“الوضع القائم” في المسجد الاقصى
تاريخ النشر: 24/10/15 | 2:25“الوضع القائم” في المسجد الاقصى تحت الاحتلال؛ لم يوجد ليدوم
يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن “الوضع القائم” في المسجد الأقصى المبارك، ويكثر الحديث من جهة عن المطالبة بالإبقاء على “الوضع القائم”، أو عدم المساس به، أو التصريح المستمر أنه لم يتم أي تغيير عليه.
تعود جذور هذا المصطلح، والذي ينطبق على المسجد الأقصى المبارك، إلى ما كان عليه المسجد منذ الحكم العثماني حتى عام 1917 ثم “الانتداب” البريطاني (1917-1948)، ثم ساد هذا الوضع في ظل الحكم الأردني (1948-1967) وعندما احتلت اسرائيل مدينة القدس عام 1967 تم الاعلان عن احترام “الوضع القائم” للمسجد الأقصى.
وللتدليل على هذا التعريف، أنه قبيل هبة البراق في العام 1929 حاول عدد من اليهود تغيير “الوضع القائم” بأن أحضروا كتبا وكراسي للصلاة على الرصيف المقابل لحائط البراق، وفي ذلك الحين اعتبر المسلمون هذا الأمر تغييرا فيه فهبوا ضده. وعلى اثر ذلك شكلت بريطانيا لجنة تحقيق سميت (لجنه شو)، قابلت الجانب الفلسطيني والأردني واليهود وأصدرت قرارها بأن حائط البراق ملك إسلامي يجب الحفاظ عليه، ويجوز لليهود الصلاة على الرصيف المقابل لحائط البراق، واعتبرت في ذلك الحين أن محاولة اليهود وضع كراسي وكتب دينية على الرصيف هو تغيير في “الوضع القائم” السائد في المسجد الأقصى حتى حينه.
وعليه، فإن “الوضع القائم” هو استمرار وضع المسجد الأقصى المبارك في نفس الوضع الذي كان عشية الاحتلال الاسرائيلي للقدس والذي كان قائماً منذ الخلافة العثمانية.
وبموجب هذا التعريف فقد سلّم الاحتلال مفاتيح المسجد الأقصى المبارك لدائرة الأوقاف الأردنية وأعلن عن احترامه للوضع القائم في المسجد الأقصى.
وبموجب “الوضع القائم” الذي كان عشية الاحتلال، منع اليهود اقتحام المسجد الأقصى وأيضاً منعهم الصلاة فيه أو في رحابه، ومنع اقتحامه من قبل المستوطنين بلباسهم الكهنوتي، ومنع دخول قوات الاحتلال العسكرية اليه (شرطه، جيش، مخابرات)، ومنع تدخل سلطات الاحتلال بمسمياتها المختلفة (الأثار، البلدية، الطبيعة) في أي شأن من شؤون المسجد الأقصى المبارك، ومنع الاحتلال من التعرض لموظفي دائرة الأوقاف الأردنية أو لحراس المسجد، ومنع الاحتلال من إظهار أي مظهر من مظاهر السيادة اياً كانت داخل المسجد الأقصى. وحسب هذا التعريف الذي يدير المسجد الأقصى هي دائرة الأوقاف الأردنية ولا يحق لقوات الاحتلال الاسرائيلي التدخل في شؤون المسجد الأقصى المبارك، ولا يحق للاحتلال منع أي مسلم من دخول المسجد الأقصى، أو تحديد جيل المصلين فيه.
الاحتلال الإسرائيلي، وإن أعلن ليل نهار، أنه يحافظ على “الوضع القائم” في المسجد الأقصى، إلا أنه هو الذي انتهكه بشكل دائم ومستمر، ومارس في سبيل ذلك التضليل والكذب والتزييف، ويحاول فرض “وضع قائم” جديد على المسجد الأقصى المبارك بقوة الحديد والنار والتهديد والوعيد وهو ما يتجلى في هذه الأيام بشكل واضح.
يجمع المراقبون أن تغيير الوضع القائم بدأ فعلا على يدي الاحتلال الاسرائيلي منذ العام 1967، بداية من هدم 350 منزلا كانت تشكل حارة الشرف لإقامة ساحة كبيرة كاملة أمام حائط البراق، ثم الاستيلاء على مفتاح باب المغاربة والسيطرة عليه بشكل كامل. ثم ظهر في الأعوام الأخيرة السيطرة على بوابات المسجد الخارجية بواسطة وضع قوات عسكرية اسرائيلية وحواجز لإحكام السيطرة عليه، ثم ما كان في العام 1969 عندما دخل اليهودي الاسترالي روهن إلى المسجد الأقصى وإحراقه.
ثم استمر الاحتلال في انتهاكاته “للوضع القائم” حيث حاول نزع صلاحيات الهيئة الإسلامية العليا، ثم الإستمرار في مسلسل الحفريات أسفل وفي محيط المسجد الأقصى، ثم السعي الحثيث لنزع صلاحيات الأوقاف بالترميم ورعاية شؤون المسجد الأقصى، تلاه فتح الأقصى عنوة في العام 2003 لاقتحامات اليهود، والآن عبر الحديث عن “الحق الديني” لليهود فيه حتى أصبح “حق اليهود” بالصلاة في باحات الأقصى إجماعًا إسرائيليًا من أقصى اليسار الى أقصى اليمين، ثم عبر الحديث الدائم عن تقسيم المسجد الأقصى والذي يعتبر تهديد واعتداء صارخ على قدسية المسجد الأقصى، والذي يعني في ما يعنيه التنازل عن قدسيه المسجد الأقصى الاسلامية زمانياً او مكانياً، وهذا يعني تنازل العالم الاسلامي عن حقه في الصلاة في المسجد الأقصى المبارك فترة من الزمن أو في جزء مكاني منه.
ثم استمر مسلسل الانتهاكات الاسرائيلية للـ”وضع القائم” عبر الحديث المستمر عن فرض القوانين الاسرائيلية المدنية على المسجد الأقصى مثل قانون سلطه الأثار أو قوانين البلدية، والحديث المتواصل عن تعريف رحاب وساحات المسجد الأقصى كساحات عامة ليست جزء من المسجد، ثم ما يشهده الكنيست الاسرائيلي منذ سنوات ومحاولات تشريع قوانين لتغيير “الوضع القائم”، وفي السنوات الأخيرة عقدت لجنة داخلية الكنيست عشرات الجلسات لمناقشة الأمر، حتى انهم في اللجنة ناقشوا لوائح تنظيم الصلاة وتقاسم الصلاحيات والوظائف.
ثم تم انتهاك “الوضع القائم” عبر قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، في التماس بالسماح لليهود الصلاة في رحاب المسجد، والتي قررت أن من حق كل يهودي الصلاة في “جبل الهيكل”، لكنها اعتبرت أن الجهات الأمنية هي صاحبة الحق في السماح أو المنع، ارتباطًا بالتقديرات الأمنية الخاصة بها.
ثم تصاعدت انتهاكات الاحتلال “للوضع القائم” عبر إتاحة المجال لمجموعات يهودية كبيرة لاقتحام المسجد ومحاولة الصلاة فيه. وبما أنه أصبح عدد من أفراد وضباط شرطة الاحتلال من المؤمنين بهذا الحق؛ فإن الشرطة تبدي الكثير من التساهل، بل وتغض الطرف عندما يقوم اليهود بالصلاة والقيام بحركات استفزازية في رحابه.
الموقف الذي ينتهجه الاحتلال، تجاه الوضع القائم للمسجد الأقصى أشبه بموقفها من الدولة الفلسطينية أو من الاستيطان، أي أن الأمر متحرك غير ثابت، واستمرار فرض سياسة الأمر الواقع بقوة الحديد والنار والتهديد والوعيد.
إن رفض بنيامين نتنياهو تعريف ما يعني بـ”الوضع القائم” في المسجد الأقصى ورفضه الالتزام بمعايير “الوضع القائم” التي كانت سائدة منذ سنوات طويلة ومحاولته إعادة تعريف “الوضع القائم” بما يتلاءم مع الوضع الذي فرضه بقوة السلاح والاحتلال، ليدلل على النوايا الحقيقية للاحتلال. لذا فإن هذا الوضع هو وضع احتلالي لم يوجد ليدوم؛ إنما هو إجراء مؤقت لحفظ المسجد وعدم انتهاك حرمته ويجب انهاءه بشكل فوري.
المحامي خالد رمضان زبارقة
مختص في شؤون القدس والأقصى