الاستثمار بالعرب، بدلًا من المستوطنات !

تاريخ النشر: 11/09/15 | 11:44

لنتصوَّر أنَّ بنكًا يضع في أعلى سُلَّم أولويّاته أهميَّة رِبح الزّبون وليس أرباحه الخاصة، حيثُ يمنح القروض للمواطنين دون الاكتراث إلى تسديد دفعات القروض ومستحقّاتها. هذا التصوُّر مناسب لتعامل الدولة مع 36 مستوطنة منتشرة في مختلف مناطق البلاد؛ حيثُ أنَّ الدولة تنازلت عن ما يُقارب 64% من الديون المتراكمة لهذه المستوطنات. بمعنى، أنَّ الدولة لم و لن تطالب هذه المستوطنات بتسديد ديونهم المستحقّة.

اعتمادًا على مقال نُشر في جريدة “هأرتس” بتاريخ 3.9.2015 بعنوان “الدولة تمحو 64% من ديون المستوطنات المنتشرة في البلاد”، فإنَّ هذه المستوطنات التزمت بدفع 49 مليون شاقل فقط بدلًا من 136 مليون شاقل من مُجمل ديونها المتراكمة. ومن الجّدير ذكره، بأنَّ هنالك أيضًا العشرات من المستوطنات الأخرى الّتي مُجمل ديونها المتراكمة للدولة حواليّ 360 مليون شاقل، بينما من المُتوقَّع أن تدفع، كحد أقصى، 60 مليون شاقل فقط.

المُعطيات تُشير إلى تبذير مبالغ طائلة بسبب عدم استرجاع الدُّيون من المستوطنات رغم أنَّها مصنَّفة كديون متراكمة عليها. السؤال الأساس الّذي ينبع من هذه المُعطيات هو كيف تراكمت ديون هذه المستوطنات إلى هذه المبالغ الطائلة؟ ببساطة، لا يوجد أيّ مؤسسة أو هيئة رسميَّة تعمل بشكلٍ جديّ لكي يتم تسديد هذه الديون وجبايتها. في هذا السِّياق، من المهم عرض تقرير وزارة الماليَّة حول جباية الديون المتراكمة على المستوطنات، حيثُ أشار التقرير إلى أنَّ العمل على جباية الديون المتراكمة من المستوطنات هو أمرٌ هامشيّ ولا يتم تفعيل آليَّات قانونيَّة للضغط على هذه المستوطنات لدفع ديونها. علمًا بأنَّ دائرة الاستيطان قد حصلت على هذه القروض بسلاسة كبيرة، خاصةً وأنَّها تعلم بأنَّ هذه القروض لن يتم تسديدها بشكل كامل أو المطالبة بدفعها أصلًا. هذا السُّلوك النابع من دائرة الاستيطان، إن دلَّ على شيء، فإنَّما يدل ُّعلى التحايُل على القانون، إضافةً إلى تهادُن السُّلطة في جباية حقوقها من المستوطنات .

إنَّ تهرُّب المستوطنات من دفع مستحقّاتها وتخاذُل الدولة بجباية الديون المتراكمة على هذه المستوطنات يُبيِّنان هشاشة المساواة والعدالة المفقودتان أصلًا بالمجتمع الإسرائيلي. علمًا بأنَّ هنالك قطاعات كثيرة تُناضل بالمستويات كافّة حتى تنال “فُتات” الميزانيَّات، بينما قطاعات أُخرى، كالمستوطنات، تجني، وانّ صحَّ التعبير، يُحوَّل لها، ثمار الميزانيَّات دون حق أو استحقاق. ومقابل كل ذلك، تقوم الدولة بتعيين محاسبين مرافقين لمنع السُّلطات المحليَّة من التّبذير أو الصّرف غير القانوي، إضافةً إلى حلّ بعض المجالس المحليَّة وتعيين لجان معيَّنة من قِبَل وزارة الداخليَّة، بينما سُلطات أُخرى تنعَم بمحو ديونها المتراكمة المُقدَّرة بملايين الشواقل. فحالُ المستوطنون يُشير إلى جنيِّ الميزانيَّات الهائلة، بينما العرب بالكاد يُخصَّص لهم “فُتات” ما تبقى من موائد الميزانيَّة العامة.

محو هذه الديون المتراكمة على المستوطنات المُقدَّرة بمئات ملايين الشواقل، قد يُغيِّر مسار الوعود الّتي انهالت علينا في الفترة الأخيرة، بتخصيص 900 مليون شاقل لدعم السُّلطات المحليَّة العربيَّة. إنَّ تخصيص 900 مليون شاقل لصالح السُّلطات المحليَّة العربيَّة (حوالي 70 سُلطة) الّتي تُقدِّم خدماتها لحواليّ 17.5% من مُجمل سكَّان الدولة (لم يتم شمل السُّكان العرب القاطنة في البلدات المختلطة) تُعدُّ هشَّة في ظلِّ اعفاء المستوطنات من تسديد ديونهم المتراكمة.

نحنُ ندركُ عن ظهر قلب الادّعاءات الباهتة المُوجّهة للسُلطات المحليَّة العربيَّة من قِبَل السُّلطة بخصوص معدّلات الجباية المنخفضة في البلدات العربيَّة. بينما الحقيقة مختلفة تمامًا، حيثُ أنَّ معدَّلات جباية ضريبة الأملاك (الأرنونا) في ارتفاع دائم، أما المشكلة المركزيَّة تكمُن في غياب وعدم تخصيص مناطق صناعيَّة وتشغيل ضمن مناطق نفوذ السُّلطات المحليَّة العربيَّة، الّتي ستُشكِّلُ حتمًا رافعة استثماريَّة واقتصاديَّة ومجتمعيَّة للسكان العرب وللسلطات المحليَّة العربيَّة على حد سواء. إضافةً على ذلك، لا يمكن العرج عن غياب الاستثمار الحكومي في البلدات العربيَّة بالمجالات كافة، خاصةً في كلِّ ما يتعلق بتنجيع عمل السُّلطة المحليَّة، بقضايا التربية والعليم ومكافحة ظواهر العنف المُستفحلة والمُستشرية في مجتمعنا العربي. إنَ هذا الإهمال المُعتَمَد والمُمنهج من قِبَل الدولة حيال سدّ الفجوات القائمة بين مُجتمَعيّ البلاد، العربي واليهودي، أدَّى إلى خلق عدم توازن بينهما، الأمر الّذي يمنع ويَحدّ من التطوُّر والتقدُّم المهني للشباب العرب، خلافًا للشباب اليهودي. وفي نهاية المطاف، هذا الحال يستبعد الشباب العرب من دائرة التطوُّر الاقتصادي أيضًا. بناءً عليه، إنَّ الاستثمار في البلدات العربيَّة، الّذي خُصِّص له 900 مليون شاقل، ما هو إلَّا عمليَّة تخدير وتضميد لجُرحٍ ينزفُ منذ عشرات السّنين نتيجة سياسة التميّيز والاقصاء والتهميش؛ لذلك، المطلوب والمَرجو هو تغيير فوري في سُلَّم أولويَّات السّياسة العامة للحكومة، حيثُ يضمن توزيعًا عادلًا للميزانيَّات المخصَّصة للسلطات المحليَّة واستثمارًا ناجعًا في السُّكان العرب. فبدلًا من اتّخاذ سيرورة عمل من قِبَل الحكومة تهدف إلى سدَّ الفجوات القائمة بين البلدات اليهوديَّة والعربيَّة، تمتين وتنجيع عمل السُّلطات المحليَّة العربيَّة، إضافةً إلى تطوير وتوفير الأدوات الملاءمة للقيام بعمليَّة التمتين والتنجيع، تطلُّ علينا الحكومات الاسرائيليَّة المُتعاقبة بسِلالِ وعودٍ جديدة، تارةً بتخصيص أربعة ملايين شاقل وتارةً أُخرى بتخصيص 900 مليون شاقل، والعديد العديد من الوعود الّتي سُرعان ما تتلاشى هباءً أو تنال منها السُّلطات المحليَّة العربيَّة القليل منها.

وأخيرًا، مجتمعٌ متساوٍ وعادل، عليه ألَّا يكتفِ بتوزيع مصادر دخل متساوية وعادلة، وإنَّما عليه أيضًا ابطال وإلغاء الامتيازات المُشوَّهة، كتلك الّتي تعتمدها دائرة الاستيطان، حيثُ كرَّست عملها ورؤاها لمواصلة تمويل المستوطنات بشتّى الطُّرق. استنادًا على القانون الدولي، فإنَّ هذه المستوطنات غير شرعيَّة وتُمثِّلُ عائقًا أساسيًّا بتسوياتٍ مُستقبليَّة، لذلك، واجب السَّاعة تفكيك هذه المستوطنات والعمل على بناء مجتمعٍ متساوٍ وعادل.

غيداء ريناوي – زعبي

o

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة