الإعلام العصري وصناعة النخوة

تاريخ النشر: 12/10/15 | 0:31

لا تتعب نفسك بحصر عدد القنوات الفضائية ومؤسسات الإعلام الكلاسيكي والتفاعلي الحديث، فهي كثيرة متعددة الأسماء والتوجهات وآليات العمل والتنفيذ، وما بين رؤاها ورسائلها ووسائلها تكتب أبحاث علمية تخصصية يمكن الحديث فيها عن مئات التفاصيل الدقيقة في المسار والفعل والأثر.

حديثي اليوم حول العلاقة الجدلية بين الإعلام العصري وبين صناعة الوعي العام في موضوع القيم الإيجابية، القيم البناءة الهادفة، فهل يمكن لنا أن نُعمل فكرنا لنقوم بقياس مؤشر التأثير في الرأي العام لمؤسسات الإعلام العصري في مجالات القيم تحديداً؟ وهل هذا القياس يمكن أن يكون دقيقاً وموضوعياً في وقت تتغنى فيه كل هذه المؤسسات بالمهنية والمصداقية والشفافية والنزاهة والوضوح وأنها تنطلق لأجل المواطن ولصالحه ولتمثيل همومه وآلامه وآماله وهي نفسها التي تنسف ذلك كله؟

لقد عملت في عدد غير قليل من مؤسسات الإعلام، وشركات الإنتاج الخاصة، وتفاعلت مع كثير من الإعلاميين العاملين في مؤسسات أخرى، وأدركت مقدار الخواء الفكري والروحي الذي يعتري العمل الإعلامي العصري، الذي يلجأ لمصلحة الجهة الداعمة له وتوجهاتها أكثر من لجوئه للحقيقة والصالح العام، إلا إذا توافق مع هواه وتوجهاته.

طرحتُ قضية النخوة كمثال، والمثال يقاس عليه في كثير من القيم السلوكية فيما يشابهه، فهل يمكن لنا مثلاً أن تقول أن مؤسسة الإعلام الرسمية أو الخاصة هذه أو تلك ترعى موضوع النخوة وتضعه كقيمة مرجوة، وتزرعها بشكل منهجي في عقول الجمهور ووعيه وعقله الباطن؟

قبل الإسلام، كان الشاعر الجاهلي يقول:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي….. حتى يواري جارتي مثواها
فهل وصلنا في عصر ما بعد الحداثة لمثل مستوى هذا الشاعر الجاهلي !؟

وقبل الإسلام، أي في عهد الجاهلية الأولى، كان حلف الفضول القائم على نخوة الأعراب، وكان الدخول في الجوار عنواناً النخوة العربي وشهامته يبذل دونه روحه ودمه، فهل نحن اليوم أمام مشهد يضاهي هذا الحال أو يقاربه؟

المستقرئ لحال الإعلام بمؤسساته يلمس حجم التخبط والعشوائية الموجودة فيه، حتى في كبريات مؤسسات الإعلام العاملة في عالمنا العربي، بسياسات الإعلام التفصيلي ومنهجيات الإعلان والدعاية والترويج للأفكار لا تزال تحمل طابع العشوائية والفردية أكثر من كونه منهجية إعلامية واضحة المعالم، وفي ظل هذه الحالة، لا يمكن لنا بحال أن نتحدث عن عمل تراكمي في بناء المفاهيم والقيم السلوكية والنفس- حركية لدى المجتمعات.

إن ما يجري في سوريا وفلسطين والعراق واليمن وكثير من بلادنا العربية ينم عن شهامة وتضحيات كبيرة، ولكن زاوية تناول الإعلام لها تعطيها بعداً إخبارياً لا ينمّي أي قيمة مضافة، ولا يتناولها من خلال برامج تخصصية أو فعاليات إعلامية هادفة لتوجيه المجتمعات لها بوصفها حالة نجاح وأنموذج تميز وهنا تضيع الجهود في الظلام، وتبقى حبيسة من رآها أو عايشها، وبذلك لا تعمم القيم الإيجابية على العامة لاتخاذ الدروس والتجارب منها.
إنني أنادي وزراء الإعلام والمدراء العامين والاتحادات والنقابات المهنية التي تعنى بالاعلاميين والإعلام أن تبادر لوضع خطط قيمية للمؤسسات الإعلامية تتضمن الحد الأدنى المقبول في كل مؤسسة من القيم الإيجابية المطلوبة في المجتمع للتنمية والحفاظ على سلامته واستقراره، من خلال منظومة قيمية واضحة ومدعومة مادياً يمكن تنفيذها على الساحة الإعلامية بشكل احترافي تعطي صورة مطلوبة في واقع مرذول.

المستشار د. نزار الحرباوي

nezar7rbawe

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة