آش يكتشف قصر لبنان

تاريخ النشر: 24/01/13 | 9:17

حدثني آش قال: بعد بضعة أسابيع من انتقالي الى بريسل، شدني الحنين الى مأكولاتنا الشرقية. وبالرغم من توفر الطعام الاوروبي الجيد بألبانه ولحومه، خضاره وفواكهه، وكل توابعه، الا أني بدأت أفتقد النكهات الشامية في الطعام.

ذات يوم، وكان من عادتي التجوال في حارات بريسل وشوارعها، كنت اتجول في حارة تبعد بعض الشيء عن مراكز "الاتحاد" وصلت الى ساحة شاتالان، وهي واحدة من الساحات الكثيرة التي تشكل مراكز تسوق في حارات بريسل، تكثر فيها الحوانيت الصغيرة، والمقاهي ودكاكين بيع التبغ، وتتوسطها عادة نافورة صغيرة وبعض التماثيل التي تكسب المنطقة جوا خاصا بها يميزها عن باقي الساحات، وكنت دائما أقرأ أسماء الشوارع على لافتات التوجيه، لأخزن في ذاكرتي بعض ما يعينني على تحديد موقعي ووجهاتي في التجوال. وكنت دائما ما أنفعل عندما أجد علامة أو لافتة كتبت بالعربية أو لها دلالة شرقية. وبينما كنت أجوب أطراف الساحة، وأذ بلافتة كبيرة كتبت بالفرنسية، تزينها شجرة أرز خضراء – شاتوه دو ليبا – قصر لبنان، فلم أتمالك نفسي ووجدتني كالمسحور الذي وجد ضالته أحث الخطى الى داخل "القصر".

لم يكن موعد العشاء قد حان بعد، ولم أجد في القصر ما يدل على فخامة القصور. صوت فيروز وحده رماني مرة واحدة الى حيث اصبو. كان المطعم عبارة عن شقتين في الطابق الارضي، فتحتا على بعضهما البعض لتشكلا حجيرات مفتوحة تتوسطها ساحة صغيرة. في كل حجرة طاولة مغطاة بشراشف بيضاء نظيفة، عليها رتبت أطباق وأواني وادوات طعام فاخرة. كان كل شيء نظيفا ولولا ثلاثة تحلقوا حول واحدة من الطاولات الصغيرة قرب المشرب، لظننت أنني في مكان مهجور.

توجهت نحوهم واذا بأكبرهم يبادرني:

"نهارك سعيد يا سيدي، نحن لا نقدم الطعام قبل السابعة مساء"

قلت: نهارك سعيد، لم أحضر لأتعشى. أريد فقط ان أعرف ماذا تقدمون من الوجبات.

كان اسمه جورج. لبناني المولد، يدير هو وعائلته هذا المطعم منذ ان لجأوا الى أوروبا هربا من الحرب.

بعد ان طمأنني الى أنهم يقدمون كل الاطباق الشرقية، قلت له:

"لقد وجدت الآن جزء من وطن، أرسو به، كلما شدني الحنين"

أجاب مبتسما: "مثلك يشعر الكثير من زوارنا. فنحن أهل الشام، أينما ذهبنا، لا نستطيع الانقطاع عن الوطن".

هكذا يا صديقي، عرفت بأن الوطن لا يتشكل من أرض وسماء فقط. بل هو وبالاساس هذه التشكيلة من العلاقات الانسانية, ووجدت ان للوطن صوت، طعم ورائحة تلازم بنيه أينما ذهبوا. هو كل ما يجمع بين أبنائه أينما حلوا.

صمت آش قليلا ثم واصل:

منذ ذاك اليوم، ومرة في الشهر على الاقل، أخذت أزور القصر لتناول العشاء. ولم أترك صديقا عزيزا أو صديقة دون أن أصطحبه اليه. ألتقي بجورج وعائلته، لأعود الى شقتي بعد سهرة لطيفة، مشحونا ببعض وطن.

يتبع …… رنيم تأتي للزيارة

تعليق واحد

  1. جميل جدا, نموذجي لشعبنا العاطفي رغم اننا سنصبح كغيرنا فيما بعد ابينا ام شءنا لان الواقع والعصر يفرض ذالك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة