بداية الخراب!

تاريخ النشر: 13/08/15 | 12:20

الغيرة على نعم الله المهدرة.. الإشفاق على زوجةمسكينة تؤدي مهامها المنزلية في ظروف صعبة وأجواءمستفزة مثيرة للحنق والغضب.. الاستياء من رب بيت لايتفقد مرافق بيته المعطوبة، ولا يسارع بإصلاحها؛ قربىلله أولاً، ثم مراعاة لمشاعر من استرعاه الله إياهافتركها تموت كل لحظة كمدًا ونفورًا من إهماله وعدماكتراثه بما تعانيه.
تلك هي المشاعر التي تتملكني كلما زرت جارة أوقريبة أو صديقة فسمعت صوت قطرات الماء المتساقطةمن الصنابير التالفة، ورأيت بعض قطع الأثاث المكسورة، وعرفت أن جهازًا كهربائيًا قد أصابهعطل منذ شهور والزوج يؤجل إصلاحه بلا سبب مقنع أو جوهري، تاركًا أم أولاده تحفظ بعضالطعام في ثلاجة الجيران، وتستعير منهم الثلج أو الماء المثلج، أو تقترض منهم المكواة، أوتغسل ملابس أسرتها على يديها والغسالة قابعة تشكو إلى الله عطبها والتسويف فيإصلاحها.
تمتلئ نفسي بتلك المشاعر، ويزاحمها – باحثًا له عن مكان – سؤالٌ يدق رأسي إلحاحًا:كيف ينهض بمهمة إعمار الأرض من يترك بيته خربًا؟! وهل يستحق من يفشل في إصلاحمرافق بيته أن يحظى بشرف تكليفه بإصلاح الكون؟ وما الدور الذي يمكن أن يؤديه في خلافةالله في الأرض من عجز عن أداء دوره في بيته؟
هكذا أرى عدم اكتراث بعض الأزواج بإصلاح مرافق بيوتهم في إطاره الأوسع ودلالته الأبعد،أراه تفريطًا في واجبات الخلافة وتعطيلاً لسنة الاستخلاف.. مثلما هو تفريط في واجباتالقوامة وحقوق الزوجة.
هل يمكن أن تكون الزوجة مسؤولة عن تلف بعض مرافق البيت وأثاثه أو تعطلها بسوءاستخدامها لها وتعاملها معها؟ ربما، ولكن هذا لا يبرر تباطؤ الزوج في إصلاح التالف وترميمالمعطوب وكأنه يعاقب زوجته قبل أن يسمع دفاعها أو يعظها ويعلمها!
ويزداد إلحاح السؤال.. وتزيد وطأة تلك المشاعر السلبية، ويتضاعف ألمي وحيرتي عندمايكون هذا الزوج «داعية» يبذل وسعه في إرشاد الناس ونصحهم، وينام ويصحو على حلمالتمكين للإسلام وتحكيم الشريعة، ويغيب عن بيته ساعات طوالاً في سبيل دعوته مطمئنًاإلى الطيِّبة الصابرة التي ستتحمل غيابه وتقوم بدوره في غيبته، وستتحمل أيضًا تقصيره فيإصلاح ما يعينها على أداء مهامها المنزلية بيسر ونفس مستريحة.
تؤرقني هذه الازدواجية، ويقلقني هذا الانفصام، وأتخيل أن تلك المرافق والأجهزة المعطوبةستشهد أمام الله على مثل هذا الزوج الذي بذل وسعه في المجتمع الكبير، وضن ببعضجهده على بيته الصغير.
«بيت المهمل يخرب قبل بيت الظالم»… مثل سمعته من امرأة التقيتها في حافلة عامةعندما تجاذبنا أطراف الحديث، وحكت لي عن حرص زوجها على إصلاح كل ما يفسد فيالبيت أولاً بأول، فضلاً عن حرصهما معًا على ألا يتلف أو يتعطل شيء في بيتهما.
ما أبلغ المثل..! وإن كنت أحسب أن بيت المهمل يخرب، وربما مجتمعه وأمته أيضًا قبل أيبيت، وليس بيت الظالم وحده، فالإهمال منتهى الظلم للنفس… والآخرين معًا.

l

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة