رشا جهشان.. “أيقونة جديدة” في الفن الفلسطيني
تاريخ النشر: 01/10/15 | 8:37من المؤسف أنه لا يوجد الكثير من الكتاب الفلسطينيين المحليين ليتمكن القارئ المحلي التعرف على أعمال وشخصيات فنيه أمر في غاية الأهمية لتنمية مجتمع فلسطيني وعربي واعي، مميز وملتزم.. فحين سألت رشا “أي أنواع الفنون تمارسين؟” قالت: “درست الرقص.. ودورات مسرح وأقنعة خارج البلاد..” هنا شعرت كأنني “توقفت” عن القراءة وبدأت التفكير.. إنتابني الاحساس بالأسف لأن الفنان يستحق المتابعة الكبيرة بالفعل.. وحينها تعمقت بالفكرة لأعرف ماذا يمكن أن أكتب في بعض السطور عن شخص يمارس عدة فنون، لأنه ليس بشيء سهل بتاتاً مع قلة الكتابات وكثرة الأعمال، ولدى جهشان يزيد الأمر صعوبة ممارستها لأكثر من نوع واحد للفن، مع العلم أنني قد شاهدت لجهشان بعض المقتطفات وعندما أتجه للكتابة عن فنان غالباً لا ينحصر حديثي عن عمل معين له، بل أحاول أن أقف عند أسلوبه الفني وقدرته الأدائية ولا يهم أي أنواع فنون يقدم، في سياق قراءة فنية لمقال عن فنان والسبب كما قلت كثرة الأعمال والفنانين وقلة المقالات والكتب.
لا أنكر أنني متحفظ من توزيع ألقاب على الفنانين مثل “فنان شامل” وما شابه، لهذا السبب توقفت عن قراءة الرسالة أو متابعة السيرة الذاتيه لها ولأعمالها وفضلت أن أبقى مع ما شاهدت لجهشان من بعض الأعمال الفنية، كي أكتب بشكل عنها كفنانة وليس كراقصة أو ممثلة، فهي أكثر من أن توضع داخل قالب فني واحد مهما كان حجمه، وهنا للمصداقية الأكاديمية أقول أن الفنان المحلي خرج من إطار التخصص الفني فالممثل المسرحي صنع سينما وتلفزيون ومسرح تعبيري أو أعمال بأسلوب فني ما بعد الحداثية، أعمال تبعده عن مجال تخصصه الأصلي وبذلك أصبح الفنان المحلي يتنقل بين عدة فنون في الوقت ذاته.
رأيت أن جهشان كفنانة فلسطينية محلية تتنقل بين عدة فنون بشكل قوي، دون أن يتصادم فنها ببعضه أو تتصارع الشخصيات الفنية داخل “شخصيتها الواحدة”، بل يظهر الهدوء الفني الذي لا يحاول الغلو ويمكن أن نلمس لديها عنصر فهم حجم المكان والوضعية الفنية الخاصة التي توجد فيها، إما حينما تكون على المنصة في مشهد درامي أو في الكادر بنظرة دون حوار الى داخل عدسة الكاميرا أو أن تكون في حالة “هذيان” وهي ترقص بحدة على المنصة، وهنا يبرز حضورها بقوة شكلها جميل وصوتها خاص ومميز وتخرج منها طاقات خاصة.
قرار الفنان بخوض أكثر من نوع فني واحد متعلق بعدة أمور لا يعرفها إلا هو.. أما المتفرج عليه أن يستقبل ويحكم إذا أعجبه أم لا وأنا ككاتب الحق أقول أن هناك متعة في مشاهدة جهشان كفنانة فقد رأيتها على المنصة تتألق بأسلوب رقص تعبيري مع أنني أجهل الكثير في هذا الفن، ورأيتها في مسلسل “سلمى” وشخصيات درامية غيره، وجردت شخصيتها من الإنتاج أو عوامل أخرى كالسيناريو، الدراما والموضوع فلمست “نواة التمثيل” السينمائي\التلفزيوني الخاصة بها، وشاهدتها على المسرح فرأيت أنها تملك قدرة على الفصل بين المسرح كمنصة موسيقية تعبيرية وبين المسرح كمكان لأحداث درامية وتمثيلية وهذا الفصل يدل على وعي الفنان الذي يمارس أكثر من نوع فن واحد، فصل وتقييد يكسبه الإلتزام بالسياق والمضامين.
لم أتحدث كثيراً عن جهشان كامرأة، لكن لا شك أن هذا يؤثر على فنها ونلاحظ ذلك من خلال ثقتها بنفسها في عملها الفني وخاصة في الرقص التعبيري حيث تظهر وكأن المنصة هي لعبتها، لا تترك مساحة فارغة على المنصة إلا وتعبئها بحضورها وبحركاتها التعبيرية التي تخترق “إطار الجسد”، تقوم بالحركة الحادة وتستخدم جميع أعضائها بتزامن مع فكرة العمل في نفس اللحظة وهذه علامات الفنان الذي يملك دقة عالية ومهنية، وهنا كسينمائي يخطف بصري سرعتها الكبيرة في التنقل من مكان لمكان ومن حالة الى حالة دون أن تفقد توازنها أو تتخبط بقرارات فنية خلال الأداء.. ليست سرعة بسبب شغف فني بحت أو انفعال طفولي غير مدروس لكنها سرعة بعد تفكير وتدريب كبيرين. وأمام الكاميرا تتميز بلحظات الصمت والنظرات التي تخرج من داخلها وليست نظرات وظائفية لنقل فكرة ما فقط، وهنا من مجال تخصصي كسينمائي ومخرج لاحظت أنها لا تحاور الشخصية التي كتبت داخل السيناريو ولا تحاول نقلها لشيء خاص بشخصية رشا جهشان الحقيقية لا كإمرأة ولا كإنسان وهذا أسلوب فني مهني يعجبني شخصياً، لأن فيه من البرود والفتور الدرامي شيء جميل يضيف الى الشخصية رونق خاص يجعل كل حركة خفيفة أو نظرة في مكان قوي التعبير وله وزن خاص وعلى الأغلب يلاحظ ذلك في المشاهد القريبة، لن أقارن أو أعطي أمثلة لكن هناك كبار الممثلين العالميين يتبعون هذا الأسلوب في التمثيل. وللمسرح شيء خاص في عملها برأيي “برجوازي فني” لطيف كما قلت عن التمثيل قبل ذلك لكن بالمشهد المسرحي نلاحظ الدمج الذكي بين خبرتها في الرقص وخبرتها في الدراما أي وعيها لحجم المنصة الكبير ووعيها لحجم إطار الكاميرا الصغير، وهنا تدمج بين تحليقها في فضاء المنصة وبين الدراما التي لا تبعثرها على المنصة بل تبقيها في داخلها وتستخدمها حين الحاجة.
أخيراً أقول هناك فن الفطرة.. فن مكتسب.. موهبة.. وهناك فن التجربة.. فن الممارسة.. مهنية.. جهشان تتنقل بين هذا وذلك، لكن من ليس لديه موهبة لا تكون له قاعدة متينة يرتكز عليها خلال مشواره الفني ليضع أسلوبه قيد الفحص الذاتي، الموهبة موجودة ولها أهميتها لكن تنميتها مطلوبة من خلال العمل الذاتي وفهم حجم عملك الفني.. رشا جهشان أيقونة جديدة في الساحة الفنية الفلسطينية، لديها إدراك خاص لمعنى الفنون، تمارس فنها بإلتزام وتواضع ولا يتعالى فنها على شخصيتها المعروضة للمتفرج، ولا تتعالى هي على معنى كلمة فن، تنتمي الى الجيل الجديد من الفن الفلسطيني بكل ما هو حديث لا تنجر وراء العمل بل تصنع لها أسلوبها على المنصة أو خارجها، رقصاً أو تمثيلاً لأن من يفكر أن يكون ذات أسلوب ويحمل مشروع فني تطوره أكبر وأسرع فكرياً وإبداعياً فهو يحب الفن ولديه روح العطاء فمن يعطي يحافظ على نواته الفنية وأصالتها.. ليبقى الإتزان في طرح الفكرة هو بوصلتها الحقيقية.. لأن الأيقونة الفنية تتجدد لكن لا تتغير.
عنان بركات