شليوط: نردد معك يا سلمان “ما أنا إلا الصوت الذي ظل في الذاكرة”

تاريخ النشر: 21/02/16 | 18:17

وقع علينا نبأ وفاة الكاتب المبدع سلمان ناطور يوم الاثنين الماضي كوقع الصاعقة، وكان كل من يسمع هذا النبأ يتوقف للحظات حتى يستوعب هذا المصاب الجلل. فهل يمكن اختزال الذي شارك بإدارة وتأسيس العديد من المؤسسات الثقافية والجماهيرية بلحظة وكأن شيئاً لم يكن؟ فهو شارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات العربية، بينها: إتحاد الكتاب الفلسطينيين في حيفا، مركز إعلام للمجتمع الفلسطيني، حلقة المبدعين العرب واليهود ضد الاحتلال ومن أجل السلام العادل ، جمعية عدالة، جمعية تطوير الموسيقى العربية، ومعهد الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية على اسم اميل توما بحيفا.
وهو الذي مثّل الثقافة الفلسطينية في العديد من المؤتمرات والمهرجانات العربية والأجنبية، وهو الذي كتب وأصدر: ” وما نسينا”، ” أبو العبد في قلعة زئيف 1980″، “أنت القاتل يا شيخ”، “الشجرة التي تمتد جذورها الى صدري”، “كاتب غضب”، “خمارة البلد”، “دائرة الطباشير الفلسطينية”، “ذاكرة”، “سفر على سفر”، “رحلة الصحراء”، “هي أنا والخريف”، “آراء ودراسات في الفكر والفلسفة”، “ما وراء الكلمات”، “ساعة واحدة وألف معسكر”، “حكاية لم تنته بعد”، “يمشون على الريح”، “طائفة في بيت النار”، “من هناك حتى ثورة النعناع”، “ثقافة لذاتها”، “هل قتلتم أحداً هناك؟”، “أريحا.. رحلة يوم وعشرة آلاف عام”، “فلسطيني على الطريق”، و”الإعلام الاسرائيلي والانتفاضة”. وفي مجال أدب الأطفال كتب : “فقسوسة”، “دكدوك”، “شرقشند”، و “شيكي بيكي”. وفي مجال المسرح كتب: “المستنقع”، “موّال”، “هزّة الغربال”، “هبوط اضطراري”، “ذاكرة”، “رحلة الصحراء الأولى”، و “سفر على سفر”. وفي مجال المسرح أيضاً ترجم وأعد المسرحيات التالية: “المتاهة” عن رواية سامي ميخائيل، “الحارس” للكاتب المسرحي هارولد بنتر، ومسرحية “طريق الآلام” لديفيد هير. وأعد وترجم عن اللغة العبرية: “الزمن الأصفر” لدافيد غروسمان، “أحاديث في العلم والقيم” ليشعياهو لايبوفيتش، “عادة للريح” مجموعة قصص قصيرة لسبعة كُتّاب عبريين، “لمن ترسم الحدود” قصص اسرائيلية، “من بياليك الى عميحاي” قصائد اسرائيلية، دراسة تاريخية لميخائيل هرسيغور بعنوان “اسرائيل/ فلسطين ، الواقع وراء الاسطورة”، “قصص اسرائيلية”، “ما أروع هذه الحرب” كتاب عن العسكرة في المجتمع الاسرائيلي لدان ياهف، “جدلية المنفى والوطن” لإيلان غور زئيف، “المسرح الاسرائيلي” لشمعون ليفي.
أصبح موضوع الذاكرة يؤرقه وتحول الى هاجسه اليومي فكتب في مقدمة مسرحيته ذاكرة (رحلة الصحراء الأولى):” تخونني الذاكرة وأفقدها يوما بعد يوم، وقد يأتي يوم أسود فأجد نفسي بلا ذاكرة، مجرّد جسد يتحرك الى لا مكان، أهيم في الشوارع والغابات الى أن يعثر عليّ صيّاد كان يوما رفيق طفولة، فأخذ الحياة على علّاتها واستقى منها فرحها فصان ذاكرته .. ويمسك بيدي، أنا الذي ناطح طواحين الهوا ففقد ذاكرته وصار لا شيء، تماما لا شيء .. ويأخذني الى البيت الذي ولدت فيه ويسلمني الى أهلي، ويعود هو الى أهله ليحدثهم عن شيخ فقد ذاكرته ويقول متفاخرا أمامهم .. لولاي لأكلته الضباع”.
سلمان ناطور من خلال رائعته المسرحية الرائدة “رحلة الصحراء الأولى”، كان ينفض غبار السنين عن أحداث حصلت في العام 1948 بحلوها ومرها، مؤكداً أن الذاكرة سلاح يجب أن نستخدمه في مواجهة الواقع الذي تتم محاولة فرضه علينا. فهذه الذاكرة عبارة عن حكايات بسيطة لكنها تكشف عن عالم كبير، فيه ألم بحجم المأساة وفيه ابتسامة بحجم سخريات القدر وفيه حكمة بحجم العالم الفلسطيني العبثي. انها ذاكرة الكاتب الخاصة، وفي الوقت نفسه ذاكرة شعبه، ذاتية وجماعية، “شيخ فقد ذاكرته فأكلته الضباع”، و”أبو صلاح اللواح جعل من الحطة علما وأغنية الشمالية نشيدا وطنيا”.
كتب عيسى قراقع، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، عن ذاكرة سلمان ناطور فقال :” إنها “ذاكرة” حياة تواجه ذاكرة موتٍ عند الإسرائيليين، فإذا كان الإسرائيليون قد استعمروا هذه البلاد قادمين على أسطورة المحرقة، فإن الفلسطينيين يواجهون الإبادة والنفي بما زرعوه وتركوه من حياة على هذه الأرض المثمرة بالحضارة والتاريخ والثقافة والإنسانية، فلا يحتاج الفلسطينيون إلى خرافةٍ لتأويل أسطورتهم وتبرير وجودهم”.
وكتب الكاتب الفلسطيني أحمد حسين، رئيس الجالية الفلسطينية في برلين عن “ذاكرة” ناطور قائلاً “لقد استطاع ناطور من خلال “ذاكرة” نفض غبار السنين عما خزّنته ذاكرة جيل كامل من الفلسطينيين لم يكّل ولم يمّل، ليكتشف لنا أن في الذاكرة شيء غير وجه الهزيمة والنكبة، إنما الهوية والكينونة”.
كان لنا في مؤسسة الأفق للثقافة والفنون في حيفا شرف مشاركة الكاتب سلمان ناطور مشروعه المسرحي الثقافي الأخير ، وكان لي شرف مشاركته تجربته الفريدة من نوعها، أن قدّم سلمان ذاته على خشبة المسرح بدون وسيط ، فأنتج مسرح الأفق مسرحيته “رحلة الصحراء الأولى”، ضمن مشروع انتاج ثلاثيته: ” رحلة الصحراء الأولى “، “سفر على سفر” و “يوميات حرب ما..”، هذا المشروع الأدبي الثقافي الفني الرائد الذي لم يكتمل، لأن القدر حرمنا هذه المرّة من مشروع ثقافي كنّا ننتظره وكنّا نحتاجه.
إصرار سلمان أن يُقدّم بذاته أعماله المسرحية، وكأنه أراد أن يودّع جمهوره ومحبيه بلقاء مميّز، حميمي من الدرجة الأولى، فكان سلمان خلال عروض مسرحيته يُعبّر عن أحاسيسه ومشاعره على خشبة المسرح، كيف لا وهو مؤلف هذا الانتاج الأدبي الرائع، فهو خير من يعبّر عن هذه الأحاسيس والمشاعر التي كشفتها المسرحية . سلمان أدرك بعد تجربته الغنية في مجال التأليف والكتابة الأدبية، أن المسرح خير من سينشر أدبه الى قطاعات لا يستطيع أن يصل إليها عبر الكتاب، ولكنه أيضاً كان يذهب بشوق بالغ قبل كل عرض مسرحي الى جمهوره، وكأنه عاشق ذاهب لملاقاة محبوبته، أو ناسك متجه الى معبده.
كان سلمان في كل لقاء متجدد مع جمهوره في كل مساء كان يقول لهم بتأثر بالغ :” “لن تكون مسرحية ولن آتيكم ممثلا
إنها خلاصة الحكاية، وما أنا إلّا الصوت الذي ظلّ في الذاكرة
، أم مارست أمومتها حد الجنون وجنرال مارس الجريمة حد الجنون”، إنها سيرة لم تنته بعد، سيكون لها ما بعدها، هكذا أراد سلمان ناطور، الكاتب، المسرحي، المُفكّر والانسان.

111

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة