صور وذكريات" الصبره والغزاه "

تاريخ النشر: 11/04/13 | 13:21

لم اعد اطيق هذه الصبره ……. اني اشعر انها تقف في حلقي وتغرس اشواكها في لحمي ..!!!

حاولت ان اتجاهلها …. ان ارميها في مجال المفقودات , واريح نفسي منها , ولكني فشلت ..!!!

اشعر ان الواحها , التي تمدها الى السماء , كأنها حبال مشانق , تبحث عن طريق كي تصل الى عنقي , لتخنقني حتى تخرج روحي من جسمي ..!!!

اكوازها التي تولد من اكفة الواحها , ثم تبدا بالنمو بأتجاه السماء , اشعر انها رصاصات , ستنطلق من بنادقها وتستقر في قلبي ..!!!

وهذا التاج الاصغر الذي يتوجها , اشعر وكأنه ابتسامة ليث , يتأهب كي ينقض علي ..!! , لقد طالت الى الاعلى , امتدت الى الجانبين , حتى اصبحت كأنها كتائب من الجنود مدججه السلاح , تعد العده كي تنقض علي …. وهذه الاشواك المغزوزه , وتلك الاشواك الصغيره التي تنطلق منها , ما هي الا اشارات وتحذيرات لامور في غاية الفظاعه , ستحدث عما قريب سنكون نحن من اوائل ضحاياها …!!!

هذا البيت الذي نسكن فيه , هو من مخلفات العرب , الذين سكنوه , قبل ان يحضرونا الى هنا , بعد ان استلمونا من السفينه , التي افلتنا من المغرب , وقبل ان يدخلونا اليه , قالوا " لقد اعطيناكم بيت المختار ..!!! , احسن بيت … وملائم لكم …. بيت عرب ..!!" ومسحوا باقي بيوت القريه , ولم يبق منها سوى بيتنا , وهذه الصبره الجاثمه امامي ..!!!.

في البدايه , قطعنا الكثير من سيقانها والواحها ولم يبق منها الى جزا صغيرا , ولكن سرعان ما امتدت الى اعلى والى الجوانب , وكأنها خطوط يتمدد وينمو في كل الاتجاهات , حتى باتت تحجب مجال رؤيتها , فلا نرى امامنا الا هي , قأصبح افقنا … يبدأ وينتهي في اعلاها ..!!

اتصلنا بالمسؤولين , مستغيثين بهم , كي ينقذونا من الوحش الكاسر , الرابض على حدود بيتنا …..

وبعد جهد جهيد , وطول انتظار دام سنوات عده ارسلو ا جرارا ضخما , فاستبشرنا خيرا , وقلنا في انفسنا , ان ساعة الخلاص قد ازفت , وان الجرار سيحول الصبره الى اشلاء مقطعه , ويبتعد افقنا , ونرتاح من تهديداتها ولكن سرعان ما سكت صوت هدير التراكتور …!!!

ولما اقتربنا منه لنتبين السبب , رأينا منظرا غريبا لن ننساه ما حيينا …. شاهدنا سائق التراكتور يعدو كالمصروع , في السهل المزروع المجاور لبيتنا , مبتعدا عن التراكتور , وعندما سألنا الجيران الذين تواجدوا اثناء عمله , قالوا لنا : " ان السائق هاجم الصبره " بشوكته " مره او مرتين وفجأة صارت تصدر من محرك التراكتور , اصوات قويه غريبه ومتقطعه وكأنه : " يحشرج " مخرجا انفاسه الاخيره … السائق فقفز عن ظهر التراكتور وبدأ يعدو مبتعدا عنه كالمصعوق , كأنه اصابه مس من الجنون , وهو يصيح " جن , شيطان … جن …. شيطان ….!!"

فأرسلوا جرارا آخر اكبر واقوى واحدث , وسائق اكثر تجربه , وحاولوا اقتلاع الصبره , ولكن حدث له ما حدث لاخيه السابق …. وارسلوا جرارا ثالث , وعندما اصابه الخراب والتلف , ولم ينل من الصبره شيئا , اصابهم الخوف والهلع , وتركوا الصبره , تصول وتجول في حالها , اما هي فقد زاد اخضرارها واحلو ثمرها وكثر عطاؤها …. وعلى ذمة الراوي من اهل البلد , ان احد المسؤولين , وعندما شاهد بأمر عينيه هزيمه الجرار امام الصبره , خر ساجدا وهو يقول : ان لهذه الصبره رب يحميها !!" , فرموه في السجن , فقال في نفسه , وهو يقبع في غياهب السجن : " على الاقل ان السجن يحميني من شوك الصبره ..!!؟ " ومن ذلك اليوم في دولتنا اصبحوا يسمون اليهودي الذي ولد في بلادنا " تصبار " وذلك تعبيرا عن تعظيمهم واجلالهم ورهبتهم من الصبر ..!!!

واصبحت قصة صبرتنا , الشغل الشاغل لكل الحكام والعلماء , والمفكرين والمحللين في دولتنا ..!!!! , الكل يجتهد , في البحث عن وسيله للقضاء عليها , وتخليصنا من تهديداتها ..!!.

حتى جاء يوم واذا بسيارات كبيره تصل الى الساحه , التي تحيط ببيتنا , وتفرغ حمولتها المكونه من اعمده , ومواسير من الحديد , والواح من الاسبست , علمنا بعد ذلك , ان هذا النوع من الالواح , اخترغه علماء دولتنا حديثا وهو غير متوفر الا فيها ..!!! , وبدأ العمال يثبتون العمدان في الارض حول الصبره , وبعد ذلك ربطوا العمدان بالمواسير , ثم بدؤا بتثبيت الواح الاسبست , على الجوانب وفي السقف , حتى اغلقوا على الصبره من جميع الجهات , ولم يتركوا لها منفذا تتنفس منه , او ترى منه الشمس …. او تلامس قطرات المطر النازله من السماء …. وقالوا في الاحتفال الذي اقاموه بعد انهاء العمل : " ان الصبره سوف لا تصمد طويلا , بدون هواء , او شمس , او ماء ..!!" ورحلوا …. وعادوا بعد سنوات , ليفحصوا نتائج فعلتهم , وعندما كشفو عن الصبره , هالهم ما رأؤا , لقد كانت الواح الصبره خضراء , تهلل لخالقها , وتيجان اكوازها الصفراء تغني فرحا …. وكبرت ونمت حتى ناطحت الواحها الواح الاسبست , واوشكت ان تخترقها … !!!.

وكتب احد كتابهم في احدى جرائدهم , مهاجما المسؤولين والمفكرين في الدوله قائلا : " ان زعماء دولتنا , نسوا ات الصبر , يخزن كميه هائله من الماء والغذاء يجعله يعيش فتره طويله بدون ماء , وان جذوره , تصل الى اعماق الارض , وتمتص ماءها وغذاءها من هناك …. وانه لا يمكن ان نغلق هذه المساحه الشاسعه غلقا محكما بحيث لا يسمع لاي كميه ولو ضئيله من الهواء , ان تدخل ,,!!

واستمرت الصبره بالنمو, مستمده قوتها من الارض , تساعدها على ذلك , جذورها القويه , التي استمرت في التوغل عميقا , في اعماق الارض …. وبصناعة المزيد والمزيد من الاشواك , التي تمنع كل من اراد بها شرا , ان يقترب منها …. واذا حدث وان قطع منها بعض الالواح , انبتت اضعافا مضاعفه منها ..!!

واستمرت في الجلوس على قلوبنا …. تطول , حتى اصبحت تلاصق النجوم … حتى اننا لم نعد نرى الا قطعه السماء التي تمتد فوق بيتنا ..!!!

حاولنا ان نأكل من صبرها الحلو والشهي, فأعطتنا ولم تبخل علينا ..!! جلسنا في ساعات الصبح والاصيل في ظلها فلم تبد أي ممانعه ..!! ولكن عطاءها كان يحلي ريقنا , بقيت مستوطنه في حلوقنا تنهش ازوارنا بأشوكها اللئيمه ..!!! , وظلت داء يعمي قلوبنا وابصارنا ..!!! واستمرت دولتنا بالبحث عن طريقه للتخلص منها ..!!.

وجاء الاقتراح , هذه المره من علماء النبات , حيث اقترحوا " تركيب " الصبره بنوع آخر من الصبر " يتعايش" مع البيئه من حوله , ويندمج فيها , ويكون خاليا من الاشواك , بحيث نستطيع تقليمه , وتشكيله , بالصوره التي نريد , على امل ان يندمج اندماجا كليا مع بيئتنا , حتى تتلاشى كل مميزاته , وخصوصياته , بصوره كليه ..!!!.

فحضر هؤلاء الى قريتنا , وشقوا اغصانا كثبره من الصبره , " وزرعوا " فيها براعما احضروها معهم , وانتظروا اياما وشهورا وسنوات ولكنهم عندما رجعوا ليفحصوا الامر , وجدوا ما اذهلهم , وناقض كل نظرياتهم … لاحظوا ان الصبره , " اكلت البراعم " وزاد شموخها وامتدادها ,,!!! فعادوا الى مختبراتهم خائبين …. ولكنهم لم ييأسوا , انهم ما زالو جادين في البحث , عن طريقه يتخلصون من هذه الصبره … وسيكررون محاولاتهم ..!!!.

ولكن الذي يذهلنا , ويعكر صفو حيتنا , ويزيدنا قهرا واحباطا , هو ان الصبره تكبر وتكبر …. وتزدهر وتزدهر …. وهذه لغتهاا التي ترد فيها علينا .. .. حتى بتنا نخاف , على مستقبلنا في هذه البلاد ..!!!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة