أنا والإنتماءات الجهويَّة

تاريخ النشر: 28/04/12 | 8:53

قرأتُ الملاحظة التي كتبها الشاعر سامح يوسف تعقيبا على ما كتبت عن الشاعرين المجيدين، إدريس وخاسكية، فذكرت على هامش ما كتبتُ أنَّهما من المثلث، فلاحظ الشاعر سامح يوسف، الذي أحسبه خاسكية ، أنَّه كان يجدر بي أن أتخطى الجهات!

بداية أشكر الشاعر سامح يوسف على الملاحظة.

يبدو أنه لم يع حقا القصد من ذكري حقيقة الإنتماء الجهوي للشاعرين المجيدين في نظري.

لم يكن القصد ولا يمكن أن يكون انتقاصا من جودة الشاعرين المذكورين، فالإنتماء الجهوي هو مسألة مصادفة وليس أكثر من مجرد مصادفة. اعتدتُ أكتب على أغلفة عدد من كتبي: أنني من كفرياسيف الغافية عند سفوح الجليل الغربي” . عند ذكر انتمائي المكاني ( الجهوي ) في لحظة معينة، لم أر لزوم تخطي هذه الحقيقة المكانية، وإن تكن هذه الحقيقة مسألة مصادفة. وحين أذكر أن مسقط رأسي، أي مكان ولادتي، هو قرية سمخ المهجرة. ففي الحالتين، سمخ وكفرياسيف، اشعر أنني جزء من عالميهما. وهذه الحقيقة لا تمنع ذكر حقيقة أخرى اكتسبتها مع الزمن:

أنني ابن إنسانيتي وابن عالمي الرحب ووليد ثقافات مختلفة اطَّلعت عليها وتعلمت منها.

لكن هذه القناعة لا تبطل أهمية المكان في نظري . فأنا ابن ذاك المكان وابن ما هو أبعد منه.

أحسُّ أنَّ حاكورتي الأضيق من كف يد تصبح عالمي الواسع الرحب، كمراحات النجوم، لمجرد أغلق عيني وأبدأ أتأمَّل عالمي الواسع بجنانه ومزابله.

تربطني بالمثلث علاقات حميمة منذ سبعينات القرن الماضي، عرفت ناسا كثيرين، تبدلت أسماءهم وملامحهم مع الزمن، لكن المكان الذي التقيتُ فيه أولئك الناس مازال يحتفظ بالملامح الإنسانية والمكانية وبالأسماء المكانية ذاتها. ومن ذلك الحين، ما سمح لي العمل والعقل، الوقت والجسد كنت أحاول الإطلال على بلدات أحببتها حقيقة، كالطيبة والطيرة وكفر قرع وعرعرة وعارة وأم الفحم. أدرك جماليات هذه البلدات وسيئاتها، أخاف سلبيَّاتها، لكن أكثر ما يعنيني هو ما فيها من جماليات وإيجابيات. وقد أحببتُ بشكل خاص هضبة الروحة، الجميلة حقا وهضاب الخطّاف وما فيه من سنديان وطائر حرية ( السنونو ).

وحين أتيحت لي فرصة التعرف على مواهب وقدرات كتابية مختلفة، خاصة من وادي عارة و باقة الغربية والطيبة، التعرف على هذه المواهب من خلال موقع بقجة خاصة، شعرت بفرح كبير.

وأكثر من مرة أكدت للصديق رؤوف أبو فنة أنني معني بتطوير الحراك الثقافي المشترك بين كتاب فلسطيني الداخل، في اسرائيل، ومن خلال ذلك تقوية الحراك الثقافي الفلسطيني الأوسع غير المحبوس في انتماءات عصبوية ضيقة، مؤسساتية وحزبية او إقليمية. ولا اكتمك، زميلي الشاعر سامح يوسف، حقيقة مخاوفي من محاولات عدة لتعميق الضحالة الفكرية والثقافية بين كتاب شعبنا وتكريس وهم الألقاب بينهم، كلقب البروفسور الوهمي وغيره، وتكريس الإنتماءات الشكلية الْمُلَمَّعة. أشعر أنَّ هناك من لا يريد مثل هذا الحراك الثقافي الملتزم فقط بالثقافة والأدب، الذي هو أرقى تجلياتها.

حين ذكرت اسمي الشاعرين، إدريس واسمك، لم أقصد الإنتقاص من شعراء آخرين في المثلث، أو غير المثلث. لكني وانطلاقا من قناعة مُجَرَّبة أنَّ الأدب الحقيقي لا يحتمل وجهنات، عند عرض وجهة نظر مسؤولة، حقيقة لا أعرفكما شخصيا، فالشخص لا يعنيني، إنما النص.

والمضمون قد يعنيني كثيرا، لكن ما يعنيني هو مدى قدرة الكاتب ومقدرته على الجمع بين المضمون والأسلوب. وحين أسألُ عن رأيي في أسماء مُلمَّعَة، لا أخفي حقيقة رأيي، قد التزم الصمت، أحيانا، لكنني في معظم الحالات أكشف عن حقيقة رأيي وفهمي.

فاعذرني أيها الزميل سامح يوسف، فربما أكون مخطئا، لكن هذا هو فهمي للمكان وللإنتماء الصُّدَفِيِّ. وما يجمل بالكاتب هُوَ أن يكون وليد بيئته، وإن كان يجب إحداث تغيير في تلك البيئة، فيجب عدم التنكر لها أو نفيها. ويجمل بالكاتب الحق الربط الذكي، الواعي والهادف بين بيئته وعالمه.

تعليق واحد

  1. كم انت رائع وجميل..ابو مالك..لو عرفت ملاحظتي تحتمل ردا كما رددت ما كتبت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة