دونمانية

تاريخ النشر: 11/01/15 | 14:50

أمّا بعدُ،(١)
فها هُوَذا الرّجُلُ الحديثُ، من الطِّرازِ بعد الأَخيرِ، يتّكئُ على عصاً من هواءٍ، وينعَمُ بآخرِ تقليعاتِ الدّوْلةِ الحديثةِ. ثمَّ يستغني، بها وفيها، عن رائحةِ التّرابِ ولونِ المطَرِ وحلاوةِ المُرِّ، وعن عينيْنِ خجولتيْنِ عندَ التفاتةِ عاشقَةٍ والتفافةِ دَرْب.

وينسى، بين هذا وذاك، أنَّ الذّبابَ لم يزلْ يخطفُ لُقمةَ العَيْشِ من شِفاهِ بني الغَبْراءِ المُشقَّقَةِ ويُقيمُ مُستعمَرةً على عُيونِ أطفالِ الهوامِش، وينسى أنَّ الفقيرَ لا ياكلُ دجاجةً إلّا إذا كانَ أحدُهُما مريضاً.(٢)

وها هُوَذا الرَّجلُ الحديثُ، متكئاً على عَصاً مُبرقشَةٍ من هواءٍ، ومُدجّجاً بحُنجَرةٍ من الوَرَقِ المُقوّى أُشرِجَتْ على جَرَسٍ(٣) ومُكبِّرِ صوْتٍ، يلصِقُ عينيْهِ على كفِّهِ ويُديرُ ظهرَهُ إلى سَدومَ وغيرنيكا.(٤) لكنّهُ، لهذا أو رغمَ هذا، يملكُ كلَّ أَسبابِ السَّعادَة.

ففي العامِ الثّالث والعشرين ق.هـ. سالَ على الرّملِ كلامٌ كثير. وها نحنُ هُنا، في القرنِ الواحدِ والعشرين ب.م.،(٥) يقومُ الكلامُ فينا لينكسرَ، مرةً أخرى.

فيا أيُّها النّاسُ، اسمعُوا وعُوا.
وإذا سمعتُم فانتفِعُوا،
وإذا رأيتُم فانفَعُوا،
وإذا وقعَ الظُّلمُ اشفَعُوا،
وإذا سقطَ الحقُّ ارفَعُوا،
وإذا مادَتِ الأرضُ ارتَعُوا،
وإذا تعِبَ الكلامُ اسجَعُوا.

وكانَ، في العام الثَّالث والعشرين ق.هـ، أنْ ناخت ثمَّ ناحتْ ناقةٌ حمراءُ ورمَّلتْ رأسَها بعَفَرِ الصَّحراءِ، حين مضى صاحبُها في غيبةٍ بلا تذكِرةٍ للرُّجوع. فقالَ من قالَ:
“الناقةُ تبكي، إذنْ فهي موجودة”.(٦)
ثمّ غابَ القولُ والقائلُ والمَقول.

فيا أيّها الناسُ، اسمعوا وعُوا،
فإنَّه من جاعَ ماتْ،
ومن تحاذقَ اقتاتَ على الفُتاتْ،
ومن ماتَ فاتْ،
وما فاتَ آتْ،
وكلُّ ما هو آتٍ آتْ،
إلى آخرِ بازاراتِ الحروفِ وتلافيفِ الكلماتِ والأوقاتْ.

غيرَ أنَّ الرَّجُلَ الحديثَ، الذي أسّسَ امبراطوريّتَهُ المكْوِيّةَ، على البيْنيّةِ وبنكِ العلاقاتِ والوَساطةِ والحَكِّ المتبادَلِ، واستبدَلَ الرَّحْمةَ بسدّاداتِ الآذانِ والرَّأْفةَ بالصَّلاة، يعتقِدُ أنَّهُ تقدَّمَ سنةً ضوئيّةً كاملةً منذ رَعْ وحمورابي(٧). ولذلك، فهو سعيدٌ فوقَ طاقةِ الفَهم.

فيا أيهُّا الناسُ، اسمعُوا وعُوا.
إن في السَّماءِ لخَبَرا،
وطائرةً نفّاثةً وطيْراً مُهاجِراً وناراً ومَطَرا،
وظلاً عابِراً وجاسوساً قَمَرا،
وإنَّ في الأرضِ لدولارا،
وماساً وذَهَباً أسْمَرا
وغَبَشاً كثيفاً يحجبُ البَصَرا.

وقد يقولُ الرَّجلُ الحديثُ كلاماً غيرَ مفهومٍ لغيرِه، في جنازةِ الأيّامِ والآلهةِ الغابِرة. فلا زرادشتُ(٨) انتصر،
ولا ظهرَ المُنتَظَر.

فيا أيُّها الناسْ،
إذا دقّت الأجراسْ،
وانقطعتِ الأنفاسْ،
واجتثَّتِ الجذرَ فاسْ،
وانتشرَ الهاتِفُ الوَسواسْ،
وتبخترَ فوقَ الخَصْرِ خنّاسْ،
اشتعلَ الّليلُ الداجْ،
وانكمشَ النَّهارُ السّاجْ،
وغيْمٌ ثقيلُ الظِّلِّ ينطَحُ الأبراجْ،
والأرضُ ذاتُ نفطٍ وفِجاجْ،
وعُلبُ الإسمنت مُعبَّأَةٌ دَجَاجْ،
وبحارٌ ذاتُ أسطولٍ دجَّاجْ(٩)
وفي الجَيْبِ ببَّغاءٌ رجّاجْ،
يسيرُ على أثيرٍ ويركبُ الأمواجْ.
والاعوجاجُ صراطٌ مستقيمٌ،
والمستقيمُ اعوِجاجْ.

ومهما يكن، فها هُوذا الرّجلُ الحديثُ، متكئاً على عصاً مُبرقشَةٍ من هواءْ،
يصيرُ أسعدَ السّعداءْ،
ويسهَرُ في الليلِ المُضَاءْ،
فوقَ أرضٍ من هباءْ،
ويلقي خُطبةً بتراءْ.
فلا إيادٌ إيادْ،
ولا ثَمودٌ ثَمود
ولا عادٌ بِعادْ.(١٠)

لكنَّ الرَّجُلَ الحديثَ، الذي تخلَّى عن مقصلةِ مَحْكَمةِ التفتيشِ وعن رشِّ الجراحِ بالشّمسِ والأملاح، وعلّقَ نفسَهُ بربطاتِ الأعناقِ، سعيدٌ جدّاً بسعادتِهِ.

فعندَهُ ديمقراطيّةٌ تتيحُ لَهُ التفوُّقَ في الغَباءِِ حتى حُدودِ العبقريّة، ودكتاتوريّةٌ تتيحُ لَهُ إطلاقَ الحرّياتِ والرَّصاصِ على المُعارضين، وثيوقراطيَّةٌ(١١) يعملُ فيها الآلهةُ موظّفينَ في قسمِ العُلاقاتِ العامّة.
وعندهُ انتقائيّةٌ تتيحُ له غربَلَةَ الأصواتِ والنَّبْراتِ واللّهجاتِ والعيشَ في سريرٍ من الضّجيجِ إلى درجةِ الطّرَشِ المتعمَّد.
وعندَهُ حُبٌّ جارفٌ للطّبيعةِ تجعلُهُ ينحرُ الكركدنَّ بقرنِ الكركدنّ ويشنقُ العصفورَ بريشةِ العصفور، ويفتحُ باباً واسعاً في سقفِ الأوزون لفتحِ المعابرِ إلى السَّماءِ السّابِعة.

وعندَ الرَّجُلِ الحديثِ جهازٌ خليَويٌّ، ذو شاشَةٍ أكبرَ من قلبِهِ وأنجعُ منهُ في الحُبِّ وفي ضخِّ الأدرينالينِ وأوسعُ من أُفُقِهِ وأعزُّ من سَرْجٍ سابِحٍ(١٢) وأشهى مِن ضحكَةِ جائعٍ فوْقَ رغيفٍ ساخِنٍ.

والشّاشةُ، عشرينيّةُ الأبعادِ، تطمحُ نحو البُعدِ الرّابعِ والأربعين، لتكتمِلَ المعادلةُ السّحريّةُ، أو إلى البُعِْد السّابعِ والسبعين، لتنغلِقَ دائرةُ الخُرافة.

والشّاشةُ توفّرُ لحاملِها حرّيةَ الشّمِّ وسلالمَ الطَّعمِ وقوةَ الشّكْمِ(١٣) والشّتمِ.
وكلَّ وسائلِ الّلطْمِ والشَّرْمِ وتعميمِ الهَمِّ والغَمْ.

والشّاشةُ، عشرينيّةُ الأبعاد، تزوّدُ صاحبَها بالقُدرةِ على نصْبِ الطُّعْمِ في الرّوحِ وفي اللّحمِ، وفي الشَّحمِ والعَظمْ، وحشْوِ الدّواءِ بالدّاء وخروفِ سيِّدنا إبراهيمَ(١٤) بالسُّمْ.

وتُغدِقُ الشَّاشةُ عشرينيَّةُ الأبعادِ، على الرّجُلِ الحديثِ، رفاهيَّةَ الشَّطْنِ(١٥) والّلعْنِ والطّعْنِ والشَّلْحِ والشَّلخِ والسّلخ، وما شاءَ اللهُ من السَّجَعِ والجِناسِ والطِّباقِ والأطباقِ وأجناسِ النِّفاق.

وهي تُعطيهِ كلَّ حقوقِ السَّمْعِ والطّبْعِ والقطْعِ والقمْعِ والّلسْعِ،
والّلمْسِ والَّلحْسِ والطَّمْسِ والغطْسِ والهمْس،
ومَلَكةَ الرُّؤْيةِ وموهِبَةَ العَماء،
والتنبُّؤِ بما كانَ ولم يكنْ، والتقيُّؤِ في المِرآةِ والمِرناةِِ، والتجشُّؤِ والتّبوُّؤ،
وتُهديهِ أرضاً ليستْ بأرضٍ وسماءً ليست سماء.
وتُعطيهِ حُرّيََةَ الشَّذْبِ والشّجْبِ،
والرّفْعِ والجرِّ والصَّمْتِ والنَّصْبِ.
والنّدبِ والذَّبِّ(١٦) والدَّبِّ والسَّبْ.
فتبَّتْ يداها وتبَّتْ يدا أبي لهبٍ وتبْ.
يُشعِلُ ناراً بزوجتِهِ حمَّالَةِ الحَطَبْ(١٧).

وها هي ذي الشّاشةُ الزّاهيةُ تمنَحُ صاحبَها القُدرةَ على فرزِ الألوانِ وجَوْكَرَةِ الوُجوهِ، وعلى زركَشةِ طبقٍ من القُبُلاتِ الفرنسيّةِ الوهميّةِ، مثلاً، على مائدةٍ من الشَّاي الإنجليزيِّ المُتَخيَّلِ، وبسكويتٍ في مِقْصورةِ ماري أنطوانيت،
وحقلاً من الكتّانِ منزوعِ الأليافِ، للتعرّي في مزادٍ علنيٍّ، في الغُرفِ الموصَدةِ بالعَتْمِ الاصطِناعِيِّ والأقفالِ اللاسِلكيّة.

وتُسلِّمُهُ الشَّاشةُ عشرينيَّةُ الأبعادِ، مفاتيحَ الكنْزِ المسْحور، والمُحيطِ المَمْدودِ والمَجْزور (١٨)، وجزيرةَ المغامراتِ وشجاعةَ جوليفر في بلادِ العمالقَةِ وقامَتَهُ الفارِعةَ في بلادِ الأقزامْ.

وتتّسِعُ الشّاشةُ، بين السَّبّابةِ والإبهامْ.
فتنثرُ آلاءَها على صاحبِها، تفّاحاً شهيّاً وموتاً حيِيّاً وحدائقَ للخُلودِ المؤقّت ولِوهْمِ الواقعِ والمقامْ.

والشَّاشةُ أوضَحُ من عيْنِ الشّمسِ في يومٍ صافٍ خرجَ لتوِّهِ، بلا رداءٍ، من تحتِ دُشِّ الغَمامْ.

وللجهازِ الخليويِّ، المُختالِ فوقَ الحِزام، ترسانةٌ من الضَّرَباتِ عندَ المنطقةِ الحَرام. وسمّاعاتٌ أفضلُ من آذانِ الخُلْدِ والجدرانِ القَديمَةِ والأبوابِ المتفسِّخةِ واستشعاراتِ بوليسِ أمنِ الدَّوْلة.

وفيهِ سلامٌ نحوَ حربٍ.
وحربٌ تُقاتِلُ، ببسالةٍ، من أجلِ السَّلامْ،
وحديقةٌ تزرعُ نفْسَها ورْداً لازَوَرديّاً منَ المطّاطِ، ونوراً نقِيّاً وظلّاً ندِيّاً،
ومقبرةٌ تفتحُ حِضْنَها لفارسِ الأحلامْ.

ولهُ بطّاريّاتٌ تدومُ على مدارِ ألفِ غَوْصةٍ في بَحْرِ البرامجِ الافتراضِيّةِ وعلى مدى ألفِ قيلٍ وألفِ قالٍ.
وما عادَ لكلِّ مقامٍ مقالٌ،
ولا لكلِّ مقالٍ مَقامْ.

وللجهازِ الخليويِّ خيطٌ أقوى من حبلِ السُّرَّةِ وأتقى من الرِّباطِ المُقدَّسِ وأبهجُ من أراجيحِ الطُّفولةِ وأليَنُ من شعرةِ معاوِية، وأغنى من الشِّريانِ الأورطي، وأبهى من جدائلِ الأميرةِ الأسيرةِ التي يتعمشقُ حبيبُها، عليْها إليْها، من مملكةِ الغُولِ، وجيشِ الهَوامْ.

وعندَ الرّجلِ المعاصرِ، السّعيدِ بسعادتِه، سيّارةٌ مُطرّزةٌ.
وشُبّيكٌ ولبّيكٌ في ال”مُولْ” وال”غرانْدْ كانيون” والدّكاكينِ والبَسْطاتِ الممتدّةِ على طولِ وعرضِ عيونِ زُرْقِ اليَمامْ.(١٩)

وعندَ الرّجُلِ الحديثِ نظّاراتٌ معتِمةٌ لإخفاءِ الشّمسِ وعينيْهِ الرّاكضتيْنِ وراءَ التّنانيرِ والصّدورِ والسّيقان وطيبِ الرّحيقِ المُصَفّى بمِطْرَقَةٍ، وهندسَةِ القَوامْ.

وعندَهُ بطاقاتٌ لسحبِ النّقودِ من باطنِ الأرضِ ومن السّيولِ والرّذاذِ ومنْ خُفِّ حُنَيْنٍ ومن جيوبِ القتلى وفِضَّةِ الأسنانِ، ومن ساعاتِ الأيدي التي فرَّ النبضُ منها، ومن زفيرِ المصانعِ وليْلِ النّفاياتِ النّوويّةِ والموظّفين الرقميِّين.
فلا المالُ يبعثُ الموتى ولا الجوعُ ينامْ.

وعندَ الرّجلِ الحديثِ أسلاكٌ تطرُدُ اللّيلَ من الّليالي وتحوّلُهُ إلى لاجئٍ في الضّواحي وسقوفِ الوَطواطِ وأبواقِ جذوعِ الشَّجَرْ.

وعندَهُ نجومٌ تَشِعُّ على الأكتافِ والمنصَّاتِ المُشعّةِ، تُغْنيهِ عن الزُّهْرةِ وعُطاردَ والمُشتري والديْسمِ القُطبيِّ واليَراعاتِ والدُّبَّيْن الأَصْغرِ والأكبَرْ.

وعندهُ تذاكرُ سَفَرٍ، بالاتّجاهيْنِ، تُغنيهِ عن تباريحِ الهوى وخفْقَةِ خافِقٍ وعن المشْيِ حافيَ القدميْنِ على الدّربِ إلى القَمَرْ.

وعندَهُ لحافٌ كهربائيٌّ يُغنيهِ عن قُطنِ الغُيومِ، وضمّاداتٌ ألكترونيّةٌ تُنْسيهِ أريجَ الفيْجنِ البرّيِّ والروزماري وبُطْمَةِ الوادي ونكهةِ العِناقِ والزّيْتِ والفلفلِ الحرّاقِ والسُّمّاقِ والزّعترْ.

وعندَ الرَّجُلِ الحديثِ صبغَةٌ للحاجبيْنِ والسّالفَيْنِ والشاربَيْنِ والّلسانِ، وأصماغٌ ومقصٌّ من اللّيزر، لاقتلاعِ الزَّوائدِ وزرْعِ النَّواقصِ وتقصيرِ المسافاتِ وإطالةِ الأوقات.
وقد يلتقي العكسُ بالعكسِ، فيُكسَرُ هذا، وذاك يُكسَرْ.

وعندَ الرّجُلِ الحديثِ، السَّعيدِ بسعادتِهِ، باقةٌ من الورْدِ المضخوخِ من محطّاتِ الوقودِ، ليصيرَ مرحاضاً للذُّبابِ المنزليِّ، ويجافي النَّحلَ والفراشاتِ وهيكلَ الأرْزِ والمُرَّ والمِسْكَ والصّندلَ والعنبرْ.(٢٠)

أمّا بعدُ بَعْدٍ،
فعندَ الرّجلِ الحديثِ قائمةٌ لا تنتهي من العشيقاتِ، الحاضراتِ والمُمْكِنات والمُثلَّجاتِ، والقابلاتِ للترميمِ وإعادةِ التّشكيلِ والتَّلوين.

وعندَ الرّجلِ الحديثِ، في الدّوْلةِ الحديثةِ، قبّعةٌ تنفعُ للتخفّي وتصلحُ لكلِّ الأدوارِ، فتوفِّرُ له المسرَحَ والدّيكورَ والمؤثِّراتِ الصّوتيةَ والإضاءةَ والظِّلالَ والكوْرسَ والممثِّلينَ وشهقاتِ المتفرّجين، وتكفلُ لهُ جنازةً عظيمةً ورحمةً مزركشةً بالغصّاتِ والتّراتيلِ، ومكاناً فسيحاً في القبرِ وفي الجنّة.

وقد يذكرُ الرّجلُ المعاصرُ، السّعيدُ بسعادتِه وتعاستِه واختلاطِ أمرِهِ، أنَّ عندَهُ زوجةً وأنّه أحبّها في عهدٍ بائدٍ.
وقدْ يذكرُ انفراجةَ ثغرِها الأولى،
وقد يذكرُ اسمَها ويستطيعُ أنْ يلفظَهُ كاملاً بدونِ أخطاء.
وقد يذكرُ الرَّجُلُ الحديثُ أنّ عندَهُ، حسبما تُسعفُه الذّاكرةُ، صديقاً مهترِئَ الملامحِ، وبعضَ البناتِ والأبناء.
وقد يذكرُ، وفقاً لآخِرِ الصَّرعاتِ، اسمَهُ واسمَ أبيهِ، بدونِ أنْ يحملَ جبينَهُ في راحَتِهِ وبدونِ الاستِعانةِ ببنوكِ المعلومات.

الرجلُ المعاصرُ، السّعيدُ بسعادتِهِ وتعاستِهِ واختلاطِ أَمرِهِ، يكسِرُ ساعةَ الحائط لأنها ثقيلةُ الهِمّةِ، ويركضُ لاهثاً في الاتِّجاه المُعاكسِ، وراءَ السّلعَةِ المتكاثِرَةِ فوقَ طاقَتِهِ.
إنّهُ يسيرُ بسرعةٍ فائقةٍ، متكئاً على عصا مبرقشةٍ من هواءٍ، بسعادةٍ قصوى وبينيَّةٍ فائضةٍ، نحو الدُّونْمانيّة.

إضاءات:

(١) هو تعبيرٌ استخدمهُ لأوّلِ مرّة قسُّ بن ساعدة من قبيلة إياد، الذي توفي حوالي 600 ميلاديّة، العام 23 قبل الهجرة. واشتهر بقول الشّعر وبنثرِه وحِكَمِه، ويعتبرُ أشهرَ خطباء الجاهليّة على الإطلاق. وكان يخطبُ في الناس، ساجعاً، وهو متّكئٌ على عصا. يُقالُ إنّهُ أيضاً أوّلَ من استخدمَ تعبير “من فلان إلى فلان” وكان يتنقّلُ على ناقةٍ حمراء. من أشهر الخُطَب المنسوبةِ إليه:

“أيها الناس، اسمعوا وعُوا، وإذا سمعتم شيئا فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت.
إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعِبَرا. ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج. ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا؟ تبّا لأرباب الغافلة والأمم الخالية والقرون الماضية.”

(٢) مثلٌ برازيليٌّ.

(٣) كلامٌ مستعارٌ من الشّاعر أبي تمّام:
(صهصَلِقٌ في الصّهيل تحسِبُهُ/أُشرِجَ حلقومُه على جرسِ). والصهصلِقُ هو الحصان.

(٤) سدوم وعامورا مدينتان أحرقهما الربُّ بالناَّر والكبريت (توراة) وقضى على جميع سكّانهما، باستثناء لوط وابنتيْه.
غيرنيكا، مدينةٌ في إقليم الباسك (شمال إسبانيا) دمّرها النّازيون بقصصفٍ جوّيٍّ مُركّز، في السادس والعشرين من نيسان للعام ١٩٣٧، وتحوَّلت إلى رمزٍ للدّمار والقسوة التي يتعرّض لهما المدنيّون. وهو اسمُ اللّوحةِ ذاتِ الشُّهرة العالميّة للرسّام الإسباني بيكاسّو، التي رسمَها مباشرةً بعد تدميرِ المدينة.

(٥) ق.هـ. أي قبل الهجرة. الإشارة إلى سنة وفاة ابن ساعدة الإيادي.
ب.م.: بعد ميلادِ السيّد المسيح.

(٦) أنظر مقولة الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت “أنا أفكّر إذن أنا موجود”.

(٧) رَعْ، الإله الرئيس للدّيانة المصريّة القديمة (الأسرة الخامسة)، وهو إله الشّمس.
حمورابي، مؤسس الإمبراطوريّة البابليّة، واشتهر بالقوانين التي سنّها.

(٨) زرادشت، مؤسس الدّيانة الزرادشتيّة الشهيرة في بلاد فارس وجوارِها، متحدّياً الدّيانات الوثنيّة التي سبقتْهُ. وفي هذا السّياق لا بدَّ من الإشارة إلى كتاب الفيلسوف الألماني فديدريك نيتشِه ذائع الصّيت “كذا تكلّمَ زرادشت” وإلى دعوةِ نيتشِه لتأسيس الإنسان العلويّ “سوبرمان” عبرَ التخلّص من الكثير من ميراث الماضي.

(٩) دجّاج: اشتقاقٌ من فعل دجَّجَ أي سلَّحَ. والأصل: تدجّجت السماء أي اكتست بالغيوم وأظلمت.

(١٠) الإشارة إلى خطبةٍ لقسّ بن ساعدة الإيادي يقول فيها:
“يا معشرَ إياد، أين ثمود وعاد، وأين الآباء والأجداد”.
قبيلتا عاد وثمود، اللتان وردَ ذكرُهما في القرآن الكريم أيضاً، هما قبيلتان عربيّتان شهيرتان، وكانتا رمزاً للجبروت والقوّة والازدهار، إلى أن اندثرتا. وفي قصّةِ القبيلتين يمتزجُ الواقعُ بالأسطورة.

(١١) ثيوقراطيّة (يونانيّة الأصل): حُكم الكهنة ورجال الدين، الذين يدّعون أنّهم يمثّلون اللهَ على الأرض.

(١٢) كلامٌ مستعارٌ من شعرِ أبي الطيّب المتنبي:
(أعزُّ مكان في الدُّنى سَرجٌ سابحٌ/وخيرُ جليسٍ في الزّمان كتابُ).

(١٣) الشَّكْمُ (من شَكَمَ): الإسكاتُ عن طريق الرّشوة، واللَّجْمُ وأيضاً العَضُّ.

(١٤) الإشارة إلى الحَمَلِ الذي ضحّى به إبراهيم الخليل، عِوضاً عن ابنِه (اسحق وفقاً للرّواية اليهوديّة أو اسماعيل وفقاً للرّواية الإسلاميّة).

(١٥) الشّطْنُ: من معانيها الابتعادُ عن الحقيقة والحقّ. ويجوز أن كلمة شيطان جاءت من هنا.

(١٦) الذَّبّ: لها معانٍ عديدة، منها الدفاع، والجفاف من شدة القيظ، وأيضاً كثير الحرَكة.

(١٧) إشارة إلى ما ورد في القرآن الكريم عن أبي لهَبٍ وزوجتِه.

(١٨) من المدِّ والجَزْر.

(١٩) زرقاء اليمامة، وفق الرّواية، كانت ترى على بعد ثلاثةِ أيّامٍ من السّفر.

(٢٠) المرُّ والصَّندَل والعنبَر: مستحضراتٌ نباتيّة، لها روائح طيّبة وتستخدمُ للتطيّبِ والعلاج.

بقلم: فريد غانم

images
فريد غانم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة