ما هو موقف الإسلام من قتل الأبرياء

تاريخ النشر: 15/11/15 | 14:44

بكلمات بسيطة،من القواعد الأخلاقيَّة الإسلامية المرتبطة بالجهاد هي قاعدة: “عدم قتال مَن لم يُقاتِل”، وهي تابعةٌ في الأساس لقاعدةٍ عُظمى؛ وهي قاعدة تحريم الاعتداء على الآخرين بغير حقٍّ، أو التَّعدِّي على الأبرياء بغير ذنب اقترفوه.
من أجل ذلك قرَّرت الشريعةُ الإسلاميَّة: أنَّ قتال الذين لا يشتركون في القِتال ولا يَقدرون عليه هو نوعٌ من الاعتداء الذي نهى الإسلام عنه، وذَمَّه وحرَّمه، وعدَّه من الجرائم الحربيَّة.
الأدلّة
(1) قوله الله – تعالى -: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].
لاحظوا قول الله” الذين يقاتلونكم”، أي الذين يقاتلونكم فقط، وأما عن من “لم يقاتلكم”، فقال الله فيه بعدها مباشرة: “ولا تعتدوا”، أي لا تعتدوا على من لم يقاتلكم.
قال شيخ الإسلام ابن تيميةَ (وهو بالمناسبة من المتشددين جداً في أحكام التعامل مع الكفار وقتالهم) فقال: “وإذا كان أصلُ القتال المشروع هو الجِهادَ، ومقصودُه هو أن يكون الدِّين كلُّه لله، وأن تكون كلمةُ الله هي العليا، فمن مَنَع هذا قوتِل باتِّفاق المسلمين.
وأمَّا من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنِّساء والصِّبيان، والراهب والشيخ الكبير، والأعمى والزَّمِن ونحوهم – فلا يُقتل عند جمهور العلماء إلاَّ أن يُقاتِل بقوله أو فِعْله.”
والسؤال: هل قتل الباريسيين أمس يصب في أي من مقاصد الجهاد؟ هل قتلهم يساهم في أن تكون كلمة الله هي العليا، أو أن يكون الدين كلّه لله؟ بالعكس تماماً. سوف تزداد العداوة للإسلام اليوم في فرنسا وأوروبا (أكثر مما هو مُحارب)، وسوف يتم إغلاق المساجد والهجوم عليها والتضييق على المسلمين والسعي لأن لا تكون كلمة الله هي العليا. فالنتيجة عكسية تماماً.
ثم هل قاتل ضحايا الهجوم الإجرامي أمس بفعلهم أو بقولهم حتى يستحقوا القتل؟
واسمعوا ما حصل في غزوة حنين (معركة بين المسلمين وبين قبيلتي ثقيف وهوازن في وادي حنين وهو بين مكة والطائف):
أخرج أحمد وأبو داود بسند صحيح: أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – خرج في غزوة غزاها، وعلى مقدمته خالدُ بن الوليد، فمرَّ أصحابُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – على امرأةٍ مقتولة ممَّا أصابتِ المُقدِّمة، فوقفوا ينظرون إليها، ويتعجَّبون من خَلقها، حتى لحقهم رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – على راحلته، فانفرجوا عنها، فوقف عليها رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: ((ما كانتْ هذه لتقاتِل))، فقال لأحدهم: ((الْحقْ خالدًا فقلْ له: لا تقتلوا ذُريَّة، ولا عسيفًا)).
معنى ذريّة: الأطفال والنساء، ومعنى عسيف = العبد المستأجر. لاحظوا أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بعدم قتل النساء والأطفال والعبيد واستنكر قتل المرأة مع أنها جاءت مع جيش الكفار لتساهم بقتال المسلمين من خلال دعم المقاتلين الذين جاءت معهم، أي أنها عملياً مقاتلة، ورغم ذلك نهى الرسول عن قتلها.
وهناك روايات أخرى كثيرة فيها الرسول استنكر قتل النساء.
دليل آخر: ما رواه مسلم وأبو داود عـن سليمان بن بُريدةَ، عـن أبيه: أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((اغزُوا باسم الله، وفي سبيل الله، وقاتِلوا مَن كَفَر بالله، اغزوا ولا تَغدِروا، ولا تَغلُّوا ولا تُمثِّلوا، ولا تقتلوا وليدًا طِفلًا، ولا امرأةً، ولا شيخًا كبيرًا))[
وهنا يأمر الرسول بعدم قتل أي شخص غير المقاتلين الرّجال.
ومن وصايا أبي بكر لأمراء الجُند: “لا تقتلوا امرأةً، ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هَرمًا، ولا تقطعوا شجَرًا مُثمرًا، ولا تُخرِّبُنَّ عامرًا، ولا تَعقرنَّ شاةً ولا بعيرًا إلاَّ لمأكلة، ولا تُغرقُنَّ نخلًا ولا تحرقنَّه، ولا تغلل، ولا تجبُن”
تخيّل أن أبا بكر الذي كان تلميذ الرسول والصائن لسيرته وأثره، أمر حتى أن لا يقطع النخل أو لا تقتل الحيوانات وهو أذى لا حاجة له؛ والرسول لم يقل اقتلوا المقاتلين واقتلوا كل من يسكن في بلد المقاتلين، بل أمر بعدم قتل النساء حتى لو جئن مع جيش العدو لدعمه؛ فكم بالحري بنساء ورجال وشيوخ وأطفال قتلوا أمس دون أن يكونوا أصلاً في أرض معركة بل وهم في بلدهم غير منخرطين بقتال مباشر ضد المسلمين؟
فلا يُقتل أحدٌ بذنب غيره، ولا يُؤخذ ابنٌ بجريرة أبيه، أو امرأة بجريرة زوجها، ولا تزر وازرةٌ وزرَ أخرى، وهذا أسمى معاني العدالة والرَّحمة.
روى النسائي بسند صحيح عن مسروق عن عبدالله قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضُكم رِقابَ بعض، ولا يُؤخذ الرَّجل بجريرة أبيه، ولا بجريرة أخيه))، والأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة.
أي أن الرجل يجب أن لا يُحاسب ويقتل إن كان أبوه أو أخوه مذنباً، فبماذا يعلق على هذا الدمويون الذين يبررون قتل الأبرياء بذريعة أن جيش بلدهم يقاتل داعش؟
روي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنَّه قال: “اتقوا الله في الفلاَّحين الذين لا يَنصبون لكم الحرب”.
وقال الأوزاعي: “لا يقتل الحرَّاث إذا عُلِم أنَّه ليس من المقاتلة”.
وهذه أدلة أخرى تؤكد أن من لا يساهم بالقتال مباشرة، لا يجب قتله.
فأين من يزعمون الإسلام من تطبيقه؟
طبعاً كل كلامي أعلاه لا يعني اقتناعي أن مرتكبي تلك الجريمة وكل سابقاتها هم مسلمون. هناك أمر واحد أنا متأكد منه 100%، من يفعل هذا الفعل لا يريد بالإسلام او المسلمين خيراً، والتاريخ ونتائج كل الأعمال الشبيهة تشهد على ذلك. وعليه فقوى الشر العظمى هي وراء هذه الأعمال، سواء بيدها أو بيد التنظيمات المخترقة مثل داعش والتي باتت أقوى وسيلة وأداة في إبعاد الناس عن الإسلام وأفضل مبرر لإيذاء المسلمين وقتلهم والتضييق عليهم، والوقائع أيضاً تشهد.
ارجو ان تساهموا بنشر المنشورة. لا يمكن أن نستنكر الجرائم ضد أبريائنا، ونسعد لها إن كانت ضد أبريائهم. ليست هذه أخلاق الإسلام.

بقلم : معاذ خطيب

5

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة