لتتوقف جرائم التطهير العرقي ضد المسيحيين في العراق
تاريخ النشر: 24/07/14 | 12:14في حين تشهد ارض فلسطين حرباً إجرامية دموية بحق شعبنا في قطاع غزة، وترتكب خلالها أفظع المجازر بحق المدنيين العزل، أطفالاً وشباباً ونساءً وشيوخاً، وأبشع جرائم الحرب ضد الإنسانية على أيدي قوات الغزو الاحتلالية الإسرائيلية، يواجه المسيحيون في بلاد الرافدين، العراق، وبالذات في الموصل، بحكم انتمائهم الديني، جرائم تطهير عرقي وإبادة جسدية جماعية من قبل عصابات تنظيم “داعش” الإرهابي وتيارات سلفية وظلامية وتكفيرية أخرى بمسميات مختلفة، تمارس القتل والذبح واقتراف الجرائم الوحشية ضد أبناء الديانات والطوائف المتنوعة، وبحق المسلمين والمسيحيين الذين لا يتفقون مع فكر هذه الجماعات والعصابات التكفيرية المتطرفة، وكل ذلك تحت يافطة الإسلام، والإسلام منها براء.
ومنذ أن وطأت أقدام الإرهابيين الداعشيين تراب الموصل، وبعد أن استولت عليها وأعلنت قيام” دولة الخلافة الإسلامية ” فيها، بدأت بتطبيق نهجها العدواني المجرم الذي اختارته لدولتها تجاه أتباع الديانات والمذاهب الأخرى ويكشف طبيعتها وحقيقتها، فأخذت تقتل كل من لا يتفق مع فكرها، وتحصد أعداد هائلة من الشيعة وأئمة المساجد الذين رفضوا مبايعة الخليفة. وانطلاقاً من مبدئها ومعتقدها أن لا وطن لغير التكفيريين من أبجديات تنظيم دولة الخلافة، فقد خيرت مسيحيي الموصل بين إشهار إسلامهم ودفع الجزية أو مغادرة مدينتهم التي أحبوها وعاشوا فيها قروناً ودهوراً جنباً إلى جنب إخوانهم المسيحيين، الأمر الذي دفعهم واضطرهم للهجرة والنزوح. وهكذا أفرغت الموصل من أهلها الأصليين من بناة الحضارة والثقافة العراقية، ومن احد مكوناتها الدينية والثقافية، وتغيرت معالمها بعد سيطرة داعش عليها، التي راحت ترفع الآذان على كنائسها.
إن المسيحيين في العراق هم جزء عام ومكون أساسي من مكونات الشعب العراقي الواحد، ذي الأصول المتعددة، وامتداد لشعوب تاريخية سكنت واستوطنت بلاد دجلة والفرات، وبنت حضارات وثقافات وأمجاد ما تزال بصماتها وملامحها ظاهرة في العراق، من البابليين والأشوريين والكلدانيين والسومريين وسواهم. وما تقوم فيه هذه الحركة الداعشية المجرمة الهدامة من ممارسات اضطهادية دينية وعرقية هي جرائم ضد الإنسانية وعمليات إبادة وتصفية للحضارات والمقدسات والثقافات الإنسانية وشطب للتاريخ الحضاري العراقي.
إنها ممارسات غير أخلاقية وغير إنسانية بعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه، وتفسد جوهره، وتسيء لصورته المشرقة السمحة، وتشوه ديننا الإسلامي الحنيف الذي يقول بصريح العبارة ” لا إكراه في الدين ” و” لكم دينكم ولي دين “.
في الحقيقة أن ما يجري في العراق هو من إفرازات ونتاج الاحتلال الامبريالي الأمريكي البغيض، الذي زرع وغرس نظام المحاصصة الطائفية القمعي الإجرامي الاقصائي ، وعمق الطابع الطائفي في العراق كخطوة أولى على طريق تقسيم وتجزئة وإضعاف وتفكيك هذا البلد العربي العريق. ولا ريب أن إفراغ الموصل من سكانه المسيحيين لهو جريمة كبرى بحقه وتاريخه العربي الإسلامي، وبحق شريحة عريقة ممتدة وضاربة جذورها في التاريخ العراقي منذ آلاف السنين، ويشكل وصمة عار لا يمكن السكوت والتغاضي عنها، وعليه فان إنقاذ المسيحيين كبشر هو واجب إنساني وأخلاقي يتجاوز كل الفوارق والاختلافات الدينية والقومية والمذهبية.
إننا إذ نقف وندين كل أشكال الاضطهاد والملاحقة بسبب الانتماء الديني والعقيدة المتعلقة بالدين، ندعو المجتمع الدولي والعالم التدخل السريع لوقف جرائم داعش في العراق وإنقاذ مسيحيي العراق من عمليات التطهير العرقي والتهجير القسري، ومن واجب القوى الوطنية التقدمية والعلمانية والمدنية والديمقراطية ومؤسسات المجتمع الديني العراقي أن تأخذ دورها الحقيقي الفاعل في التصدي لهذه الجرائم الداعشية، لأنها لن تبقى محصورة في العراق وسورية بل ستمتد إلى دول أخرى ، والوقوف بالمرصاد لهذه الحركة السلفية الظلامية الهدامة المجرمة التي تريد إعادتنا على كهوف الظلام ودياجير التخلف، والعمل على اجتثاث جذورها وسحقها بالكامل في المجتمع العراقي وكل مجتمعاتنا العربية.
شاكر فريد حسن