قلب الطاولة..فكان “يوم الأرض”

تاريخ النشر: 04/04/15 | 15:36

سأتحدث عن الفلاحين..
كان فلاحا، يرعى “شلعة” قطيع من الحلال، ويكسب لقمة عيشه بالحلال ولا يتعامل إلا بالحلال.
كان جمالا ينقل على ظهور الجمال ما كان يتاجر به من بضائع في القرية الكبيرة..مدينة
الناصرة.
وجه صغير ونحيف، عينان تتوقدان ذكاء، وترسلان عبر نظارات القراءة..نظرات ذكية.. وسهامًا حادة وثاقبة.
ومن الجمال..تعلم الصبر..
يرتدي القمباز المخطط ويجلل رأسه بكوفية وعقال، وإكليل من العزة والكبرياء..
وكان صديقا لجدي التاجر ذي العينين الخضراوين..واللحية البيضاء المهندسة والوجه الوردي المدور.. رغيف خبز مقمر..خارج لتوه من الطابون..
ألإثنان يتنفسان من نفس الرئتين..وينبض فيهما قلب واحد..ويأكلان من صحن واحد..
واحد إبن البلد..والثاني من صفد!
كان فلاحًا مثقفًا..يحرث الأرض..ويحرث الجرائد منقبًا عن الأخبار السياسية. وتكون “الإتحاد” وجبته الأولى التي يتناولها كل صباح..ثم ينتقل إلى باقي الصحف فيقرأ الخبر ثم يتوقف قليلا ويهز برأسة لاعنًا آباءهم وأعراض أمهاتهم..
ذكاء فطري..وطيبة قروية..في حي يمتاز بالطابع الشعبي..طابونًا وحطبًا وبيوتًا وبيدرًا ومحراثا ومنكوشًا وشاعوبًا ومذراة وغربالًا و..وردحًا!!
وكان الردح فنًا فولكلوريا يمتاز بالخيال الشعبي والفطرة الإبداعية، ويعرف الردح كيف يحدد مساره: يبدأ عادة من الزنار أو الدكة شمالا وينتهي في مكان ما في أقصى الخليج جنوبًا.هذا الفن الشعبي، الردح، برعت فيه النساء وتفوقن فيه على الرجال..
عائلة زياد..عائلة فقيرة..أربع بنات نعيمة وإنعام ونعمت ورهيجة..
وخمسة أبناء..ألبكر صبحي (واسمه الحركي: توفيق!) ثم صبيح ومصباح..وأحمد وعبد الفتاح..
ذلك هو الفلاح المثقف أمين زايد زياد..والد الشاعر المبدع والقائد السياسي والشيوعي الصادق والصدوق والصديق ورفيق الدرب..توفيق زياد!

من تراب الفقراء..ولد الرمز!
من هذا المشهد القولكلوري الشعبي طلع صاحبنا الذي ملأ الدنيا وشغل الناس..
ولم تسقط التفاحة بعيدًا عن الشجرة كما يقول أولاد العم..
من بين الطوابين والحطب والجمال وتراب الأرض الأسمر..ينهض ذلك الشاب النحيف..عملاقا تلمس قامته السياسية سقف السماء.
كان عاملًا كادحًا يعمل في البناء..يصارع الخشب والحديد والصخر..فاصلبّ عوده النحيف..وتفجرت ينابيع وعيه الطبقي..فوجد طريقه إلى الشبيبة الشيوعية..وفي أحضانها تفولذت شخصيته الإنسانية..وبدأ يسير بخطى ثابتة في طريق الشموخ..
وكان دهانًا ورشاقًا..عرف كيف يمزج الألوان.. وتشكل بين يديه قوس قزح..فكان رسامًا!
وقادته ثقافته وإبداعه الذي يغرف من واقع الناس المسحوقين إلى معبد الثقافة..فأصبح محررا لمجلة “الجديد”..أرقى المجلات الأدبية التقدمية وأكثرها عراقة والتزامًا..وكانت نافذة أشرف منها ألأدباء والمثقفون في هذا الوطن الجريح على الأدب العربي والعالمي. ذلك رغم الحصار الثقافي المضروب على شعبنا الخارج لتوه من بين خرائب النكبة باحثًا عن بوصلة. وكانت المذود الذي كان شاهدًا على ميلاد العديد من كتابنا وشعرائنا الذين وصلوا إلى العالمية!

من المحلية إلى العالمية!
وأحبه أهل الناصرة..فانتخب عضوًا في المجلس البلدي قبل أربعة عقود..وأعطى للمدينة المقدسة رونقًا جديدًا.
وزاد حبهم له..
فانتخبوه رئيسًا. وصار رمزًا لأكبر مدينة عربية في البلاد..عاصمة الجماهير العربية..وصارت الناصرة وتوفيق زياد توأمين سياميين..يذكر الناس توفيق فيذكرون الناصرة، ويذكرون الناصرة فيذكرون توفيق زياد!
وأعطى المدينة المقدسة مذاقًا جديدًا زادها عالمية..
وولّوه عليهم المرة تلو المرة..فظل رئيسًا دائم الخضرة يتجدد دومًا ويومًا بعد يوم..
حتى سقط على خط التماس بين أختين توأمين.. أريحا وزهرة المدائن!
وأحبته الجماهير الباقية في وطنها..فأوصلته إلى الكنيست..وكان بهارًا أعطى للكنيست مذاقها الخاص والمثير..وفي كل جلسة كان يشارك فيها كانت الديموقراطية تكشف عن حقيقتها فيسقط القناع وتظهر وجوه يومئذ عليها غبرة..
و يسير الملك عاريًا..
كان العديد من أعضاء الكنيست يحترمونه ويتقبلون ما يأتي به لأنه إنسان صادق، ويصدر في صراخه في وجوههم عن وجع حقيقي يعكس عمق الجرح المفتوح في خاصرة شعبه.

قلب الطاولة..فكان يوم الأرض!
وفي آذار عام 76 من القرن الماضي كادت بعض القوى تحاول أن تجهض القرار بالإضراب وتحرف السفينة عن مسارها. وكان فارس المشهد توفيق زياد مصححًا للمسار. فخبط بكفه على الطاولة..ثم قلبها فوق رؤوسهم..وكان إضراب غير الخارطة السياسية للإنسان العربي الباقي في وطنه.
وكان يوم الأرض الخالد الذي تحتفل به شعوب الأرض!
وهذه القاعة المتواضعة كانت شاهدًا على العديد من القرارات التي شكلت علامات فارقة في تاريخ شعبنا..وكان أبو الأمين خيال الحصان.. خيال المشهد..
وأحبه حزبه..فأصبح عضوا في اللجنة المركزية والمكتب السياسي.
لقد جمع أبو الأمين المجد من أطرافه..
وصار رمزًا فلسطينيًا وعربيًا وعالميًا!
وطارت الأسطورة!

عزيزة..طرنطة عالمية مثلها ما غنى المغني!
ألرئيس مغرم بالأشياء المتواضعة!
للرئيس بيت متواضع..وأثاث متواضع..
وله طرنطة عز نظيرها..ولذلك أطلق عليها بعض الخبثاء لقب “عزيزة”!
وعزيزة..عزيزة على قلبه!
لا يفارقها حتى يلتقي بعزيزة أخرى..
سبعة عشر عامًا وهو يتنقل ما بين عزيزة وعزيزة!
هذه العزيزة تنتمي لعائلة أبي القاسم الطمبوري!
وقصة مداس أبي القاسم الطمبوري المتخم بالرقع..والذي أكل الدهر عليه ولم يشرب بعد.. أشهر من نار على علم!
إنها سيارة مميزة..لم يغنّ المغني مثلها!
تشد انتباهك من بين مئات السيارات الفارهة التابعة لغيره من ذوي الرتب والمقامات والدولارات المتسربات من تحت الطاولات ومن العاريات فوق الطاولات..
إنها سيارة الرئيس!
إنني أتحدى أن يكون لدى أصغر رئيس سلطة محلية سيارة تضاهيها تواضعا وطرنطة وشرشحة وبهدلة!
أما ميزانية البلدية المخصصة لشراء سيارة تليق بالقائد، فقد كانت تذهب، تبرعًا، لشراء سيارة لقسم الكهرباء في البلدية.
وعندما اقتنع أخيرًا بضرورة شراء سيارة تليق به –وهذا حق له كرئيس بلدية-..عملها..ولم تدم أكثر من أربعة أشهر..وكانت الفاجعة!
أما عزيزة بتجلياتها المختلفة، فلها قصة مثيرة..تبقى سيرتها سرًّا من الأسرار!

ألأستاذ عبد الله..والفتى نصر الله..و”الأخ الكبير”!
في تقرير رسمي صادر عن مكتب المستشار، يعتمد دراسة أكاديمية قام بها أحد الخبراء في العقلية العربية..وما يهب عليها من التيارات الفكرية.. تضمنت إستطلاعًا ميدانيًّا حول الهُوية والانتماء لدى الطلاب العرب الثانويين، قرأت الحكاية التالية:
” سأل الأستاذ عبد الله تلميذه الفتى شكر الله نصر الله..وطلب منه أن يعرّف نفسه ويرتب الكلمات التالية حسب الأهميات وألأولويات والمقامات:
وطني، إنسان، شيوعي، قومي!
فرد~ الطالب الفتى: أنا شيوعي. وسكت!
فقال الأستاذ: كمل يا فتى!
فكمل الفتى: أنا شيوعي. وكفى!
فسأل الأستاذ وقد نفد صبره: ألست وطنيا؟ ألست قوميا؟ ألست إنسانا؟
فرد الفتى ببراءة وهدوء: أن تكون شيوعيًا يشمل جميع هذه الصفات الثلاث.
أن تكون شيوعيا يعني أن تحب وطنك وأن تحب شعبك وأن تكون إنسانا. فأنا شيوعي.. وكفى!
فرفع الأستاذ عبد الله حاجبيه وزمّ شفتيه معجبًا.
وقال للفتى: حياك الله.. يا نصر الله!!
وزاد حب الأستاذ للطالب شكر الله نصر الله..وزاد تقدير الطلاب واحترامهم للأستاذ عبد الله”.
إلى هنا..نهاية الاقتباس!
والاقتباس حرفي ومشفوع بالقسم!
وهناك..كانت البداية!
في اليوم التالي، كان الأستاذ عبد الله..والفتى شكر الله نصر الله ومجموعة من الطلاب يمتثلون أمام “ألأخ الكبير” لحديث ناعم من حرير عن أحوال الطقس وعن بعض العباد “الأشقياء” الذين يعيثون الفسادً.. في عقول العباد.. وينتشرون أفكارهم في جميع أنحاء هذه البلاد.. التي تدر لبنا وعسلا وأشياء أخرى لم أقرأ عنها ولم أسمع بها في حياتي..إلا الساعة!
كان صاحبنا أبو الأمين يحب وطنه وشعبه والناس أجمعين.
لقد كان شيوعيًا حتى النخاع.
كان صديقًا حميمًا وتوأمًا للفتى شكر الله!

على طاولة البلياردو..للحجر أيضا.. مشاعر إنسانية!
ألمكان والزمان: ناصرة الستينات..ألقلعة التاريخية العريقة..كنيسة ومسجدًا وأناسا طيبين!
صحن واحد..وهم واحد…وحلم واحد!
في مقهى سمير حماتي قرب عين العذراء، وقف قبالتي حول طاولة البلياردو، شاب نحيف إسمه صبحي، يشتغل في العمار. كنت طالبًا في الصف الحادي عشر، كنت شبلا صغيرًا..وكان أسدًا. وفارق السنوات بيننا كبير جدًا. وكان عضوًا بارزًا ونشيطًا في الشبيبة الشيوعية.. إبن الحارة وابن الجيران..وصديق صدوق وابن أمين.. وشربنا معًا من عين العذراء ونهلنا من نفس المنبع الفكري.
كانت وقفته تدل على ذوق رفيع. وعيناه تلاحقان الطابات الملونة وتتنقلان متأملتين مواقعها وتدرسان خارطة الطاولة الخضراء. وصوّب عصا البلياردو إلى طابته الحمراء، وبمهارة هندسية تميز بها..راودها عن نفسها وبلطف ناعم بدا كأنه غزل رومانسي، دفعها برأس عصا البلياردو، وكان التصويب صائبًا فأصاب الهدف. وقال جملته التي ما زالت أصداؤها ترن في أذني منذ أربعة عقود وحتى الآن: على اللاعب أن يعامل الطابة بإنسانية. أن يكون معها إنسانًا!
لقد كان إنسانًا مع الطابة الحجر. فهل من الصعب أن تتصور كيف كان إنسانيته في التعامل مع البشر؟
وكان أشطر مني! غير حظي كان أوفر من حظه، فكانت الغلبة لي في أغلب الأحيان..
صبحي هذا هو.. توفيق زياد!
وظل توفيق مهندسًا بارعًا يعرف كيف يسدد الضربة الصائبة تلو الضربة لخصومه السياسيين..
وكيف يرد الصاع صاعين وزيادة!
وظل مهندسًا سياسيًا يرسم الخارطة النضالية. يعرف كيف يواجه الأزمات..وكيف يخرج الطائرة من المطبات الهوائية..وكيف يوجه السفينة الحزبية التي تخوض غمار الأعاصير..ويأخذ بيدها إلى شاطئ الأمان.
وفي هذه الأيام، إذا جدّ الجِد، نفتقد البدر!
ويمتثل أمامنا أبو فراس الحمداني، فيقول في لهجة فيها شيء من العتاب:
سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
وفي كل مرة تدخل فيها السفينة مأزقًا، أسائل نفسي: أين أنت يا أبا الأمين!
كان رجل المهمات الصعبة!
وكان البوصلة!

أيها الذئب! سأمسكك بك من خصيتيك..هكذا!
في إحدى جلسات الكنيست، وبينما كان أبو الأمين يواجه عاصفة عنصرية ضد الجماهير العربية يقودها (طيب الذكر!) غاندي.. رحبعام زئيفي (رحمه الله!). توجه أبو الأمين نحوه متصديًا قائلا: سأمسكك بك من خصيتيك هكذا!
وصوب الرجل قبضته في وجه الذئب..زئيفي!
وحفلت وسائل الإعلام بمشهد أبي الأمين وهو يسعى لتجريد زئيفي من “سلاحه”! وشلع ما تبقى له من رجولة وهمية!
وكان هذا حدثا يحكى عنه ويروى على كل لسان.
واتشرت النار في الهشيم الإعلامي..

خبايا النفوس في هذا الزمن المتعوس!
في مطار العم بن غوريون كنا ثلاثة: أم الأمين وأبو الأمين والعبد الفقير إليه تعالى.
بعد ساعة ستقلع الطائرة إلى قبرص. في انتظارنا..مؤتمر حقوق الأقليات في الشرق الأوسط.
وأمام أحد الشبابيك المعدة لفحص جوازات السفر. يأخذ مني أبو الأمين جواز السفر ويقول للموظفة: نحن الثلاثة مجموعة واحدة.
وقف خلفنا رجل بدا ظريفًا. عرف أبا الأمين من المشهد التلفزيوني الذي أصبح أشهر من نار على علم، وقال له مازحًا مداعبًا: توفيق! أتحفنا بنكتة طريفة وظريفة!
فرد عليه أبو الأمين بنكتة مغروفة من قاع الدست.. لا أحلى ولا أجمل..تليق بمقام زئيفي وجميع من وراءه وأمامه من الذئاب العاوية!
وجلجلت في قاعة المسافرين ضحكات عالية وجلبة وهرج ومرج وهيصة، وتساقطت الدموع من العيون!
وهمس في أذني ذلك الرجل: صدقني إن خطكم هو الصحيح! أنتم على حق!
وفهمت منه أنه كان ينتمي إلى عائلة “الأخ الكبير”!! وقال لي إنه كان موظفًا في الشاباك، يتربص بالغلابى وينصب لهم الشراك والشباك، فرأى ما رأى، ثم غطى عينيه بيديه حتى لا يرى بشاعة ما يرى. وذات صباح صحا من نومه..فصحا الضمير الغائب.. فاستخلص العبر وباع كل شباكه وشراكه في سوق الخردة!
وهو اليوم مقرب، كما قال لג، من أحد الأحزاب اليسارية!
فتهابلت وتغابيت! وقلت: ألله يستر!
وأردت أن أكون صافي النيّة وحسن الطوية..فافترضت صحة هذه النكتة الشعبية.. وقلت في سري: الله أعلم بمراده وفي خبايا النفوس في هذا الزمن المتعوس!
يهمس بلند الحيدري في أذني: لديكم ثروة شعرية قومية هائلة..لديكم توفيق زياد!
في المدينة القبرصية “لارنكا”..كان مؤتمر حقوق الأقليات..وعلى هامش المؤتمر..كانت أمسية شعرية. وكان أبو الأمين والشاعر العراقي بلند الحيدري..فارسَي الأمسية.
بلند الحيدري صاحب “خطوات في الغربة” قامة شعرية شامخة! وأداء شعري متميز..إستحوذ على جميع الوفود..
ووقف أبو الأمين..شامخًا أبيًّا يفيض عنفوانًا وكبرياء وألقى قصيدته ” أشد على أياديكم”!
واشتعلت القاعة تصفيقًا..
وهمس بلند الحيدري في أذني: لكم أن تفخروا وتباهوا الآخرين.. لديكم ثروة شعرية قومية هائلة..لديكم توفيق زياد!
فنظرت إلى نائلة ( أم الأمين)..ورأيت في عينيها فرحًا طفوليًا وعزّة وكبرياء..
أبو الأمين واحد منا!
فأين في الناس أب مثل أبي.. الأمين!؟

أنا ابن جمّال!؟..انا ابن حمّار يا..!!
وكان الجمّال جمّالا.. والحمّار حمّارا! وكان الشيخ أمين زايد زياد قد جمع المجد من أطرافه..كان جمّالا وحمّارا وفلاحا!
وكانت السيارات الخصوصية وسيارات الأجرة وباصات البلد البيضاء..والناصرة-حيفا.. تعد على أصابع اليدين..واسألوا جرجورة والعفيفي والحكيم وأبو العسل!
كانت وسائل النقل الأكثر شعبية هي الحِمار والجمل.. تجوب حواري الناصرة..”وشوارعها” المكونة من شارع واحد فقط لا غير.. لا يتخلى عن وحدانيته! كانت تسير محملة طحينًا وسكّرًا وعدسًا وبرغلا وإسمنتًا ورملا وخضروات وفواكه وكازًا وشيدًا (كلسا)..ودجاجًا.. وبشرًا.
وعزّ على بعض المخلوقات في ناصرة العروبة أن يصبح إبن الجمّال رئيسا لبلدية الناصرة وعضوًا في الكنيست وزينة المنابر الثقافية والسياسية، إسرائيليًا وعربيًا وعالميًا. فكانوا يحاولون أن ينالوا منه ويسخروا من انتمائه. كانوا يعيّرونه بأنه إبن جمّال. فيرد عليهم أبو الأمين منكرًا ومستنكرًا وساخرًا: أنا ابن جمّال؟ يا ريت إبن جمّال! ولكو أنا ابن حمّار يا…..ّ
وصار إبن الجمّال الذي أطلعه تراب الحيّ الشعبي.. حاديًا للقافلة.. وصار شاعرًا ومثقفًا وقائدًا سياسيًا محنكًا يعرف من أين تؤكل الكتف.. صار رمزًا وصار أسطورة!

ما زال الرجل يزيّن وعينا ووجداننا وسهراتنا!
جاء في التراث العربي: صاحب الحق نطّاح.
كان أبو الأمين صاحب حق..فكان نطّاحا!
كان صاحب قضية سياسية وحامل إيديولوجية فكرية عالمية.. وحامل رسالة..
لم يخش فيَ الحق لومة لائم..
كان أمينًا وابن أمين وأبا الأمين..
وكان جريئًا وصريحًا ولا يهاب أحدًا..
أحب وطنه وشعبه والناس الطيبين..
في ساعات الليل..عندما أكون وحيدًا..أسمر مع لوركا وبابلو نيرودا وماياكوفسكي وناظم حكمت والمتنبي وأبي فراس، يدخل أبو الأمين بطلعته البهية وطيبته الشعبية..في صوته يحة جميلة.. تكلل هامته عزة وكبرياء.. فيلقي تحية المساء: مساء الخير! وينضم إلى سهرة العمالقة!
أبو الأمين ما زال بيننا!
يزين وعينا ووجداننا وسهراتنا!
أبو الأمين ما زال معي!
ومن وراء عتمة الليل..يطل الضوء..يطل طيف الفتى نصر الله..
فتتلألأ النجوم..ويهرب الليل ويختفي حاملا معه معطفه الأسود!!

فتحي فوراني

unnamed (1)

unnamed

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة