خطاب تافه!!!

تاريخ النشر: 30/06/13 | 0:00

لم يكن خطاب الرئيس المصري محمد مرسي تقليدي كأي رئيس عربي "ديكتاتوري" آخر، فقد انفرد مرسي بخطاب تفصيلي غير معهود سابقا، وبشكل يتلاءم مع الحقائق والوقائع التي تختبئ تحت تفصيلاتها الصغيرة مصائب وكوارث مصر الكبيرة والحقيقية، فقد استرسل مرسي في صناعة رغيف الخبز وكأنه يعجنه ويخمره ويخبزه حتى يتبين للمشاهد حجم الأضرار والاستغلال التي يتعرض لها رغيف الخبز المصري! كما خاض بلتر البنزين وبشربة الماء وبكيلو الكهرباء، بحيث أوضح للعالم كيف تحدث السرقات الكبيرة التي تتعرض لها مصر، وبحيث نزلت عليه الانتقادات وهو ما زال يلقي خطابه بأن تلك التفصيلات تافهة لا تلائم رئيس عربي، وبالفعل فقد أيدت هذه الانتقادات وأنا استمع للخطاب وأقرأ في ذات الوقت سيل الأحقاد من على صفحتي بالـ فيسبوك، بحيث أنني اعترفت بأن مرسي ليس زعيم عربي بل قائد ثوري بكل ما تحمل الثورة من معنى، لأن من سمات الثورة التغيير، وها هو يتولى هذه المسؤولية من أعلى في محاولة لترسيخ هذا التغيير في كل مؤسسات وقيادات الدولة وميادينها الثورية الحقيقية.

إن نظرتي لمرسي تتعدى ضيق الرؤى الدينية الضيقة، كما أنها تحمل سخطا على الاتجاهات الدينية ومنها بعض التطلعات الإخوانية والتي تشق وتزيد من أعباء مرسي وتعيقه بشبهة، وكأنه قائد لمصر وللإخوان في ذات الوقت، وقد تحدث تجاوزات خاصة في ظل أفق بني على الانتهازية في قالب مصلحة الجماعة والتي ما زال البعض يظن أن فيها مصلحة للإسلام، ولا زلت أذكر بعض تلك التوجهات الانتهازية حينما دعى الكثيرون من حركة الإخوان العالمية إخوان مصر ومرسي على وجه الخصوص بعدم خوض الانتخابات الرئاسية المصرية خشية الأعباء المنتظرة ومن خلال التشكيك بأن قوى عالمية تريد الزج بالإخوان في هذه الفترة الحرجة، وكأنهم يريدونها على طبق من ذهب ودون كد او تعب، لكن مرسي بتحديه أثبت أنه بعيد عن تلك الأصوات الداخلية الانتهازية عندما أنقذ الثورة المصرية من محاولة السرقة خاصة في ظل نتائج الانتخابات والتي تؤكد أن قوى عالمية كانت تعمل في الخفاء ضد مصر الثورة لتجهضها، بدليل حجم الأصوات التي حصل عليها شفيق وذاك الفارق الضئيل نسبيا بين مرسي وشفيق، مما يشير بالدليل أن حمدين صباحي لم يكن انتخابيا في الحسابات كما يصور اليوم على أنه ند لمرسي أو بديل، فبدل أن يراجع الجناح الانتهازي الإخواني موقفهم السابق، وبدل أن يعود صباحي بالشكر والعرفان لمرسي وفق تطلعاته الثورية، رأينا أن صباحي قد عاد بالتحالف التاريخي مع بقايا الفلول كموسى والبرادعي، كما ورأينا ذاك الجناح الإخواني يستبدل انتهازيته السياسية بالاستهلاك السياسي المجتمعي المؤسسي، فانظروا إلى حجم التحديات المعقدة التي وضع فيها مرسي والتي انتجت خطابه بالأمس القريب مشيرا أن حفلات التفاهة تلك مجتمعة ستواجه بالبتر أو بالتعديل الجدي والعملي.

وبعيدا عن المناكفات كوني لست حياديا إزاء الرئيس محمد مرسي، فسأعتبر مفترضا أن مرسي قد فشل فشلا ذريعا في الأمور الداخلية والخارجية، ولكن من قال أن المعارضة يجب أن تقيم حسب هذا الفشل، فهي التي تعمل بالسر والعلن لإفشال مرسي ليس إلا لإثبات الذات وفرض عضلات القدرة، كيف بالإمكان تقييم معارضة فشلت في الوصول لتحدي ومنافسة أحمد شفيق، كيف لمعارضة اجتمعت فيها كل التناقضات الوطنية والقومية والتاريخية في تحالف لا يخدم مصلحة أمة أو وطن؟ ولو أننا قلبنا الحقيقة رأس على عقب ووضعنا صباحي مكان مرسي واعتمدنا دور الإخوان كدور المعارضة الحالية "تمرد"، هل يشك أحد حينها أن السجون لن تمتلئ بالإخوان قيادة وقاعدة تحت مسميات الأمن القومي والمتمثل بأمن الرئيس كحقيقة قومية سالفة!

لقد وقع حمدين صباحي ومن لف لفيفه في فخ تاريخي، بل إن محاولته لإحياء جمال عبد الناصر إنما تعد تقليدا روتينيا لم يأتي فيها بجديد فحسب، بل إنه شوه قيم الناصرية حينما تحالف وتصالح مع أعداء الشعب والتاريخ والثورة المصرية، فهل عداء عبد الناصر للإخوان المسلمين منعه من محاربة الإقطاعيين وعملاء الاستعمار وأصوات الخضوع للغرب بمسميات الموازين؟ ألا يعي صباحي أن المحارب قد يضطر لمحاربة جبهتين في ذات الوقت، فإذا اختار اولوية العداء للإخوان فلما سلم تسليما صريحا بالجانب المتعفن الآخر.

وأخيرا، فإن السياسة ليست عمياء إلى درجة نفتقد فيها لأسباب عمرو موسى وأحمد شفيق وأمثالهم والتي خولتهم للمنافسة المقيتة لتراث النظام البائد وليس لميراث مصر، فهم يعتقدون أنهم أحق بالورثة نظرا لمشابهتهم لفساد مبارك مع بعض التعديل "كالخطاب التافه الذي يتبنونه اليوم"، ذاك التعديل المبني على تزوير قيم من أجل المحافظة على استصغار دور مصر الإقليمي والعالمي، وذاك الحراك الموجود الآن في تشكيل العقبات وخلق الأزمات من ضرب إسرائيل للخرطوم في مجمع اليرموك، والإعلان المفاجئ لسد النهضة الأثيوبي، وإثارة الفتن الداخلية بشكل مبرمج ملحوظ، كل ذلك يؤكد أين مصر ستكون لو لم يكن مرسي، كل ذلك يؤكد أي خطاب تافه تحمله المعارضة، أو أي طريق سيؤدي بهم مكرهم في ظل رئيس لم تسعفه أهوال المعارضة لأسرسجين سياسي واحد بينما يصف البعض خطابه بالتلويح والتهديد!، فأي خطاب كان للرئيس عظيم في بساطته، وأي ردود تلك التي تعاني من دودنية الرد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة