيبةٍ وعشيقةٍ وشهيدةٍ !! فهاشمُ نصيرُ المرأةِ , تحدّى التابوهاتِ المتوارثةَ بجرأةٍ تُميّزُ هاشمَ عبرَ قصائدِ ديوانِه ثائرًا ناقمًا على كلِّ من له عَورةٌ.
هاشمُ في ديوانِه حاولَ قدرَ المستطاعِ الابتعادَ عن المدرسةِ الدرويشيّةِ, الأدونيسيةِ والقبانيّةِ , و لا عيبَ في هذا , خاصّةً انّ هذا الديوان باكورةُ إصداراتِه, ونجحَ في ذلك وتشفعُ له النكهةُ الكنفانيّةُ في رائعتِه “عائد إلى حيفا”.
وأخيرًا , تماشيًا مع لغةِ العصرِ وفوضويّةِ هاشم ذياب : حبّيتْ !!!

المحامي حسن عبادي/ قارئ قرعاوي

14

990

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة