في محاورة قصيدة خرافة فرح للشاعرة آمال عواد رضوان
تاريخ النشر: 18/04/15 | 7:09عزيزتي وصديقتي الشّاعرة آمال عوّاد رضوان!
مرّةً أخرى وأخرى تستوقفُني لوحاتُكِ الشّعريّةِ، ومِن جديدٍ أسمعُها تدعوني للغوْصِ والإبحارِ، وأنا عزيزتي لا أتقنُ فنّ العوْم، لكنّني أتناولُها ببساطةٍ اعتدتُ عليها، وها أنا أُبحِرُ في غياهِب نصٍّ سّحريٍّ يُحفّزُني غموضُهُ ويَستفزُّني، فأتحدّاهُ بالغوْص، وأُحايلُ حوّاماتِه اللّذيذةَ، وأمضي كي أُحاورَها وأُقدّمَ قراءةً جديدةً، لنصٍّ مِن قوافي الإبداعِ في حقولِ الوجع! هكذا بإصرارٍ أُتابعُ وأَمضي معَ نصوصِكِ. طبعًا في بلادِنا آلافُ النّصوصِ المُقفّاةُ تدعوني لتناوُلها، لكنّكِ بلوحاتِكِ الشعريّةِ النّابضةِ تقتحمينَ أبجديّتي، فأراها مِن غيرِ استئذانٍ تلجُ بحرَكِ الصّاخبَ. إنّهُ التّحدّي لغموضِكِ، والتّماهي معَ نبضِكِ الشّعريّ!
(1)* بَراءَةُ الفَجْرِ/ تُسْدِلُها عُيونُ المَلائِكَةِ/ مِنْ.. قُبَّةِ العَدْلِ/ عَلى/ هَديلِ يَمامِ الرّوحِ
فصلُ الخِطابِ صَكُّ براءةٍ لفجرٍ طالَ انتظارُنا له، ماضونَ نحنُ في مَتاهاتِ الرّوحِ، نبحثُ عنّا في دَهاليزِ الفِكرِ المُستوْردِ، نُناقشُنا، ونحنُ أحوَجُ ما نكونُ لنقاشِ الذاتِ! نبحثُ ونرقُبُ ونترَقّبُ عدالةً مِن الأرضِ ومِن سُخريةِ الأقدارِ. إنّنا نَعلَمُ عِلمَ اليقينِ، أنّ العدالةَ ما نُزعَتْ مِن أرضِنا وغادرتْنا، بل هي موجودةٌ، قبلَ أن يَهبطَ آدمُ وحوّاءُ إلى الأرض. لكن، أينَ نجدُ هديلَ الحَمامِ، والشّيطانُ يتلبّسُ وجودَنا بكلِّ ألوانِ شقاوتِهِ؟ أينَ نجدُهُ وهابيلُ وقابيلُ يُعشّشانِ بيننا؟ إنّما الفجرُ والعدلُ وهديلُ الحمامِ فكلُّها لوحاتٌ نُعلّقُها على جدرانِ الصّمت، فهل نَظلُّ نرقُبُ ونترَقّبُ حتّى يأذنَ اللهُ في أمورِنا؟
(2)* ظِلالُنا.. هارِبَةٌ/ مِنْ.. تَنّورِ.. / سُكونِ الكِتْمانِ
(ظلالُنا هاربةٌ)!؟ تعبيرٌ مَجازيٌّ بلاغيٌّ عميقٌ، حينَها، يَهربُ الظّلُّ مِن صاحبِهِ، رافضًا وجودَهُ بحركةٍ احتجاجيّةٍ استنكاريّةٍ، لكلِّ ما يُرادُ لهُ في الأصلِ المُجسَّدِ، لكينونةٍ تُعربدُ وتَعيثُ فسادًا في الكون! إنَّ الأصلَ يُصارعُ ويَثورُ ويَغلي في تَنّورِ الواقعِ المَعيشِ المَرير! وبعد عزيزتي، ماذا نرجو ونأملُ، ونحنُ لا نملكُ إلّا حروفَ أبجديّتِنا، ظنًّا منّا أنّنا سنقلبُ كلَّ الموازينِ العوجاءَ، ونحرقُ كلَّ شرائعِ الغاب الوحشيّة؟
(3)* بِوَداعَةِ.. غَيْبوبَةٍ مَحْمومَةٍ/ تَ نْ فَ رِ طُ/ عَناقيدُ لَهيبِها/ جَمْرَةً.. / إِثْرَ .. جَهْرَة تَبْعَثُ.. / فِي عَتْمِ البَرِّيَّةِ المُسْتَحيلَةِ/ خَيْطَ ضَوْءٍ/ يَتَلأْلأُ حَياةً
تنفرطُ؟ ياااااااااه.. أسُبحةً كانتْ بينَ أصابعِنا، تُذكّرُنا بوجودِ اللهِ ورضوانِهِ، وقد أضعناها ذاتَ ليلٍ في غاباتِ انفراطِنا؟ أعرفُ عزيزتي لهيبَ جمْرِكِ يتفجّرُ جهرةً جمرةً، ككلّ قلبٍ حُرٍّ يَسعى لترتيبِ الخطواتِ، ولمّ الشّملِ حولَ ما كانَ ويكونُ وما هوَ آتٍ.. إنّهم يمرّونَ مِن بينِ لُقَم خبزِنا وقطراتِ ماءِ شُربِنا، يُساومونَ ويَبيعونَ، ونحنُ لا نَملكُ إلّا تَفجُّرَ القصائدِ والحروفِ؟ ألعلّها تَبعثُ في حلكةِ عَتمتِنا خيوطَ ضوءٍ، فتَتلألأُ وتُشعُّ بالحياة؟
(4)* أَتُراها/ تَ تَ عَ ثَّ رُ/ خُطى المُسْتَحيلِ!
نعم غاليتي آمال، يا ثائرةَ الحرفِ، فخوفُكِ خوفُنا وسؤالُكِ سؤالُنا، أتراها تتعثّرُ بخطى المُستحيل، والمُستحيلُ يُشاطرُنا نومَنا وذُلَّنا وإحباطاتِنا، ونحنُ ما زلنا مُقيَّدينَ بسلاسلِ أعناقِهِ، مُكبّلينَ بشراستِهِ حتّى آخر إصبعٍ وآخر وريدٍ وشريان! ولكن برغم أنوفِ المُستحيلاتِ، لم تزلْ تُراودُنا قوافلُ الآمالِ، فوراءَ كلِّ عتمةٍ نقطةُ ضوءٍ تبصبصُ علينا، فنراها بعيدةً، لكنّها تَسكنُنا جذوةَ حياةٍ، تمامًا كما يَسكنُنا المُستحيل!
(5)* اِسْنِدْني.. / عَلى أَجْنِحَةِ الحُبورِ/ حَلِّقْني.. / إِلى سُدَّةِ السَّمَوات
كم أحتاجُ لذاكَ السّندِ! لكنّهُ غابَ واختفى في عتمِ الليّل، عمدًا أو بغيرِ عمدٍ! كأنّهُ ملَّ صُراخَنا وما مَلّتْ حناجرُنا؟ مُجبَرونَ نحنُ ودونَ قيدٍ أنْ نُعايشَ أحلامَنا، وإلّا فقدْنا كلَّ أدواتِ الحياةِ! عزيزتي الشّاعرة آمال، الّتي تكتبُها القصيدةُ العميقةُ، وتُفجّرُها قوافي الوجع! إلى أينَ تَهربينَ؟ وإلى أينَ نهربُ، والواقعُ يَتلبّسُنا قدَرًا، يُعايشُنا تحتَ سِياطٍ ما فتئتْ تُلازمُنا؟ لقد ضاقتْ بنا الأرضُ بما رحبتْ، وعافتْنا السّماءُ بما ثقلت، ونحنُ ما أحوجَنا إلى ملايين الأنهر والبحارِ والمحيطات، كي تُطهّرَنا مِن رجس كُفرِنا وتَكفيرِنا.. كم نحتاجُكَ يا المنقذُ، كي تُخلِّصَنا مِن أتونِ آثامِنا ولهيبِ خنوعِنا.
(6)* فِي.. / أُفُقِ وَشْوَشاتِ اللَّيْلِ/ تَتَعالى.. / هَمَساتُ دُعائي
حين يُصبحُ ليلُنا أنينَ شكوى وهمساتِ وشوشةٍ، فهذا يَعني أنّ القيدَ يُكبّلُنا، ويُطبِقُ على أفواهِنا، ويُصبحُ الصّمتُ رسالةَ شِعرٍ ممجوجةً، تتخفّى وراءَ حُروفِ القافية. لا بأس عزيزتي آمال، يَظلُّ صمتُنا المُتفجِّرُ في القوافي مَنافذَ الرّوحِ والأماني.
(7)* وَمِنْ خَوابي الزَّوالِ/ تَنْعَتِقُ.. / صَلَواتُ الرَّجاءِ
فمِن خوابي الزّوالِ المَعيشِ تَنعتِقُ صلواتُ الرّجاء؟ وتلهَجُ قلوبُنا بالدّعاءِ ونَمضي، وعيونُنا تَرحَلُ فينا ومَعنا إلى ما الوراء، تُفتّشُ عن حُلمٍ كانَ لنا، واغتيلَ في ليلةٍ ظلماءَ. مَن يُبدّدُ ظلمةَ الحُلمِ وظلمةَ اللّيل؟ نحنُ نَعرفُ أنّهُ ما حَكَّ جلدَكَ غيرُ ظِفرِكَ؟ ولكن، كيفَ نَحُكُّ جُلودَنا، وقد انتزعوا رُموشَ العينِ وأظافرَنا؟ مُرٌّ مَريرٌ واقعُنا، وما لنا غيرُ صَلواتِ الرّجاء.
(8)* خُرّافَةُ فَرَحٍ ../ تتَراءى لي / مِنْ أَقْبِيَةِ الشُّرودِ/ تُعانِقُ.. / سُحُبَ المُخَيَّلَةِ
عزيزتي آمال يا مائيّةَ الحُروفِ، كما الخرافة صارَ الفرحُ لدينا، نَسرقُهُ مِن بينِ أنيابِ وَحشيّةٍ لم تتذوّقْ مِثلَنا طعمَ الفرح! نفرحُ لطفلٍ مُتميّزٍ، ونقولُ لعلَّ وعسى، هكذا كما الغريق يَتعلّقُ بقشّةٍ، والنّوائبُ كما الأفاعي تلتفُّ حوْلَنا وتَنفُثُ سُمومَها، فيَهربُ المُرتجفونَ ويَتوارى أولو الرّحمِ، وكلٌّ يقولُ نفسي وَعرشي؟ أمّا نحنُ فنَظلُّ نُعاقِرُ سحابةً، قد تُمطِرُ ذاتَ ليلٍ أو ذاتَ نهارٍ باقةً مِن حُلولٍ؟
(9)* وَفي أَرْوِقَةِ الخُلودِ/ تَتَماهى/ أُسْطورَةُ لِقاءٍ/ تَمْحو../ أَعْباءَ الخَطايا
يا فيروزيّةَ اللّحنِ، أراهُ الجسرَ الخشبيَّ يَسبَحُ فوقَ النّهرِ، واسمُهُ ضحكةُ الفجرِ، وألوانُ قزحٍ تَتماهى معَ ألوانِ حُروفِ الحُلمِ والرّجاء، كي تَمحو عنِ الجباهِ وصمةَ الذّلِّ والعار، وتُتابعُ مِن حيثُ بدأتْ رحلةُ الأمل.
(10)* يا المُتَلَبِّسُنِي/ صَمْتَ عِطْري/ وَالشّاطِرُني../ سُطوعَ شِعْري/ رَحْمَةً.. بِعُيونِ الشَّياطين
عزيزتي آمال، لِتنزلِ الحروفُ مِن عليائِها، كي تتماهى معَ بحرِ حروفكِ. يُضايقُني الـ مُتلبِّسُني هذا، الّذي لن تَعجزَ شاعرةٌ مثلُكِ عن بديلٍ على الأقلّ، يَتماهى مع السّهلِ الممتنع! ألا يَكفينا تعقيدُ الأيّامِ حتّى نَغرقَ في تعقيدِ المَعاني؟ حتّى لو تَلبّسَكِ بعطرِهِ الصّامتِ، وشاطرَكَ سُطوعَ شِعرِكِ، فأنا عندَ سُطوعٍ كهذا أتوقّفُ تمامًا، إذ لم أُصادِف مَن يستعمِلْ هكذا تعبيرٍ على امتدادِ عمري! لا بأس أيّتُها المُتمكّنةُ مِن أدواتِها وحروفِها.. لا بأس، فشتّانَ ما بينَ النّهرِ والغَدير.
(11)* يا.. الغافِي/ عَلى صَحْوَةِ قَدَري/ رَحْمَةً بِكَوانينِ الجُنونِ
“أيا حلمي الغافي على صهوة قدري”، تمهّلْ، فما زلنا ببداية البداية، ومِن بدايةٍ إلى بدايةٍ نحلمُ أنّنا فوقَ صهوتِك، ونحنُ نعلمُ عِلمَ اليقين، رغمَ جنونِكَ ومُجونِك، أن لا أحدَ لنا إلّا نحن، فإن لم أكُنْ لي فلا أحد لي، هذه رسالتُكَ إلينا، نُعلّقُها فوقَ الوجع، كي يراها كلُّ المتوجِّعينَ مثلنا، والرّسالة لا تحتاجُ إلى جُهدٍ أو تفكير، فهي واضحةُ المَعالِمِ والخطوات، لكنّنا لا نرانا حتى نراها.
(12)* ها .. يَتَنَفَّسُكَ / حاضِري الجامِحُ / فيكَ
أيا حُلمي البنفسجيّ، تَسكنُني أنتَ كما أُعشّشُ بين أهدابك، أتنفسُّكَ يا الحاضرُ الجامحُ فيَّ وأبدًا، وأرنو إلى مستقبلٍ مَنشودٍ، يَفكُّ أسرَ الآماني مِن عقالاتِها، ويهتفُ: أنا مُستقبلكم الموعود!
(13)* في أَرْوِقَةِ وُجودي/ نِداءاتٌ.. / تَتَوارى خافِتَةً/ خَلْفَ هَوْدَجِ النُّعاسِ
هكذا، يأخذنا النّصُّ مِن زمنٍ إلى زمن، فنرانا فوقَ قلب صحراء قاحلة، كما العذارى فوقَ هوادج الأحلام، تُزَفُّ إلى ربيعِها، والسّماءُ تُشاركُها الرقصَ والغناءَ، وقرعَ الطبول والدفوف. صورةٌ مِن ماضٍ مَعيشٍ، تحفرُ في ذاكرتِنا بعضًا مِن تاريخِنا التليد، وتُؤجّجُنا بعزيمةٍ مُشتهاةٍ تنبثقُ مِن قفرِ صحارينا؟
(14)* وَأُغْمِضُ لَيالِيَ سَعادَتي/ عَلى حُلُمي العَبَثِيِّ!
وتصمتُ شهرزادُ عن الكلام المُباح حين تنتهي الحكاية، لتُعاودَ أسطورةَ ألف ليلة وليلة، ونحن لا نحتاجُ إلّا ليلةً واحدةً تُبشّرُنا بطلوع الفجر؟
عزيزتي الشاعرة آمال عوّاد رضوان، المُتمرّدةُ على نواميسِ الشّعرِ، في كلِّ قصيدةٍ لكِ رسالةٌ تختلفُ، لكنّها رسالةٌ واحدةٌ تتضمّخُ بالشعر، وتعبقُ بإنسانيّةٍ مُشتهاةٍ، أحوجُ ما نكونُ لعناقِها في زمن الكُفرِ والرّدّة! سلامي لكِ باقةً من آمانٍ شِعريّة!
بقلم فاطمة ذياب