شهادة من البروفيسور لطفي منصور

تاريخ النشر: 07/01/15 | 11:39

إن من بين الأعمال الأدبية الجيدة التي تقوم بها مجلة الشرق دراستها المستوفاة لمبدعينا من شعراء وأدباء وباحثين، ممن تركوا بصماتهم واضحة على مسيرتنا الأدبية والثقافية. وذلك عن طريق إفرادها أعدادًا خاصة لدراسة كل أديب ونتاجه الفكري والأدبي بشمولية وبعمق يرضيان فضول القارئ الذي لا تكفيه الأخبار العابرة، والمعلومات المسطحة.
سرني جدًا أن يخصص هذا العدد من مجلة الشرق لرائد من رواد حركتنا الأدبية منذ مطلع الستينات، ممن كان لهم دور لا يستثنى في دفع الحركة الثقافية عند جمهورنا العربي، هذا الرجل هو الأستاذ الدكتور الشاعر فاروق مواسي، الذي لا يجهله الا شخص لا يمت الى العلم او الثقافة بشيء.

إن النشاطات الأدبية والعلمية للدكتور فاروق واسعة ومتعددة، فهو معلم للعربية قبل كل شيء في مدارسنا العربية الثانوية ومعاهدنا العليا، ومؤلف لكتب تدريس الأدب العربي وتاريخه في المرحلة الثانوية، وأسهم مع آخرين في وضع سلسلة كتب “الجديد” في النحو العربي، التي أعقبت كتب “النحو الواضح” لعلي الجارم بعد أن أصبحت الأخيرة لا تستجيب لحتمية التغيير والتجديد في تدريس اللغة العربية. هذا بجانب مقالات كثيرة نشرها في النقد الأدبي والنقد الاجتماعي، وأدب الخواطر والمجلات والإخوانيات وغيرها الكثير مما طبع في كتب خاصة أو ما زال منثورًا في الصحف والمجلات ينتظر الجمع والصدور من جديد.

ولعلّ أهم إنتاج صديقنا الدكتور فاروق هو شِعره الذي صدر في عدة دواوين شعرية تناولت قضايانا الملحة الانسانية منها والسياسية، وانعكس في شعره كثير من هموم الشعب الفلسطيني وتطلعاته نحو الحرية والاستقلال وتضحياته بدماء شهدائه في انتفاضته على الاحتلال الإسرائيلي ونظم في القدس الشريف والأقصى مؤرخًا للأهم الأحداث الدامية التي وقعت على تراب الأرض المقدسة.
قلت إن نشاط الدكتور فاروق وإنتاجه الفكري والشعري والأدبي واسع ومتشعب، ولن أستطيع أن أتناوله برمته، لأن قسمًا منه لا يقع في مجال اختصاصي، وعلى الأخص شعره وقصصه من ناحية قيمتها الفنية والأدبية، وسأترك ذلك لأصحاب الدراية والاختصاص ممن لهم مقدرة في الحكم على هذا النوع من الأدب، وسأكتفي بالحديث عن فاروق المعلم للغة العربية، المدقق اللغوي، الذي سحرته العربية ببيانها وبلاغتها ونحوها منذ أن كان على مقاعد الدراسة.

إن صلتي بالدكتور فاروق معرقة في القدم، تعود إلى بداية الستينات من هذا القرن، فقد زاملته في التدريس في إحدى مدارس باقة عدة سنوات. وكان أبو السيد وقتها مفعمًا بالنشاط يتدفق حيوية، ينعم بحافظة قوية أهلته ليفوز في عدة مسابقات على أقرانه ومنافسيه في القرآن والشعر، ظهرت في برامج اذاعية، وكان لها أثر كبير في علو كعب أديبنا الناهض.
كان أبو السيد في معظم الأيام يتحفنا –نحن زملاءه- في المدرسة، بطرفة لغوية او نحوية أو أدبية توجه إلينا كسؤال ينشط به عقولنا ويدفعنا الى البحث والتنقيب، أو يسرد علينا قصة طريفة من قراءاته الطازجة، يحدوه شيئان: حبه الجم للإعراب ودأبه الذي لا ينتهي على التحدث باللغة الفصحى، ولم يمرّر مرة لحنًا نحويًا، ولم يبال في سبيل النطق الصائب لومًا أو عتابًا.
وهكذا كانت لقاءاتنا مع أبي السيد عبارة عن ندوات في اللغة والأدب كان فيها صديقنا قطب الرحا، وحاز على احترام الجميع إدارة وزملاء وطلابًا، فإذا ما ذكرت اللغة العربية فكل العيون ترتفع إليه.
وشبّ أبو السيد وشبّ معه وازداد حبه للغة الضاد وخدمتها، وبدأ دراسته الجامعية ووصل إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه مثقف عربي في هذه البلاد، وازدادت صلتي به، حتى بعد نقلي من مدارس باقة، فقد شاءت الظروف أن نتزامل معًا في الدراسة الجامعية لنيل اللقب الثاني في جامعة بار إيلان، وكان في دراسته الجامعية مثال الطالب العربي الجاد المنتمي إلى شرف العربية وآدابها والذي يعمل لرفع شأنها.
ومرت الأيام وانصرف أبو السيد لشأنه، وانصرفت أنا أيضًا لشأني، وغرقنا في هموم الحياة ومشاكلها، وفي هموم الدراسة العليا ومشاكلها، واستمرت الصلة بيننا أقوى مما كانت، ولكنها الآن اتخذت شكلاً آخر، وهو تبادل الرسائل في العلم والمعرفة. وقد اخترت رسالة أعتز بها كثيرًا، كان قد أرسلها إلي أبو السيد وأرسلت له اجابتي عنها، وأكون شاكرًا لمجلة الشرق إذا تكرمت بنشرهما.

فاروق مواسي

faroq

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة