الجلباب الشرعي هل بات مهدداً بالانقراض؟

تاريخ النشر: 10/09/15 | 15:45

ظاهرة ملفتة جدا للانتباه وآخذة بالازدياد يوما بعد يوم ،بعد أن غزت الأسواق وتحديدا المحلات التجارية الخاصة باللباس الشرعي ،حيث لم تكتف دور الأزياء التركية بالتنازل عن مواصفات الجلباب الشرعي الفضفاض ، فبعد أن عملت على تقليص المواصفات الشرعية للجلباب مثل إنتاج الجلباب الضيق والمخصر مع الحزام اللامع الذي يشير ويلفت النظر إلى خصر المرأة كذلك إضافة القصات والمزركشات الملفتة ،عكفت مؤخرا دور الأزياء التركية وتنافست على إنتاج كميات هائلة وغير محدودة من موضات الفساتين الملونة والزاهية بألوان الطيف والمزينة بالإكسسوارات وغير ذلك والتي ملأت بها الأسواق حيث لعبت على الوتر الحساس لدى المرأة التي من طبيعتها أنها تحب التزين وإظهار المفاتن . هذه الموضات التي غزت الأسواق بشكل غير مسبوق ..لهثت نساؤنا وفتياتنا لاقتنائها بشراهة غير مكترثات بارتفاع سعرها حتى أن هناك من المحلات التي بالغت في رفع أسعار الفساتين حين رأت الإقبال الكبير عليها ومع كثرة الإقبال على الفساتين باعتبارها البديل المفضل للكثيرات من الملتزمات فنحن نتساءل هل بات الجلباب مهددا بالانقراض!!
أسئلة عديدة تتبادر إلى الأذهان ..من المسئول ؟ هل هو الانفتاح على الثقافة التركية ؟ وما هو دور محلات الألبسة الشرعية ومدى مساهمتها في انتشار وزيادة هذه الظاهرة ؟ وهل يجوز شرعا استبدال الجلباب بالفستان التركي ؟وما هو سبب الانجراف وراء الموضات الجديدة ؟هذه التساؤلات نناقشها مع العديد من النساء للإدلاء بآرائهن حول الموضوع بالإضافة الى مقابلة أصحاب بعض المحلات ،وفي النهاية نترك القول الفصل لرأي الشرع في هذا الموضوع ،كل ذلك تجدونه في التقرير التالي :
لن أتنازل عن الجلباب لأنه هو اللباس الشرعي…. هكذا تقول المعلمة هبة 28 عاما وتضيف : أنا لا أؤيد ارتداء الفستان ولا يمكن أن يكون الفستان بديلا عن الجلباب الشرعي خاصة في مكان العمل ، لأن هناك فرقا كبيرا بين الجلباب والفستان من حيث الألوان ونوعية الأقمشة حيث تتميز معظم الفساتين بأنواع الأقمشة الخفيفة والألوان الزاهية والموردة والتي أفقدتها الكثير من مواصفات الجلباب .لكن هناك ايجابية في الموضوع لمن أرادت الالتزام حديثا حيث أن تنوع الفساتين يشجع الفتيات على التحجب ولبس الفستان بدلا من البنطال الذي اخذ حيزا واسعا لدى الفتيات خاصة صغيرات السن .
وأنا شخصيا كمعلمة مدرسة لا أؤيد على الإطلاق لبس الفستان في المدرسة فهو ملفت للانتباه كثيرا ، ولا أخفي عليك أنني أتعرض كثيرا لاقتراحات من قبل الزميلات لاستبدال الجلباب بالفستان ويحاولن إقناعي بأنه هو الأجمل والأفضل لكن أنا لا أستجيب لتلك النصائح التي تجهل المعنى الحقيقي للجلباب .لكن بالمقابل أود أن أوصل رسالة إلى مستوردي الألبسة الشرعية أن يهتموا باستيراد الجلابيب الحقيقية التي حقا لاحظنا أنها قلت في الآونة الأخيرة فهناك فئة كبيرة ما زالت متمسكة بالجلباب الأصلي .
أبدو أصغر سنا بالفستان
تقول سامية (الاسم مستعار)في الثلاثينات من عمرها : لقد التزمت بالجلباب منذ أن كان بمواصفاته الشرعية (الفضفاض)وعندما دخلت الموضات الجديدة للجلباب مثل الضيق والمخصر بصراحة لم أتردد بارتدائه بل لبسته بكل سرور ووجدت أنه جميل جدا أضاف إلي الأناقة .وعندما وصلت إلينا موضة الفساتين كذلك لم أتردد بل على العكس وجدتها جميلة ومريحة خاصة في أيام الصيف الحارة واخترت منها ما هو مشابه لقصات الجلباب ،وأنا شخصيا لا أجد فرقا بين الجلباب والفستان التركي ، فكلاهما مخصر ،ولقد فضلت الفستان لأنني أبدو بارتدائه أصغر سنا فالألوان تلعب دورا هاما في جمال الملابس .وأود أن أضيف أمرا هاما أن استبدال الجلباب بالفستان ، لم يقلل من إيماني أو من ممارسة العبادات لدي.
(ولاالبلاش)!

أم أحمد أم لفتاتين وهي ملتزمة وتحافظ على جلبابها الشرعي وقد غرست في أسرتها حب الدين والإيمان ..تقول أم أحمد :
عندما بلغت ابنتي الكبيرة وأصبحت في سن يوجب عليها ارتداء الملابس الشرعية ، اقترحت عليها لبس الجلباب في حين كان البنطال والشال سائدا بين الفتيات .لكن بحمد الله استجابت ابنتي لما فرضه الله عليها ،ولبست الجلباب وهي في الصف الثامن ، لكن بعد مرور أربع سنوات عندما بلغت ابنتي الثانية ، رفضت أن تلبس الجلباب وقالت إن كان لا بد سألبس الفستان هكذا هي الموضة ولا فرق بين الجلباب والفستان على حد تعبيرها .. بصراحة أنا وافقت على أن تلبس الفستان وقلت (ولا البلاش ) خاصة نحن في وقت قل فيه الحجاب كثيرا بين طالبات المدارس اللاتي يذهبن إلى المدرسة حاسرات الرأس بل ومتبرجات أحيانا .
ما هو الدور الذي لعبته محلات بيع الألبسة الشرعية
تتنافس في الآونة الأخيرة المحال التجارية بشكل منقطع النظير في استيراد كل جديد من تركيا وعرضها على صفحات الفيسبوك لإغراء النساء والفتيات بجمال الفستان ، والمرأة بلا شك تقع بالفخ وتهرول إلى المحل لاقتناء ما يعجبها قبل أن تنفد البضاعة أو تأتي امرأة وتخطف الفستان الذي أعجبها ، وليس هذا فحسب إنما هناك الكثيرون والكثيرات من أصحاب المحلات يسافرون بأنفسهم إلى تركيا لاستيراد كل جديد في الموضة متباهين ومتباهيات بما يقدمونه ويقدمنه للزبونات .لكن يبقى السؤال هل صاحبة المحل هي السبب في انتشار هذه الظاهرة أم أنها تفعل ذلك وتجتهد لاستيراد كل جديد من أجل زبوناتها اللواتي يطلبن ذلك ؟
توجهنا في اشراقة للقاء بعض صاحبات المحلات التجارية للإدلاء بآرائهن حول الموضوع ، لكن من المفارقات أننا وجدنا جميعهن ملتزمات بالجلباب الشرعي وإليكم بعض الآراء :
أم إياد صاحبة محل لبيع الملابس الشرعية (أزياء الكمال )تقول: أنا شخصيا لا أتنازل عن جلبابي لكنني مضطرة لاستيراد تلك الفساتين نزولا عند رغبة النساء اللواتي يحبذن ارتداء الفستان ،وأنا لم أتنازل عن زاوية الجلابيب في المحل فهناك نجد من النساء من تتمسك بجلبابها لكن هناك حقيقة وواقعاً ألمسه من خلال عملي أن النسبة ضئيلة جدا ممن يسألن عن الجلباب فانا أبيع ربما خمسة عشر فستان مقابل جلباب واحد !
تضيف أم إياد : بصراحة من خلال تجربتي في هذا المجال فهناك إيجابية في الموضوع أن الفستان يشجع الكثيرات على الالتزام بالحجاب ، كذلك هو البديل الأفضل للبنطال الذي ارتدته الفتيات فعندما ظهر الفستان وانتشر، حل مكان البنطال لدى الكثيرات ، وبلا شك أن الفستان أقرب للملابس الشرعية من البنطال .
الأخت نهاوند جبارين صاحبة أزياء مريم للزي الشرعي وهي أيضا من الأخوات المتمسكات بلبس الجلباب الشرعي تقول نهاوند :
أنا لا أنفي أن اللباس الأفضل شرعا هو الجلباب وأنا لن أتخلى عن زاوية الجلابيب في المحل لكن الواقع حتم علينا كأصحاب محلات أن نستورد كل جديد في الموضة من فساتين مختلفة وهذا الأمر فرضه الواقع علينا فنزولا عند رغبة النساء نحن مضطرون لبيع الفستان التركي الذي شد الكثيرات للالتزام ،ولا أخفي عليك أنني أعرف الكثيرات اللواتي التزمن بالحجاب بعد أن أعجبتهن الموضات المتعددة من الفساتين ، كذلك أود أن أنوه أن هناك من الفساتين ما هو ساتر أكثر من جلباب اليوم الذي أصبح مخصرا ومفتوحا إلى ما فوق الركبة .
تقول أيمان عبد الحليم إحدى العاملات في محل الفينا للزي الشرعي في كفر مندا : بصراحة أن محلات الجلابيب كادت تختفي من القرية إلا القليل بعد الغزو المفرط لموضة الفساتين التركية التي ملأت الأسواق على الرغم أن الأصل في اللبس الشرعي هو الجلباب ،إلا أنني من خلال عملي في المحل لمست أن الكثيرات أقبلن على لبس الحجاب إعجابا بالفساتين ، وهناك الكثيرات اللواتي استبدلن البنطال بالفستان وهذا الأمر ايجابي جدا لأن الفستان أقرب للباس الشرعي ، وتضيف إيمان: أنا شخصيا لا أتنازل عن جلبابي وألبس الفستان في المناسبات فقط.
ما الحكم الشرعــي عــــلى الملابس التي تروج اليوم على أنهـــا شرعية ؟
الأستاذة ليلى مواسي عضو المجلس الإسلامي للإفتاء
لقد لخص الفقهاء شروط اللباس الشرعي من خلال استقصاء النصوص من القرآن والسنة، وأبرزها:
1. أن يستوعب اللباس بدن المرأة على خلاف في الوجه واليدين.
2. أن يكون واسعا فضفاضا: فقد جاء في مسند أحمد عن أسامة بن زيد أنه قال:” كساني رسول الله[ قبطية كثيفة، فكسوتها امرأتي فقال: مُرها أن تجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها.( شيء يلبس تحت الثوب لئلا يصف الجسد).
3.أن يكون كثيفا غير شفاف: وإلا فإن المرأة تندرج لا محالة تحت وصف( الكاسيات العاريات) اللاتي أخبر عنهن النبي صلى الله عليه وسلم .
4.أن لا يكون لباس المرأة لباس شهرة: فينبغي ألا تحرص على أن تتميز بلباسها عن ألبسة غيرها من النساء باللون أو الشكل أو الهيئة مما يستدعي جلب الأنظار.
5. ألا يكون زينة في نفسه.

ألا يكون زينة في نفسه:
ولأهمية هذا الشرط نفرد الكلام عنه بشكل خاص فأقول:إن العلة الأعظم في وجوب الحجاب على المرأة هو إخفاء زينتها، لقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن ). فلا يعقل أن تخفي المرأة زينة جسدها بزينة ثوبها وتعتبر أنها بذلك قد حققت مراد الله عز وجل من الحجاب. وليس أدلّ على هذا من حديث النبي [ :(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن تفلات): أي غير متطيبات:
وجاء في شرح الحديث:” فلإن أمرت المرأة بعدم مس الطيب قبل خروجها من بيتها لئلا تحرك الغرائز فقد بين غير واحد من أهل العلم: أنه يلحق بالطيب من حيث حرمة الخروج معه كل ما في معناه من المحركات لداعي الشهوة وذكروا من ذلك حسن الملبس”.
وقال ابن حجرفي الفتح: ويلحق بالطيب ما في معناه، لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة.
وقال ابن الحاج في المدخل: لأن السنة قد وردت أن المرأة تخرج في حفش ثيابها وهو أدناه وأغلظه.
فلو تبصرنا بالألبسة التي يطلق عليها” شرعية” والتي تكتسح الأسواق ومحلات الألبسة الشرعية لوجدنا أنها بالأعم الغالب لا تستوفي شروط اللباس الشرعي المطلوبة.
فإن كان أحمر اللون ؟
الأصل في ألوان لباس المرأة الإباحة، إلا إذا ورد نص شرعي يحرم بعض الألوان. ولكن إن أخذنا بعين الاعتبار الشرط الأخير من شروط اللباس الشرعي ( ألا يكون زينة في نفسه) نقول: إن كان اللون يجعل الثوب زينة في نفسه ومحط أنظار الناس لمخالفته للألوان المتعارف عليها في البيئة التي تسكنها المرأة، فإنه ينبغي اجتنابه. وإلا تحوّل إلى زينة ممنوعة، أو إلى ثوب خيلاء وشهرة.
العبرة بالمسمى وليس بالاسم: فليس كل ما يطلق عليه عرفا اسم جلباب أو لباس شرعي هو كذلك حقيقة. والمرأة المسلمة لا ترتدي كل ما يحاك لها، ولا تملي عليها دنيا الموضة” الشرعية” ما تلبس وما تختار، وإنما الحَكَمُ عندها هو مرضاة الله في ثيابها من خلال عرض ما تراه في السوق على الضوابط الشرعية للباس المرأة. وإن كان اسمه بلغة العصر جلبابا.
أبرز المخالفات في الألبسة التي تروج اليوم على أنها شرعية
1. تحجيم الرأس والجسد: حيث يلف غطاء الرأس بطريقة تجسد حجم وشكل الرأس والعنق.
2. عدم إسدال الخمار على منطقة الجيب( الصدر)، فتظهر المرأة بذلك فتنة جسدها.
3. ما يسمى بالحزام أو الزنار الذي يحيط بالجلباب فيحدد خصر المرأة ويجعل الثوب زينة بنفسه.
4. عدم حياكة الجلباب من الجانبين أو من الأمام بحيث يظهر ما تلبسه تحت الجلباب من بنطال وغيره.
5. المبالغة في الإكسسوارات المعلقة على الثياب أو المنسوجة به من تعرقات فضية وذهبية لامعة ملفتة للنظر وغيرها من الإضافات التي تجعل الثوب زينة بنفسه.
وأخيرا: فإن المجلس الإسلامي للإفتاء إذ يقوم على نصح النساء وترشيدهن باتجاه اللباس الشرعي الصحيح، يهيب بأصحاب محلات الألبسة الشرعية أن يكونوا عونا للنساء على مرضاة الله في لباسهن، من خلال توفير الجلباب بشروطه الشرعية، ويذكرهم بتقوى الله عز وجل فيما يسوقونه ويروجونه لبنات المسلمين من ألبسة لا تمت للشرع بصلة اسما أو صفة.
ختام دحلة

605-3500shutterstock_218981446

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة