اللغة اللغة

تاريخ النشر: 19/07/14 | 8:34

اتصلت بي طالبة من إحدى الكليات الفلسطينية طالبة مني أن أساعدها في شرح هذا البيت:
وتفلسع الفشخاط في شخف الخفا ——— كبربري سقا البهيعة بعبلي
قلت لها: والله لا أعرف، ولا أريد أن أعرف، فما حكاية هذا البيت؟
قالت: طلب منا معلم العربية أن نفسره، بل طلب أن نحفظه عن ظهر قلب.

قلت: وهل يُـعقل؟
نعم، وقد خصص علامات، فبالله عليك كيف نحفظ ما لا نفهم، وأين نجد الشرح، وهو لم يقل لنا؟
قلت: أنت على حق، خاصة وهو لم يذكر لكم أي سياق حتى يكون البيت في إطاره.

بحثت عن البيت فوجدته في صيغ مختلفة، منها:
و تفشحط الفشحاط في شحف الحفا
بذباذباك زبعبلوك البعبعبل

ومنها:
تفلسع الفشحاط في شحف الحفاة ** بربريّ سقا الهيههع البعبلا

وكتب بعضهم أنه للشنفرى.
عجيب أمر هذه المحاضر، وأسأله: بالله عليك، هل أنت تحفظ البيت؟
فاقرأ معي ما كتبت مرة مقال- “غريب الكلام” في كتابي “من أحشاء البحر”. باقة الغربية: أكاديمية القاسمي. ط2- 2007، ص 37- 39.
……….

الحلقة التاسعة
غريب الكلام….
………..
الحق أن لغتنا نبذت الكثير من الكلمات الجاسية حتى أصبحت مأنوسة فيها طاقة إيحائية، ولا نرى بعد من يدعو الأسد بالفدَوْكَس، واختفت كلمات كزّة أمثال الغبطنط… والعشنو والجشرب والقوشب، ومن أراد أن يعرف معانيها فليبحث عن خنفشار.
وخنفشار لقب غلب على رجل ادعى المعرفة وهو جاهل، كان يجيب عن كل سؤال، فاجتمع نفر من العابثين قالوا: هيا نخلق كلمة، وليأت كل واحد بحرف، فتبرع كل منهم بحرف حتى اجتمعت لهم كلمة خنفشار،وما إن حضر صاحبنا المدّعي حتى واجهوه بالسؤال: و ماذا تعني كلمة ” خنفشار ” ؟
ففكر وقدر، ثم أجاب الواثق من نفسه أنه نبات يعيش في اليمن، ومن لا يصدق فليسمع استشهادًا ببيت شعر لشاعر جنّده توًا:
” لقد عقدت محبتكم فؤادي كما عقد الحليبَ الخنفشارُ ”
يذكرني هذا بنكتة بشار، عندما قال على لسان حمار:
سيدي خذ بي أتانًا عند باب الأصبهاني
تيّمتني إذ رأتني بثناياها الحسان
ذات غنج ودلال سل جسمي وبراني
ولها خد أسيل مثل خد الشَّـيفران
سألوه: ما الشيفران ؟ أجاب بشار: ” هذا من غريب الحمار، اذهبوا واسألوه! “.
* * * * *
يحكى أن أبا الهندي الذي عاش في العصر العباسي – كان يعمد إلى عويص الألفاظ، فيخاطب خادمه بها، فإذا لم يفهمه طرده شر طردة حتى جاءه ” من يعرف البلوط ” على رأي المثل، فسأله ذا صباح:
– يا غلام هل أصقعت العتاريف ؟
– زقفليم يا مولاي.
– ويحك، وما زقفليم ؟
– وما أصقعت العتاريف ؟
– يا لك من غبي، ألا تعرف أنها تعني: أصاحت الديوك ؟
– ومثلك في فضلك وعلمك، ألا تعلم أن زقفليم تعني لا ؟

…….
ويحكى أن أعرابيًا صاد قطًا ولم يكن يعرفه. سأله الأول: ما هذا السِّنَّوْر ؟ سأله الثاني: ما هذا القط ؟ والثالث: ما هذا الهر ؟ والرابع: ما هذا الضَّيون ؟ والخامس: ما هذا الحيطل ؟ فمنّى الأعرابي نفسه بربح طائل من ورائه، وما عتّم أن قال بعد أن خاب أمله:
” لعنة الله عليه ما أكثر أسماءه وأقل ثمنه !”.
لا ننس ونحن في سيرة القط أن نجمع القط على قِطَطة ( وليس القطط ).

ونقل لنا الرواة أن أم الهيثم وهي أعرابية تعتبر مرجعًا لغويًا آنذاك، نزلت في العراق أيام احتدام النزاع اللغوي بين البصرة والكوفة ؛ دخل أبو عبيدة مع طائفة من العلماء يسألونها عما كانت عليه من مرض فقالت:
” كنت وحْمى للدِّكة، فشهدت مأدُبة، فأكلت جبجبة من صفيف هِلَّعة فاعترتني زُلَّخة “. فلم يفهموا عنها.
قالت إنها لغة قريش:
الدِّكَّة: الدسم.
الجَبجبة: الكرش يملأ بالشحم.
الهِلَّعة: أنثى المعز.
الزُّلَّخة: وجع يصيب الظهر.
فإذا كان أبو عبيدة قد بُهت، فما أحرانا اليوم ونحن أصحاب ذوق آخر أن ننكر هذه الكلمات المتعسفة…… ولعل في دعوة الأستاذ احمد أمين إلى إخراج هذه الكلمات من معاجم الطلاب شيئًا من الصدق.
فليكن مقالنا يسيرًا لينًا نفتش عن المعنى أولاً، ونلبسه الثوب الزاهي، ولكل مقام مقال. ولتكن لنا في قصة النحوي الذي وقع في الكنيف عبرة:
كان يستنجد بلغة مسجوعة منمقة… فما كان ممن حضر ليسعفه إلا أن قال:
“امرأتي طالق إن أخرجتك”

ب.فاروق مواسي

faroq

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة