إنطباعات عن مصر الثورة ومعرضها للكتاب

تاريخ النشر: 12/03/16 | 6:52

أبكرتُ اليوم في زيارتي لمعرض الكتاب. وقفتُ في الدور الطويل المؤدي إلى سيارة الإسعاف. حان دوري. سألني الممّرض المسؤول عن هويتي. أجبته: فلسطيني. قال: فلسطيني وتريد ان تتبرع بدمك لمصر. إحنا يا بيه اللي يجب ان نتبرع بدمنا لفلسطين. أجبته: دمنا واحد وقضيتنا واحدة. نتبرع لمصر فننصر فلسطين. نتبرع لفلسطين فننصر مصر. قال: ما يصحش يا بيه أنت ضيفنا. أجبته: منذ متى أصبح العربي ضيفا في مصر؟ هذه بلدي مثلما هي بلدك.
طال حوارنا. قلت له: عاوز أعملك اعتصام في “ميدان” سيارة الإسعاف حتى توافق؟ ضحك وأجاب: بلاش إعتصامات. تكفينا ثورتان. عاوزين نعمّر البلد من جديد. انشاء الله بترجع فلسطين وبتعمّروها. قلتُ: بتعمر فلسطين إذا عمرت مصر. ولن يشاء الله الا اذا شئنا نحن ومصر.
تبرّعتُ. شعرتُ أني أفتى وأقوى وأوسع انتشاراً جغرافياً, وانتمي لأمّة تمتد من المحيط إلى الخليج. وأنه بتواصلي مع أمتي, عن طريق التبرع بالدم, لم أعد محاصَراً ومختنقاً في وطن صغير جرى اغتصابه وترجمته للعبرية وتهويده وأسرلته وصهينته. وأصبحتُ فيه أنا “الفتى العربي” صاحب المكان “غريب الوجه واليد واللسان”.
في حضرة قوّات الأمن…
دُعيتُ أمس لتقديم مداخلة في ندوة نظّمتها السفارة الفلسطينية في القاهرة. إحتضنني الحضور, من فلسطينيين ومصريين! اليوم مساءً انا مدعو لمقابلة مطوّلة في إحدى محطات التلفزيون المصري الشهيرة. ألتغت المقابلة قبل ساعات من موعدها. لأن قوّات “الأمن – المخابرات” رفضت إعطائي فيزة دخول لمبنى الإذاعة والتلفزيون لأني أحمل جوازاً – (هويّة) اسرائيلياً. طلبوا مني, معتذرين, أن أتفهم الأمر. لم أفهم ولن أتفهم مبرّرات هذا الرفض.
طلبتُ ممّن تحدث معي أن يوصل هذه الرسالة لقوات الأمن ولمكتب رئاسة الجمهورية ولوزارتي الخارجية والداخلية وللسفير المصري في تل ابيب (وها انا أكررّ طلب إيصالها ممّن يقرأها هنا أيضا): كيف يجوز أن تأخذ السفارة الأسرائيلية فيزة إقامة في القاهرة, ويُمنْع العربي الفلسطيني المفروضة عليه الهويّة الاسرائيلية من دخول مبنى لإجراء مقابلة سيفضح فيها الوجه الحقيقي لسياسة اسرائيل تجاه العرب عموما, وعنصريتها تجاه مواطنيها من فلسطينيين عرب.
ألا فاعلموا يا حرّاس أمن العرب, اني لستُ انا ولا المليون ومائتي ألف فلسطيني الباقين في وطنهم رغم اسرائيل, هو الذي اختار جواز السفر الاسرائيلي. خيانة وعجز الرجعية العربية (الانظمة لا الشعوب), من المحيط الإسنِ الى الخليج الفاسدِ, هي التي فرضت الجواز الاسرائيلي عليّ.
ثم رجاءً أن تُبلغوا باسمي قوات الأمن, أن كل يقظتهم الأمنية لم تمنع اختلاط دمي بدمهم… إذ تبرعتُ بالدم لمصر في معرض الكتاب. ودمي باق في مصر جواز سفر وفيزة مفتوحة دائمة لعروبتي الدائمة ولتواصلها وامتدادها من المحيط الهادر الى الخليج الثائر.
في حضرة الثورتيْن…
تصادف وجودي في مصر مع حلول الذكرى الخامسة لثورة يناير 2011. لذا كان من الطبيعي ان تفور النقاشات في وسائل الإعلام وفي الندوات وأحاديث الناس عموماً, حول تقييم تلك الثورة ونتائجها ومن ثمّ مقارنتها بثورة يونيو 2013 وبنتائجها.
يكاد يُجمع المصريون على تعظيم الثورتيْن, من ناحية الحراك الجماهيري الشعبي الواسع, وبخصوص المطالب والقيم التي جرى طرحها: الإطاحة بالنظام القديم والمطالبة بالديمقراطية وبالمواطنة المتساوية وبالعدالة الاجتماعية.
تمتلىء الكتب والصحف المصرية ومراكز الأبحاث, وكذلك الدوائر الرسمية المختصة للدولة, بكم هائل من الوثائق والمستندات والتسجيلات والبروتوكولات وملفّات التحقيق… التي تُثبت, دون أدنى شك, وجود قوى داخلية وأخرى خارجية تآمرت على ثورة يناير وعملت على حرفها عن مسارها ومن ثم اغتصابها. بمن فيها السفارة الأمريكية وسفارات بعض الدول الاوروبية ومن يرتبط بهما ويأتمر بأمرهما من بعض أطر وجمعيات مدنيّة تُعنى “بالديمقراطية” و “بحقوق الإنسان”. ولا ننسى “الإخوان المسلمون” الذين وقفوا ضد الثورة في أسبوعها الأول واعتبروها “لعبة عيال”. لكن حين تأكدت لهم إمكانية انتصارها والاستيلاء عليها… ظهروا في الميدان.
ما أوردناه أعلاه لا ينفي لا عدالة مطالب الثورة الديمقراطية والاجتماعية ولا أن الجماهير الشعبية غير المنظمة هي التي صنعتها, ولا إنجازها الأكبر بالإطاحة بنظام مبارك, وفتح الطريق لإعادة بناء مصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
يقول المصريون عن حُكم الإخوان بعد إستيلائهم على الثورة وتزويرهم الانتخابات, إنه حُكم ظلامي وظالم, ونحن لم نقم بالثورة لبناء دولة شريعة بل ضد لا شرعية نظام مبارك. لقد استملك الإخوان مصر كلها وهيمنوا على مؤسساتها ومرافقها, وحصدوا لذواتهم ولأتباعهم كل المكاسب والمناصب والمغانم, وأرادوا “أسلمة” البلاد وفق “دينهم” الإخواني وكأنّ مصر ليست بمسلمة. فرّقوا ونشروا العداوات بين الناس, وشوّهوا البلد وثقافتها, وحلبوا ثرواتها, واحترفوا الطائفية وجعلوا منها ومن جني الذهب مذهباً, ولم ينفّذوا أي مشروع تنموي وتطويري لصالح مصر وأهلها. وجعلوا من سيناء ثكنة ومجّمعاً إرهابياً عالمياً. واستعدوا لاقتطاع أجزاء من الوطن ومنحها لحماس لاقامة إمارة إسلاموية إخوانية على حساب فلسطين ومصر. وصل الأمر بهم إلى حد استعدادهم لتأجير / لتسليم / قناة السويس إلى قطر, بعد أن كانوا قد سلّموا انتصار الثورة… للقرضاوي إياه.
ويبقى أجمل وأعمق ما سمعته من تقييم (حسب رأيي) عن الثورتين, قول شاب مصري لي شارك في الثورتيْن: “ثرنا في الأولى ضد العملية التخريبية لحكم مبارك بإفساده واختطافه لمصر. وثرنا في الثانية ضد العملية التخريبية للإخوان بأخونتهم وباختطافهم لمصر. الثورتان كانتا عادلتيْن وبهدف استرجاع الوطن لأصحابه. نأمل ألاّ يضطرنا حكم السيسي للتخطيط لثورة ثالثة. يظهر حتى الأن أنه لن يضطرنا…”.
في حضرة البطريركية القبطية…
تجوّلْتُ في مرافق وكنائس ومكتبات مقر البطريركية القبطية وفي الكاثدرائية المرقسية الكبرى في حي العباسية. للمسيحية القبطية نكهة خاصة. الكنيسة تعبق بمصريتها و “بتتكلم عربي”. هذا واضح في عمارتها وهندستها والوانها, وفي ثيابها وتقاليدها ولهجتها ولغتها وتواضع كهنوتها. الأقباط هم أبناء صعيد مصر وصحاري مصر وفقراء مصر.
لا يوجد دين إسمه الدين القبطي. هم مسيحيون أرثوذكس بغالبيتهم. وكلمة أقباط مشتقة من كلمة “إغيبتوس” – الإسم القديم لمصر. هم المصريون القدماء – ألْغيبتوس / الأقباط. لذلك كنتُ أُسْتَفَز علمياً حين أسمع أحداً من “إخوان” مصر يريد أن يتباهى “بإنسانيته وإنفتاحه وعدم تعصبه” فيقول: نحترم ضيوفنا الأقباط. والضيف طبعاً محدود الإقامة وقد تكون إقامته ثقيلة وغير مرغوب بها. وهي إقامة مؤقتة, لا إقامة دائمة لصاحب ومالك المكان – الوطن.
“ضيوفكم”؟! أم أننا نحن العرب ضيوفهم منذ أن أفتتحنا – احتللنا – مصر في آواسط القرن السابع الميلادي, وهم المتواجدون هناك أصحاب المكان منذ 7 آلاف سنة قبل الميلاد؟ هؤلاء الأقباط إستضافوا الفتح العربي الإسلامي لبلادهم بالترحاب والأهازيج. إذ خلّصناهم هم الشرقيين من التحكم الغربي الإستعماري اليوناني – الروماني, بما فيه هيمنة الكنيسة الغربية عليهم وعلى لاهوتهم الذي اختلف عن لاهوت الكنيسة الرسمية. وهؤلاء الأقباط تعرّبوا طوعاً وأصبحوا مع عبور القرون عرباً متعصبين للعروبة ولمصرهم العربية.
إستقبلني الأنبا موسى في مقرّه في “دير الملاك”. ستكون لي في المستقبل لقاءات أخرى معه وسأكتب عنها. أكتفي الآن بالكتابة أنه حين أبديتُ تقديري لمدى مصرية ووطنية وشعبية الكنيسة القبطية, أجابني الأنبا مستشهداً بما قاله البابا شنوده: “إحنا ما بنعيش في مصر. مصر هيّي اللي بتعيش فينا”. وكان المرحوم البابا شنوده قال أيضا: “لو كان الإسلام شرطاً للعروبة لكنا أسلمنا”.
هذا هو موقف الكنيسة القبطية. فهل تتعلم منها بعض كنائس في شرقنا العربي تخنع لهيمنة يونانية أو غيرها… فتعيش في أوطانها وتعيش أوطانها فيها؟ هذه هي رسالتي “المسيحية” التي عدت بها من البطريركية القبطية.
اما رسالتي “الإسلامية” التي عدت بها فهي: متى سيتعلم “إخوان” مصر المتأسلمين فهم الدين الاسلامي على حقيقته كدين يدعو للمعروف وللتسامح, ويكفّون عن التشويه لدينهم, والتطاول على حق الأقباط في المساواة التامة في وطنهم في كل المجالات إلى جانب الإعتزاز بمسيحيتهم؟
أنصح “الإخوان المتأسلمين” أن يتلقوا عند الأقباط دروساً عن وحدة الأديان وتسامحها, وأخرى عن العروبة والوطنية. لقد صرّح مُرشدهم (اقرأ/ي: مضلّلهم): القومية بدعة نصرانية. وعبد الناصر أرذل خلق الله أجمعين. والوطن هو الاسلام… وطُز في مصر.عارٌ ألاّ يُكَفرِّ الأزهر هكذا مرشد يقوم بتكفير وطنيي مصر!
في حضرة رفعت السعيد…
المؤرخ الدكتور رفعت السعيد يعرف تاريخ مصر وحركتها الوطنية كما يعرف الانسان ذاته. هو العالم العلماني وهو المكافح الميداني الذي لم تزده السجون إلا صلابة وإصراراً على الإنتصار لمصر ولجماهيرها الشعبية. هو كهل عمراً لكنه ما زال شاباً في إتقاذ فكره النيّر وفي حماسته. هذا ما تراءى لي بعد دقائق من لقائي به واستماعي لحديثه, في مكتبه في مقرّ حزب “التجمع”, علماً بأنّ د. رفعت هو رئيس الحزب. وخلّف للمكتبة الوطنية التقدمية واليسارية العديد من المؤلفات والأبحاث وألاف المقالات.
يقول د.رفعت: الناس الغلابة هي التي صنعت مأثرة ثورة يناير 2011, “مش ولاد الشبكة العنكبوتية” كما أراد البعض أن يوهم. هنالك فطريات ظهرت فجأة / أو أظهروها … لحرف الثورة عن مسارها. لقد تآمرت على الثورة قوى داخلية وأخرى خارجية, بما فيها سفارة دولة عظمى. وكذلك جماعة الإخوان.
لكن, هنا يعلو صوت المناضل رفعت, مصر هي التي ثارت. والإنجاز لأول لثورة يناير هو الإطاحة بنظام مبارك وفتح الباب لتحصيل الحقوق وانتزاعها بالكفاح المدني الجماهيري. أما الإنجاز الثاني فهو كشفها لحقيقة الإخوان السياسية ولحقيقة “إسلامهم”. إذ باغتصابهم للثورة بممارستهم في رئاسة البلاد وإدارتها… كشفوا حقيقة أمرهم, فانفضّ عنهم المصريون واسقطوهم.
بناءً عليه – يتابع د. رفعت – الإنجاز الأكبر لثورة يونيو 2013 هو تخليص مصر والعالم العربي من كابوس حكم هذه الجماعة الأرهابية (الإخوان). لم يطالب ملايين المصريين بإسقاط الرئيس – “الواد مرسي هذا الغبي اللي بيشتغل عند خيرت الشاطر”, وانما هتفوا: “يسقط حكم المرشد”.
أقول للدكتور رفعت: ولكن يدّعي البعض أنه جرت الإطاحة بحكم الإخوان عن طريق إنقلاب عسكري. يجيبني “بمحاضرة” عن دور الجيش في تاريخ مصر وأنحيازه لصالح الناس حين ينتفض هؤلاء بمئات ألوفهم وينزلون للشارع. ويضيف: حين إنحاز الجيش لصالح الثوار في الميدان في يناير 2011, وطلب من مبارك أن يستقيل وأرسله إلى منتجع في الشرم, هتف الجميع – (أيضاً تلك الفضائية ومعلقوها وبتوع الديمقراطية وأعداء العسكر اليوم): الشعب والجيش إيد واحده.
أما في يونيو 2013 فاصبحوا ضد العسكر بحجة الديمقراطية. هذا رغم أن ميادين مصر فاضت ببحر بل بمحيط من الجماهير. ثلث سكان القاهرة نزلوا للشارع. ثلث سكان مصر – 30 مليوناً – ملأوا ساحات وميادين مدنها وبلداتها. وهذا العدد يفوق بما لا يقاس وبعشرات الأضعاف – عدد الذين شاركوا في ثورة يناير. الجيش طلب من مرسي أن يعلن تقديم موعد الانتخابات للرئاسة. هو رفض وأنزل جماعته – إخوانه للأعتداء على الناس في الميادين. توقفت الحياة في مصر. وكادت البلاد تحترق أمام خطر حرب أهلية إرهابية سيشعلها الإخوان للحفاظ على حكمهم.
عندها – يتابع د. رفعت – إضطر الجيش للتحرك واعتقل مرسي وعزله. لكنه لم يستلم الحكم, بل سلّمه لرئيس المحكمة الدستورية العليا, ولحكومة مدنيّة انتقالية أعدّت لانتخابات ديمقراطية. لقد تحرك الجيش باسم الشعب ولصالح الشعب وللإنتصار للديمقراطية الشعبية. الملاييين في الميادين ألزمته بالتحرك. ولَوْ لم يتحرك لكفّ عن كونه جيشاً وطنياً. الا فليخجل هؤلاء الدكاترة والمفكرين وادعياء الثقافة والوطنية… الذين ينظّرون وفق ما يُدْفَع لهم, لا وفق ما تفرضه عليهم الحقيقة.
في حضرة جمال عبد الناصر…
أقف أمام قبرك خاشعاً يا جمالنا وناصرنا, جئتك مودّعاً. غداً باكراً سأعود لوطني. لم آتيك اليوم, كما جئتك قبل 30 عاماً, لأشكرك معدداً ما أنجزته لشعبك ولأمتنا العربية جمعاء من إنجازات تضاهي بعظمتها أهرام مصر. جئتك اليوم مودّعاً – معاتباً.
أخطأتَ يا ناصرنا في حل الأحزاب الوطنية واليسارية بعد ثورتك. وأخطات إذ سمحت لبعض عناصر قادة الجيش والمخابرات والأمن أن تعيث فساداً وظلماً في مصر. أخطأت بسماحك للجهاز المنتفع بالإغتناء والتخريب على حساب القطاع العام والإصلاح الزراعي. وأخطأت بالسماح بالتعديات على الحقوق الديمقراطية. أخطأت بتسرعك في خوض حرب حزيران 1967 وفي عدم تقديرك أن الهزيمة (التي ما زلنا نعاني من آثارها) ستكون نتيجتها. وأخطأت في عدم بناء حزب طليعي يصون الثورة ويعّمقها بوجودك وفي غيابك. أخطأتَ في اختيار خلفٍ لك…
يقول محبوك, وأنا منهم, أنك لم تكن على علم بكل ما كان يفسده ويخرّبه الآخرون في أجهزة ومؤسسات ودوائر الدولة وجيشها. نصدّق هذا. لكن على القائد أن يعلم. وإن لم تعلم… فهذا يُضاف إلى أخطائك .
نعاتبك يا معلمنا حتى نتعلم منك بعد مماتك الدروسَ من تجربة حياتك. نعاتبك وعيوننا متجهة نحو الأحزاب الوطنية المصرية وأطر ومؤسسات المجتمع المدني المصري, ونحو الرئيس السيسي وشركائه في الحكم… آملين أن يعوا جميعاً تجربتك ويأتونك جميعا للتعلم منك – من إيجابياتك وسلبياتك. فأنت كنتَ وما زلتَ القائد المعلم. أرقد مطمئنا, مصر صنعت ثورتيْن لمواصلة ثورتك.
في حضرة الوداع – اللقاء
أقلعت الطائرة من مطار القاهرة. أنظر من شباكها … جميلة جذّابة أنتِ يا قاهرة, يا مصر. يشتاق الإنسان للبقاء فيك وهو يفارقك. وتبقين فيه وهو يغادرك.
لماذا نحبك يا مصر كل هذا الحب وأكثر؟ أبسبب حضارتك وتاريخك الفرعوني العريق قبل الميلاد بألاف السنين, أم لتاريخك اليوناني والروماني, ومن ثم الحضاري العربي الاسلامي في العصر الوسيط؟ أم هي نهضتك في التاريخ الحديث وثورة ناصرك – ناصرنا وما زرعته فينا من أحلام وأماني؟ أم أن حبنا يعود لإبداعاتك الثقافية والأدبية والفنيّة, ولأغانيك ومسرحياتك وأفلامك المصرية؟ أو بسبب افتتاننا بدماثة وبساطة وخفة دم شعبك ولسانه ونكاته. تعددت الاسباب والحب واحد. كما يظهر نحن نبحك يا مصر لأنك مصر, لأنك كل هذا.
ابتعدت الطائرة. غابت مصر منظراً جغرافياً. بقيت في الذاكرة والقلب نقشاً أبدياً. لا نقول لك يا مصر وداعاً, بل إلى اللقاء. واسمحي لنا نحن جيل الأبناء الذي شبّ على خطابات عبد الناصر وقرأ كتابه “فلسفة الثورة”, ان نناشدك ان أكملي رجاء تأليف كتابك… عن صيانة ثورتك وتعميقها. فتنتصرين لذاتك وتنصرينا.
نحبك يا مصر, لو تعرفين كم!

سميح غنادري

sme7ghandre

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة