فلسطين والأندلس

تاريخ النشر: 10/09/15 | 11:11

تشهد القضية الفلسطينية منذ حين حالة من التهميش وتراجع الاهتمام العربي والإقليمي والعالمي بها. لا بل إنها، وبحق، تتعرّض إلى خطر تصفيتها وشطبها تماما من أجندة الأسرة الدوليّة؛ ويبقى الأمل في تغيير الواقع إلى الأحسن ذاتيا آخر ما يعوّل عليه الفلسطينيون.

صحيح أن الفلسطينيين أنفسهم غدوا جزءا من المشكلة، إما بسبب استمرار حالة الانقسام المقيتة، وما سبّبه ذلك من ضرر للمسيرة الوطنية ورفع منسوب الكراهية بين الأطراف المتنافسة من ناحية، كما أفسح الانقسام المجال للاحتلال بالعربدة أكثر، سواء على مستوى الاستيطان أو الممارسات العنصرية، والقتل والتغوّل في الاعتقالات ضد الفلسطينيين.. وإما التنكّر للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني؛ ومنها إقامة دولة مستقلة.

صحيح أن الدول العربية مشغولة بمشاكلها الداخلية، في ظل ما تعانيه من حروب أهلية، لن تتمكن من التعافي منها إلا بعد عشرات السنين؛ أي بعد أن يبتلع الاحتلال ما تبقّى من أرض فلسطينية، ووصول الفلسطينيين، بل والإسرائيليين، إلى وضع يستحيل فيه إقامة دولة فلسطينية، وهذا هو التفسير الحقيقي للسياسة الإسرائيلية الحالية، وممارسات المستوطنين في الضفة الغربية بدعم من حكومة “نتنياهو”.

أما عند الأسرة الدولية، فقد غدا الوجود الإسرائيلي في فلسطين أمرا واقعا لا يمكن تغييره بحال من الأحوال، بناء على قواعد القانون الدولي والإنساني. فقد أصبحت المؤسسة الإسرائيلية بالنسبة إليهم جسما قانونيا معترفا بها دوليا، لا يجوز التعدّي عليه أو القضاء عليه، وفي حال تعرّض إلى خطر كهذا فإن المجموعة الدولية ستهب للدفاع عن وجوده.

إن المعادلة سالفة الذكر (فلسطينيا وعربيا وعالميا) لا تبشّر بخير أبدا للشعب الفلسطيني، وإنما تنذر بما هو أسوأ في المستقبل القريب، وربما البعيد، في حال استمر الحال على ما هو عليه، بخاصة وأن العالم العربي يشهد حالة من الإفلاس التام وازدياد التبعية لقوى الشر الكبرى، ومساندتهم للأنظمة الرجعيّة فيه والمنتفعة، سواء كانت أنظمة عائلية عشائرية أو ديكتاتورية مستبدة.

ويبقى الرهان على الشعب الفلسطيني في ظل هذه المتغيّرات؛ فهو القادر على تغيير المعادلة، وتصويب مسار المسيرة الوطنية، وتحريك الضمائر الميّتة، وسحب البساط من تحت أقدام المتآمرين على القضيّة، وقطع دابر المنتفعين منهم، بل ومن تاجروا بمقدراته.

فالشعب الفلسطيني وحده، وقواه الحيّة، هو من يملك أدوات التغيير والإصلاح. فهو صاحب الشأن الأول والأخير، غير أن قدرات الاحتلال وإمكاناته كبيرة، ولن يتردد في استعمالها على اختلافها دونما رادع. وهذا في حد ذاته يُعدّ تحديا كبيرا لهذا الشعب المحاصر أصلا، في وقت فيه العالم العربي مفلس ومشغول بشؤونه الداخلية وحربه على ما يسمونه “الإرهاب”.

إن فلسطين، التي سلخت مدة سبعة وستينا عاما، عن محيطها العربي، باتت في حال لا تحسد عليه، بل كما قال البعض: “يرثى له”، في ظل المشهد الموصوف فلسطينيا وعربيا وعالميا، بل هناك من يرى فلسطين اليوم أندلس الأمس، ولسان حال هؤلاء -إن صدقوا- يقول: لقد أصبحت عودة فلسطين إلى الحاضنة العربية بعيدة حال الأندلس.

لكن، مع ما في هذا الوصف من قسوة ووقع على قلب كل مسلم وعربي، فإن قراءة الواقع أحيانا مطلوبة لشحذ الهمم وبعث الأمل والهمة من جديد في نفوس من خارت قواهم، ورضوا بالأمر الواقع، لا بل بالرواتب والعطاءات والمناصب فنسوا القضية أو تناسوها.

رغم هذا الوضع إلا أنه يذكّر بقول الشاعر: “ما حك جلدك غير ظفرك، فتول أنت جميع أمرك”، عندها ستعود فلسطين إلى الواجهة بقوة، لأن الشعب الفلسطيني لم يفقد الأمل بعد، بل فيه الخير مهما عربد المحتل، ومهما تاجر بقضيّته من تاجر، ومهما تآمر عليها المتآمرون.. والله غالب على أمره!!!

الدكتور ابراهيم ابو جابر

'

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة